أثار الارتفاع الأخير في معدل التضخم السنوي والشهري تساؤلات واسعة حول تداعيات ذلك على الأسعار والسياسات النقدية والمالية، خاصة في ظل الزيادات المسجلة في أسعار الوقود وخدمات النقل، والتي انعكست بوضوح على تكلفة السلع والخدمات الأساسية.
ارتفاع معدل التضخم خلال أبريل
فمن جهته، أعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، أن معدل التضخم السنوي لإجمالي الجمهورية بلغ 13.5% في أبريل 2025، مقارنة بـ13.1% في مارس، كما ارتفع معدل التضخم الشهري بنسبة 1.3%، حيث سجل الرقم القياسي العام لأسعار المستهلكين 253.8 نقطة.
أسباب ارتفاع التضخم
وأوضح الجهاز أن هذا الارتفاع يعود إلى عدة عوامل، أبرزها الزيادة الكبيرة في أسعار الكهرباء والغاز ومواد الوقود الأخرى بنسبة (6.7%)، إلى جانب منتجات الأجهزة والمعدات الطبية التي قفزت بنسبة (11.4%)، وخدمات النقل الخاصة والعامة بنسبة (8.6%) و(8.2%) على التوالي، كما ارتفعت أسعار الملابس الجاهزة بنسبة (2.0%)، والوجبات الجاهزة بنسبة (4.2%)، والخدمات الثقافية والترفيهية بنسبة (15.6%). وعلى صعيد السكن، ارتفعت الإيجارات الفعلية للمساكن بنسبة (1.1%)، وأسعار المياه والخدمات المرتبطة بها بنسبة (0.3%).
وفي المقابل، شهد قسم الطعام والمشروبات تراجعًا إجماليًا بنسبة (-1.2%) نتيجة انخفاض أسعار اللحوم والدواجن بنسبة (-3.5%)، والفاكهة بنسبة (-5.1%)، ومنتجات الألبان والبيض بنسبة (-0.6%).
خبير يتوقع خفض الفائدة
من جانبه، قال الدكتور خالد الشافعي، الخبير الاقتصادي، إن "ارتفاع معدلات التضخم أمر طبيعي ومتوقع في ظل زيادة أسعار الوقود وخدمات النقل على مستوى الجمهورية، وهو ما انعكس مباشرة على أسعار السلع المرتبطة بالنقل والشحن والطاقة".
وأضاف الشافعي لـ"الرئيس نيوز"، أن أسعار الوقود مرتفعة، وكذلك تعريفة النقل، ما أثر على تكاليف السلع والبضائع والمنتجات الزراعية، حتى أجور العمالة شهدت زيادات كبيرة، وبالتالي من الطبيعي أن ترتفع الأسعار، خاصة وأن أي تحريك في أسعار المحروقات يكون تأثيره ممتد وشامل لأسعار مختلف السلع والخدمات لعدة أشهر لحين استقرار الأوضاع.
في سياق متصل، اعتبر الشافعي أن الفرصة لازالت سانحة لمواصلة خفض سعر الفائدة نظرًا لأن ارتفاعات التضخم محدودة وغير مؤثرة بشكل كبير.
وتابع: سعر الفائدة مرتفع بشكل مبالغ فيه، يجب على البنك المركزي خفض أسعار الفائدة لأنه بحاجة لتشجيع الاستثمار، نحن في مرحلة تتطلب جهودًا كبيرة، ويجب توجيه جزء من السيولة المتاحة نحو الاستثمارات والمشاريع لتوفير فرص عمل وزيادة الطاقات الإنتاجية.
أكمل: "إذا ظل التضخم عند هذه المستويات المؤثرة، فقد يحدث تباطؤ اقتصادي، أعتقد أن البنك المركزي سيخذ قرارًا بخفض الفائدة في الاجتماع القادم بنسبة لا تقل عن 2%، لأن السوق متعطش للسيولة، ولا بد من تحريك عجلة الاقتصاد من خلال ضخ أموال للاستثمار".
انخفاض التضخم السابق غير واقعي
بينما اعتبر الدكتور صلاح فهمي، أستاذ الاقتصاد، أن الانخفاض السابق في معدلات التضخم "لم يكن واقعيًا"، وقال: "لم نشعر كمواطنين بهذا الانخفاض، لأنه لم يكن هناك رقابة حقيقية من الحكومة على الأسواق، والجهاز الإحصائي يجب أن ينقل الواقع بدقة لأن كل سياسات الدولة تبنى على هذه البيانات".
وأضاف فهمي لـ"الرئيس نيوز": "بعد تحريك أسعار البنزين، بدأت أسعار جميع السلع ترتفع بمعدلات غير مسبوقة، والسؤال هنا: هل هذه الأسعار تعكس التكلفة الحقيقية؟ التكلفة تشمل الأجور، وريع الأرض، والمبيدات، تكلفة النقل وهامش الربح".
وأشار إلى أن "الدولة تعتمد بشكل كبير على الضرائب كمصدر رئيسي للإيرادات، وهذا مؤشر سلبي لأنه يضغط على المواطنين والمستثمرين، نحن لدينا خلل واضح في هيكل الموازنة، فمعظم الإيرادات تأتي من الضرائب وليس من الإنتاج أو التصدير، ما يؤدي إلى إرهاق المواطن ويرفع الأسعار بشكل مستمر".
وأوضح فهمي: "كل هذه العوامل قد تدفع البنك المركزي لتغيير سياساته النقدية، من الضروري خفض أسعار الفائدة، لأن هناك علاقة وثيقة بين الفائدة والتضخم، إذا كان التضخم أعلي من نسبة الفائدة تكون الفائدة الحقيقية سالبة، وإذا تساوي التضخم والفائدة تكون الفائدة صفرية، وبالتالي أي قرار يخص نسبة الفائدة لابد وأن يراعي معدلات التضخم.
وتوقع أستاذ الاقتصاد أن "يتم تثبيت نسبة الفائدة في اجتماع لجنة السياسة النقدية بنهاية مايو، لأن البنك المركزي يريد مراقبة مسار الأسعار ومعرفة ما إذا كانت هناك موجة تصاعدية جديدة".
وتابع: "استمرار الفائدة المرتفعة يشجع المواطنين على الإبقاء على أموالهم بالبنوك بدلًا من استثمارها أو تحريكها داخل الاقتصاد، وفي حال تم خفض الفائدة، سيتجه الناس إلى شراء الذهب أو المضاربة على العملات، لذا من المهم توفير بدائل إنتاجية حقيقية".
0 تعليق