في مشهد جديد يعيد رسم خريطة الطاقة في مصر، تلجأ القاهرة إلى خيار غير تقليدي يعكس تحولاً جوهرياً في سياسات تشغيل محطات الكهرباء، إذ قررت الدولة الاستعانة بزيت الوقود بدلًا من الغاز الطبيعي، في خطوة تعكس تعقيدات التوازن بين التكلفة والاحتياجات المتزايدة للطاقة.
مناقصة لشراء نحو مليوني طن من زيت الوقود
طبقا لـ تحيا مصر ، هذا التغيير المفاجئ في مصادر تغذية محطات الكهرباء ليس مجرد قرار عابر، بل هو استجابة مباشرة لأزمة تتفاقم بفعل ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي محليًا وعالميًا، وتراجع إنتاج مصر من الغاز، ما دفع الهيئة العامة للبترول إلى طرح مناقصة لشراء نحو مليوني طن من زيت الوقود لتسليمه في مايو ويونيو.
تُفضّل مصر الآن زيت الوقود على الغاز المُسال أو المنقول عبر الأنابيب، ليس لجودته، بل لأنه الأرخص، وهذه الخطوة، وإن بدت موفرة من حيث التكلفة، إلا أنها تضع البلاد أمام تحديات بيئية متزايدة بسبب الانبعاثات الكربونية المرتفعة المرتبطة باستخدام هذا النوع من الوقود.
زيت الوقود على الغاز المُسال أو المنقول عبر الأنابيب
المفارقة أن الطلب المصري الاستثنائي على زيت الوقود ساهم في رفع هوامش ربحية هذا المنتج عالي الكبريت في شمال غرب أوروبا إلى أعلى مستوى موسمي منذ عام 2008، وفقًا لبيانات السوق، وهذا يعكس تأثير السوق المصري المتنامي في معادلة الطاقة الإقليمية والعالمية، رغم كونه مستوردًا وليس منتجًا رئيسيًا.
من جانب آخر، أدت هذه التحولات في أنماط استهلاك الوقود إلى قيام وكالة الطاقة الدولية برفع توقعاتها للطلب العالمي على النفط، مستندة إلى البيانات التي أظهرت ارتفاعًا غير متوقع في استهلاك مصر من زيت الوقود وزيت الغاز وغاز البترول المسال، مقارنة بالتقارير الشهرية التي تصدر عن المبادرة المشتركة لبيانات منظمات الطاقة.
زيادة الاستهلاك لتبريد المنازل والمؤسسات
وفي الخلفية، تظل مشكلة الغاز قائمة، ومصر التي كانت تصدر الغاز الطبيعي المُسال قبل سنوات، باتت اليوم تسعى لتوقيع اتفاقيات طويلة الأمد لتأمين وارداته، بعد أن أثقلتها التكاليف العالية للشحنات الفورية، التي بلغت هذا العام قرابة 12 دولارًا لكل مليون وحدة حرارية بريطانية، أما في السوق الفورية، فقد غابت الشركات الحكومية المصرية إلى حد كبير، مفضلة الاتفاقات الثنائية الأكثر استقرارًا.
ووفقًا لمصادر مطلعة، يبلغ إنتاج مصر الحالي من الغاز نحو 4.2 مليار قدم مكعب يوميًا، بينما يصل الطلب إلى 6.2 مليار، ويرتفع إلى 7 مليارات خلال الصيف مع زيادة الاستهلاك لتبريد المنازل والمؤسسات.
في مواجهة هذا الفارق الكبير بين العرض والطلب، يبدو أن الحكومة المصرية وجدت في زيت الوقود حلاً مؤقتًا، لكنه ليس بلا تكلفة بيئية أو مالية مستقبلية، وتبقى معادلة الطاقة في مصر قيد المراجعة المستمرة، وسط سعي حثيث لضمان استمرار تشغيل الشبكة الكهربائية في ظل شح الإمدادات وارتفاع الأسعار عالمياً.
كفاءة التشغيل وتكلفة الإنتاج
في النهاية، تتجه مصر إلى إعادة ترتيب أولوياتها في سوق الطاقة، واضعة كفاءة التشغيل وتكلفة الإنتاج في مقدمة الحسابات، ولو على حساب الأبعاد البيئية والمعايير التقليدية للطاقة النظيفة.
0 تعليق