بعنوان “يموت الحالِم ولا يموت حلمه”، صدر الجزء التاسع من الأعمال الكاملة للصحافي المغربي البارز شنقيطيِّ الجذور، محمد باه حرمه، المعروف بتوقيعِ محمد باهي، الذي شارك في المقاومة المسلّحة ضد الاحتلال الأجنبي ورفض تقسيم المغرب، ضاما مقالات نشرها في جريدتَي “التحرير” و”المحرّر” بين سنوات 1959 و1965.
الجزء الجديد الصادر عن منشورات باب الحكمة، بمبادرة وعناية صديقه السياسي والحقوقي مبارك بودرقة، يجمعه مع باقي الأجزاء عنوان “يموت الحالِم ولا يموت حلمه”، ويضمّ آراء وتحاليل باهي لـ”تحولات السياسة العالمية في ظل الحرب الباردة”، وهي مصنّفة بين مقالات حول “النضال التحرري بإفريقيا”، و”الجزائر أمام تحديات الاستقلال”، و”مراحل الثورة الزراعية في الجزائر” بعد “الاستعمار الزراعي”، ومقالات “بمناسبة مؤتمر القمة العربي الثالث” يرافقها عنوان فرعي هو: “التعايش السلمي العربي: ما له وما عليه”، مع مقالات تحلّل انطلاقا من مصطلح نحتَه هو “العسكراتية” واقع إندونيسيا والسودان ودول أخرى، فيما تقتنص مقالات لحظات ثقافية وأدبية وتخُصّها بالقراءة والتحليل.
هذا الجزء المضاف إلى “موسوعة المرحوم باهي محمد حرمة” كما يصفها مصدِرُها مبارك بودرقة، لم تصدر مكمّلة مضامين الجزء الثامن، نظرا لأن مقالاتِ هذا العلَم الصحافيّ عبر العقود اختلف نشرها في جرائد ومجلّات عديدة، مما يضفي تعقيدا على عملية الجمع والترتيب، وفق ما صرّح به الناشر، وما أورده في تصدير “معمار تراث الباهي”.
وعكس الأجزاء الخمسة الأولى التي ضمّت “رسالة باريس” ونشرت بعد تصنيف مقالاتها، وترتيبها جغرافيا بين مقالات “دول المغرب الكبير” و”البلدان العربية” و”الدول الإفريقية” فـ”الدول الأوروبية”، ثم مقالاته المهتمة بالثقافات وقراءاتِه الكتبَ، فإن الأجزاء التالية حكمها منطقُ نشر ما تحقّق جمعه من أرشيف جريدة من الجرائد أو مجلة من المجلات، علما أن مقالاتٍ قد فُقِدت بسبب فيضان وقع في أرشيف “جريدة العلم” مما حال دون نشر جميع ما كتبه بها في الجزء السابق، وأن مقالات أخرى يستمر البحث عنها لا في الأرشيف المغربي فقط لجرائد مضى على صدورها ما يزيد عن نصف قرن بعقدٍ وعقدَين، بل خارج المغرب أيضا.
وتعهّد مبارك بودرقة، في تصريح لهسبريس، بأنه “بعد إكمال النشر سنعيد نشر عمل باهي؛ إما نشرا كرونولوجيا ينضبط لزمن صدور كل مقال، أو موضوعاتيّا بنشر إنتاجاته حسب مواضيعها”.
محمد باهي الذي نعاه صاحب “مدن الملح” الروائي البارز الراحل عبد الرحمن منيف بكتاب خاص عنوانه “عروة الزمان الباهي”، يحضر في هذا الجزء جانب آخر من تميّز قلمه؛ ينبّه إليه بودرقة في التصدير المسمى “معمار تراث الباهي”، كاتبا: “لعل إحدى علامات السبق والتميز التي يختص بها باهي عن غيره من الكُتّاب والصحافيين هي قدرته على الانتباه إلى ما لا ترصده بصائر الآخرين، يكفي أن نستحضر في هذا الباب أنه كان الوحيد الذي كتب سنة 1965 مقالة تفاعلية مع كتاب طريق في بابه، صدر بالولايات المتحدة الأمريكية باللغة الإنجليزية سنة 1964، لكاتب مغربي شبيه بمحمد شكري وسابق عنه في الآن نفسه”، هو إدريس بن أحمد الشرادي.
وقبل ستين سنة، صاغ باهي مصطلحا جديدا لتفسير ما لاحظه عند وصوله السودان سنة 1965، وكتب: “إن طبعات الانقلاب، والانقلاب المضاد، والانقلاب الفاشل، وضربات الحكم التي تحولت إلى ثورات تقدمية ذات مضامين اجتماعية وفكرية عميقة، والثورات الشعبية التي انقلبت إلى أنظمة عسكرية أو نصف عسكرية هي من الكثرة والتنوع في العالم الثالث، وفي المشرق العربي بالذات، لدرجة أنه من باب التجديد في المصطلحات أو ابتكار العبارات، التحدث عن طبقة جديدة، هي ‘العسكريتاريا’ التي يبدو أنها طامحة في بعض الأحيان لأن تقوم في بعض الدول المتخلفة بالدور الذي قامت وتقوم به البروليتاريا في الدول الصناعية”.
ويختم هذا الكتاب الصادر في أزيد من أربعمائة صفحة مقالات باهي في جزئها التاسع بكلمة السياسي المغربي البارز الراحل عبد الرحمان اليوسفي، الذي كان من أعلام مقاومة الاستعمار الأجنبي بالسلاح، ثم المعارضة الجذرية في “سنوات الرصاص”، فقيادة الحكومة المغربية نهاية التسعينات ومطلع الألفية الثالثة.
وقال اليوسفي في ذكرى رحيل صديقه العشرين، سنة 2015، التي صدرت بمناسبتها الأجزاء الخمسة الأولى من “موسوعة محمد باهي حرمة”: “نعتز باستعادة أخينا الصحافي، الكاتب والمناضل الفذّ (…) بالثقة نفسها في رصيده وتاريخه وتراثه المكتوب والشفوي، وبكل ذلك الامتنان بفضله الفائض على المغرب وحركته الوطنية التقدمية الديمقراطية، وإسهامه الواسع العميق في إثراء وتطوير سيرورة الممارسة الصحفية الملتزمة في المغرب، وفي المغرب الكبير، وفي الامتداد العربي كله”.
وشدّد عبد الرحمان اليوسفي على أن “عفة أخينا المرحوم محمد باهي حرمة، ذلك الولد المرابطيّ الشنقيطيّ الشهم الشامخ، لا ينبغي أن تحجب عنا جميعا، عن بلاده وشعبه، واجب الاعتراف والامتنان وإيلاء الاعتبار لاسمه وذكره وتراثه وأسرته الصغيرة. فلا حقّ لبلاد تفكر في مستقبلها بدون أن تتذكّر تاريخها وجميع أولئك الذين واللواتي أسهموا في بناء هذا التاريخ وإثراء سيرورته، وما من شكّ في أن باهي كان من أبرزهم، وفي مقدمة مَن كان لحياتهم ولعطائهم كرم الأثر النموذجي الخلّاق المتواصل”.
0 تعليق