تفاعل المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان مع “استفحال ظاهرة تجوّل المختلين عقليا بالشارع العام بكل حرية”، سواء المسالمين أو العدوانيين منهم، موردا أنه “يتابع ذلك بقلق شديد”.
وضمن بيان موجه للرأي العام توصلت به هسبريس من مكتبه بجهة بني ملال-خنيفرة، حمّل المرصد الحكومة مسؤولية الوضعية المزرية التي تعيشها هذه الفئة الهشة من المجتمع المغربي، خصوصا مع النقص المهول في المؤسسات الصحية والأطر الطبية والتمريضية المختصة”، داعيا وزيري الداخلية والصحة إلى السهر على التعجيل بتحديث وتفعيل مشروع القانون رقم 13-71 الذي سحبته الحكومة شهر شتنبر 2023 بعد أن ظل حبيس رفوف المؤسسة التشريعية منذ سنة 2016 كي يحلّ محل الظهير 295-58-1 الصادر بتاريخ 30 أبريل 1959 الخاص بالوقاية من الأمراض العقلية ومعالجتها وحماية المرضى المصابين بها”.
ضعف الاستثمارات
بعدما شدد على “ضعف استثمارات الدولة في منظومة الرعاية النفسية”، اقترح المرصد الحقوقي ذاته العمل على ضمان “توزيع جغرافي متكافئ وكاف للمؤسسات الصحية لمعالجة الأمراض النفسية والعقلية”، موازاة مع “توفير العدد الكافي من التجهيزات والأطر الطبية والتمريضية المختصة”.
كما أوصى بـ”مضاعفة المجهود في محاربة انتشار المخدرات بكل أصنافها”، و”تحسين الخدمات المقدمة للنزلاء وأنْسَنتها”، مقترحا “الاستعانة بالأطباء الخصوصيين مرحليا في انتظار إيجاد حلول جذرية وتخصيص ولو بعض الأسرة للنساء والأطفال لحمايتهم (جهة بني ملال خنيفرة نموذجا)”.
المرصد ذاته وصف بـ”المطلب المهم جداً” “إصلاحَ وإعادة هيكلة وتجهيز مستشفى الأمراض العقلية” في برشيد، مناديا في هذا السياق بـ”المساهمة في تسريع عملية بناء مستشفيات للأمراض العقلية مشتركة بين 3 جهات أو جهتين”، فضل عن “إنشاء مراكز لمحاربة الإدمان” بوصفها “المسؤول الأول عن الأمراض العقلية في عصرنا”، حسب تقديره.
وبشأن “ترحيل المعنيين من الشارع إلى قسم محاربة الأمراض العقلية”، قدّرت الهيئة ذاتها أنه “يجب أن يكون بمسؤولية مشتركة بين عدة مؤسسات بتوفر سيارة إسعاف مجهزة ومخصصة لهذا الغرض، يرافقها رجال الوقاية المدنية ورجل أمن وعون سلطة وطبيب أو ممرض متمرس للتعامل مع هذه الحالات (المكتب الصحي البلدي – المستشفيات)”، مع إيجاد “سرير للمريض قصد العلاج”.
كما لفت المرصد الدولي للإعلام وحقوق الإنسان إلى أهمية الاعتناء بـ”المهاجرين جنوب الصحراء المتواجدين على تراب المملكة، بإجراء كشف طبي دوري-خصوصاً-على الذين تظهر عليهم علامات الاضطراب العقلي أو النفسي قصد تقديم المساعدة والعلاج المناسب لهم تماشيا مع قيمنا النبيلة”.
الدمج الاجتماعي
تعليقا على “المطالب المدنية” المتجددة بخصوص الموضوع، أوضحت نوال أعجوب، طبيبة نفسية مختصة في العلاج النفسي وطب الإدمان، أن الأخير “يعدّ فعلاً سببًا رئيسيا للأمراض العقلية”، موضحة “صعوبة توفير العلاج للمدمنين بسبب التكاليف العالية”، في ظل “تحديات توفير الأدوية العلاجية للأمراض العقلية والنفسية، بسبب نقص الأدوية في الصيدليات وتعامل الصيادلة مع المرضى”.
