غادر ترامب وبقيت غزة تحت الرماد

البوابة نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق google news

غادر دونالد ترامب الخليج كما دخلها مصافحًا ومبتسمًا، محاطًا بوفود ووعود، لكن دون أن يحمل في حقيبته شيئًا حقيقيًا إلى غزّة سوى كلمات لا تسمن ولا تغني من جوع.

جاءت جولته كعرض علاقات عامة في صحراء محروقة بالتحالفات، لا بالسلام، وفيما كانت الأنظار تترقب خطوة قادرة على إسكات المدافع، أو على الأقل خطوة لها القدرة على وقف صراخ الأطفال في غزة، إلا أن هذه الأنظار لم تسجل إلا خطوة واحدة فقط وهي إطلاق سراح الجندي الأمريكي - الإسرائيلي عيدان ألكسندر، ثم حط على المنطقة صمت ثقيل.

لم تكن خطوة الإفراج عن عيدان ألكسندر مجرّد بادرة إنسانية، بل ورقة سياسية معقّدة وضعتها حركة حماس فوق طاولة ممتلئة بالتناقضات، ولكن الإفراج عن الأسير لم يُقابله أي تحرك ملموس لتحسين الوضع الإنساني في غزة، وكأن أهل القطاع لا يدخلون في معادلات التفاوض.

رسالة الإفراج الي تم توجيهها نحو ترامب، الذي يتلهف لتسجيل "لقطة سلام" أمام عدسات العالم، كانت موجهة في ذات الوقت نحو طاولة حكومة الاحتلال، التي ترفض حتى الآن الانخراط في أي مفاوضات جادة لوقف الحرب.

وفي التوقيت وفي الهواء المشبع بالتفاوض المجاني وفي اللحظة التي خرج فيها ترامب من الدوحة، كانت غزّة لا تزال تحت القصف والمساعدات لا تدخل، والكارثة الإنسانية تتفاقم.

في هذا الارتباك نجد مصر كلاعب  وحيد على الحبل المشدود في وسط هذا المشهد الملتبس، تواصل مصر الدور الأصعب وهو الحفاظ على خيط التفاوض دون أن ينقطع، ومحاولة انتزاع اتفاق هدنة ولو مؤقتة، في ظل ضغوط دولية هائلة.

القاهرة فتحت قنواتها مع كل الأطراف استضافت وفودًا، وقدّمت مقترحات، ونسّقت مع واشنطن، وفي الوقت ذاته حافظت على اتصال وثيق مع الفصائل الفلسطينية رغم التناقضات العميقة.

لكن المهمة شاقة إسرائيل ترفض الربط بين الإفراج عن الأسرى وتسهيل دخول المساعدات، وتُصرّ على مواصلة العمليات العسكرية حتى "تحقيق أهدافها"، فيما ترى القاهرة أن الانفجار الإنساني في القطاع بات وشيكًا، وقد تكون له تداعيات إقليمية غير محسوبة.

لذاك يبقى صوت القاهرة في زمن الصمت واضحاً، وسط كل هذا، تبقى القاهرة هي اللاعب العربي الأكثر حضوراً، بعثاتها الأمنية لا تهدأ، ورسائلها إلى الطرفين مستمرة، مصر تتحرك بدافع التاريخ والجغرافيا، لا بدافع المجاملة، هي الوحيدة التي تملك مفاتيح التفاوض مع حماس، وتعرف كيف تُدير العلاقة الشائكة مع تل أبيب، لكن جهود القاهرة تُصطدم أحياناً بصخرة اللامبالاة الدولية، وبعقبات تفرضها حسابات إسرائيل الداخلية.

ومع ذلك، تبقى مصر هي الأمل الباقي، على قلّته، فحين يسكت الكل، تُسمع الهمسات المصرية كأنها صدى عاقل في غرفة مليئة بالصراخ.

لكن خلف كل هذا الجمود الظاهري، تُطرح تساؤلات عن مشاورات تُدار في الظل، هل هناك تفاهمات تُبنى بعيداً عن الكاميرات؟ هل يفاوض أحدٌ باسم غزة دون أن يخبرها؟ فالقاهرة لا تزال تتحرك على مسارين: مسار الضغط على إسرائيل لوقف القتال، ومسار تثبيت تهدئة دائمة، لكن حتى اللحظة، لا نتائج تُبشر بوقف قريب، الميدان يتكلم بلسان المدافع، والعالم يتابع دون أن يتدخل بجدية، والولايات المتحدة، التي لطالما قالت إنها تملك "مفاتيح الحل"، تبدو منشغلة بحسابات الصفقات، أكثر من انشغالها بأرواح الغزاويين.

فهل تكون الأيام المقبلة حبلى بالتغيرات؟ أم أن غزة ستبقى، كما كانت دائماً، الرهينة المنسية في معادلات الكبار؟ الأيام وحدها تملك الجواب، أما اليوم... فغزة على حالها.

لو كان هناك شيء تغيّر في غزة خلال جولة ترامب، فهو الواقع الذي نشهده على الأرض، حيث نرى الواقع وهو باقٍ على حاله بيوت مدمّرة، مشافي شبه مغلقة، طوابير الخبز، وأمهات يُغلفن صور الشهداء في أكياس بلاستيكية كي لا تُمحى الملامح.

لذلك نقول إن غزة لا تنتظر ترامب، بل تنتظر نهاية اللعبة، غادرت طائرة ترامب الخليج دون أن تترك أثراً يُذكر. بقيت غزة تحفر بأظافرها في الجدران المغلقة، تبحث عن هدنة، أو ربما عن اعتراف، أو حتى عن نافذة صغيرة تمرّ منها الحياة، لم تنتهِ الحرب، ولم تُفتح المعابر، ولم يخرج الدواء من المخازن.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق