ينشر موقع “بصراحة” الدراسة المقدَّمة من الدكتور هاني سري الدين بشأن الأثر التشريعي لبعض مواد قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية، الصادر بالقانون رقم 27 لسنة 1994.
ويناقش مجلس الشيوخ، برئاسة المستشار عبد الوهاب عبد الرازق، خلال جلسته العامة اليوم، تقرير اللجنة المشتركة من لجنة الشؤون المالية والاقتصادية والاستثمار ومكتب لجنة الشؤون الدستورية والتشريعية بشأن هذه الدراسة.
وأفادت الدراسة أن قانون التحكيم في المواد المدنية والتجارية يُعد من أهم التشريعات الإجرائية، ليس فقط في مصر بل على مستوى الشرق الأوسط، إلا أن التطبيق العملي خلال الثلاثين عامًا الماضية كشف عن بعض المشكلات، أبرزها طول أمد إجراءات تنفيذ أحكام التحكيم، والصعوبات الإجرائية المتعلقة بدعوى بطلان هذه الأحكام، ما أضعف من فاعلية التحكيم كوسيلة سريعة وفعالة لإنفاذ القانون وتحقيق العدالة الناجزة.
أسباب النظر في الأثر التشريعي لمواد القانون
سلّطت الدراسة الضوء على الأسباب الدافعة لإعادة النظر في بعض المواد، وفي مقدمتها تحديد المحكمة المختصة بإصدار الصيغة التنفيذية لأحكام التحكيم، كما نصت عليه المادتان (3) و(9) من القانون، إذ تبين من الواقع العملي وجود تنازع سلبي بين المحاكم بشأن الاختصاص بتنفيذ تلك الأحكام.
وترجع جذور هذه الإشكالية إلى تفسير المادة (3) من القانون، والتي تحدد معيار التفرقة بين التحكيم الدولي والتحكيم الداخلي. فإذا كان التحكيم تجاريًا دوليًا، تختص محكمة استئناف القاهرة بنظر المسائل المتعلقة به. أما إذا كان التحكيم تجاريًا داخليًا، فينعقد الاختصاص للمحكمة المختصة بنظر النزاع في الأصل.
وقد أثار تفسير البند (ثانيًا) من المادة (3) جدلاً واسعًا، أدى إلى تنازع الاختصاص بين المحاكم، وبالتالي تعطيل بعض إجراءات التنفيذ. وينص البند على:
“يكون التحكيم دوليًا في حكم هذا القانون إذا كان موضوعه نزاعًا يتعلق بالتجارة الدولية، وذلك في الأحوال الآتية: (…) ثانيًا: إذا اتفق طرفا التحكيم على اللجوء إلى منظمة تحكيم دائمة أو مركز تحكيم يوجد داخل جمهورية مصر العربية أو خارجها.”
وأشارت الدراسة إلى أن بعض دوائر محكمتي استئناف القاهرة ومحكمة النقض فسّرت النص على أن مجرد اللجوء إلى مركز تحكيم دائم يضفي على التحكيم صفة “الدولية”، حتى وإن كان طرفا النزاع مصريين، في حين اتجهت دوائر قضائية أخرى إلى ضرورة توافر شرط اتصال النزاع بالتجارة الدولية إلى جانب الشروط الأخرى المنصوص عليها في المادة.
ونتج عن هذا الخلاف القضائي تعطيل في إجراءات التحكيم، حيث استغرقت النزاعات سنوات أمام محكمة النقض، ما أفرغ فلسفة التحكيم من مضمونها وأضعف مقاصده، مما استدعى تدخلاً تشريعيًا لحسم التباين، وتفادي تضارب الأحكام القضائية، وضمان سير إجراءات التحكيم بسلاسة، بما يعزز ثقة المستثمرين المحليين والأجانب على حد سواء.
نتائج وتوصيات اللجنة
وأكد تقرير اللجنة المشتركة أن المجتمعين أوصوا بتعديل المادة (56) لتكون محكمة استئناف القاهرة هي الجهة القضائية الوحيدة المختصة بمنازعات التنفيذ.
كما لاحظت اللجنة وجود فراغ تشريعي في المادة (58)، بعد أن قضت المحكمة الدستورية العليا، في حكمها الصادر بتاريخ 6 يناير 2001 في الدعوى رقم 92 لسنة 21 دستورية، بعدم دستورية البند (3) من المادة (58) فيما تضمنه من حظر التظلم من الأمر الصادر بتنفيذ حكم التحكيم. وقد ترتب على ذلك فراغ تشريعي في تنظيم آلية التظلم من أوامر رفض تنفيذ الأحكام، مما استلزم تعديله.
توصيات اللجنة بشأن الأثر التشريعي لقانون التحكيم
أوصت اللجنة، في ضوء ما خلصت إليه المناقشات مع ممثلي الحكومة والمعنيين من ذوي الاختصاص، بتعديل المواد (3)، (47)، (54)، (56)، و(58) من قانون التحكيم، بهدف:
• حسم الإشكالية المرتبطة بتحديد معيار “الدولية” في خصومة التحكيم.
• تحديد الجهة القضائية المختصة بالنظر في مسائل التحكيم بما يمنع تضارب الأحكام.
كما أوصت بأن يُودَع جميع أحكام التحكيم لأغراض التنفيذ لدى قلم كتاب محكمة استئناف القاهرة، وأن يُجيز القانون الطعن عليها بدعوى البطلان مباشرة أمام محكمة النقض خلال 60 يومًا من إعلان الحكم، على أن يكون الحكم الصادر نهائيًا غير قابل للطعن بأي طريق آخر.
كذلك أوصت اللجنة بحذف البند (1) من المادة (58)، لما له من أثر سلبي في تعطيل تنفيذ أحكام التحكيم دون مبرر قانوني، وأن يُنظم التعديل المقترح إجراءات التظلم من أوامر تنفيذ الأحكام أو رفض تنفيذها بشكل محكم.
أهداف الدراسة
تهدف دراسة الأثر التشريعي إلى ما يلي:
1. اختصار المدة الزمنية اللازمة لتنفيذ أحكام التحكيم، وإنهاء التنازع القضائي حول الاختصاص بين المحاكم الابتدائية والاستئنافية، بما في ذلك المحاكم الاقتصادية، وتفادي الطعن أمام محكمة النقض بسبب تضارب التفسيرات القضائية.
2. توحيد اتجاهات القضاء فيما يتعلق باعتبار اللجوء إلى مركز القاهرة الإقليمي للتحكيم الدولي كافيًا لإضفاء وصف “الدولية” على النزاع، تماشيًا مع الأعمال التحضيرية لقانون التحكيم.
3. إزالة العقبات أمام تنفيذ أحكام التحكيم، مع الحفاظ على الإطار العام لقانون التحكيم المصري المستمد من قانون الأونسيترال النموذجي، بما يعزز بيئة الأعمال والاستثمار في مصر
0 تعليق