كما أشارت أعجوب، ضمن تصريح لهسبريس، إلى “قلة المؤسسات الصحية للأمراض العقلية والنفسية، لا سيما في المدن الكبرى، ونقص التجهيزات والكوادر الطبية والتمريضية، كعوائق أساسية لتقدّم وتطوير هذا الصنف من العلاجات”.
وبينما أكدت “أهمية الدمج الاجتماعي للمرضى بعد الاستشفاء، حيث يفتقر العديد من المرضى للدعم القانوني والاجتماعي”، نوهت الأخصائية النفسية إلى “أهمية تجهيز سيارات الإسعاف لنقل المرضى عقليا ونفسيا”، مؤكدة أن “هذا يتطلب تكثيف التعاون بين مؤسسات متعددة”.
وشددت الدكتورة ذاتها على العواقب الوخيمة لتهميش تخصص الطب النفسي والعقلي على المجتمع في المستقبل، قبل أن ترصد “نقص التوعية حول الأمراض النفسية والعقلية التي تؤدي إلى تفكك الأسر وزيادة معدلات الجريمة”.
كما أكدت أن “تأثير الأمراض النفسية يبقى شاملا للمجتمع بشكل عام، وأن عدم علاجها يؤدي إلى جرائم وعواقب وخيمة”، منبهة إلى أن “الإدمان يستلزم تدخلات من جهات عدة مثل الصحة، الشرطة، والمحاكم لمعالجة المشكلة (…) لا سيما أن انتشار حالات الاكتئاب ومحاولات الانتحار بين الأطفال والمراهقين في تزايد، ما يستدعي مراقبة خاصة للصحة النفسية لديهم”.
تحديد المتدخلين
من منظور علم النفس الاجتماعي وأبحاثه، طرح عادل غزالي، أستاذ مختص في “البسيكو سوسيولوجيا” بكلية العلوم الاجتماعية بالمحمدية، بعض “الملاحظات الأولية بخصوص وضعية المختل عقليا والصحة النفسية في المغرب”، مركزا في حديثه على “دور نقص الخدمات في ما نعيشه اليوم”.
وقال غزالي، ضمن حديث لهسبريس، إن “تقارير وزارة الصحة والتقارير الدولية تشير إلى نقص حاد في عدد مهنيي الصحة النفسية. كما أن ثمّة نقصًا ملحوظا في جودة التكوينات والانسجام بين التخصصات الطبية والنفسية المختلفة في التعامل مع حالات المرض النفسي”.
وفي تقدير أستاذ علم النفس الاجتماعي، فإن “الاهتمام بالصحة النفسية وما يتفرع عنها من إشكاليات، يجب أن يتجاوز العلاج ليشمل تحسين جودة الحياة للجميع”، كاشفا عن بعض ما وصفه بـ “صراع خفيّ بسبب تعدد المتدخلين في المجال النفسي”.
كما نبه الخبير ذاته إلى “غياب وضع قانوني لحماية التخصصات النفسية، ما يشجع فتح المجال للمتطفلين والمشعوذين، خاصة عبر صفحات شبكات التواصل”، حسب تعبيره.
وأبرز أن “هناك خللا واضحا في نظام التدخل الطبي والتكفل الطبي بعدد من الحالات النفسية، ما يفاقم ظهوره الميداني في الساحات والشوارع”، مثيرا “الحاجة المحلة لرسم خريطة واضحة للمتدخلين وتحديد أدوارهم”.
وتأسف غزالي لاستمرار الفوضى في المجال النفسي في غياب نص قانوني واضح، مشددا على أهمية “التعامل مع المشاكل النفسية قبل وقوع الكوارث، وليس فقط بعد حدوثها”.
0 تعليق