الشراكة المغربية الروسية.. رهانات الاقتصاد في النزاع المفتعل حول الصحراء

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

على هامش تصريح للسفير الروسي بالمغرب فلاديمير بايباكوف، الذي أكد خلال لقاء رسمي استعداد الرباط وموسكو لإثراء شراكتهما بمضامين جديدة واعتبر المغرب شريكا تجاريا رئيسيا لبلاده في إفريقيا، تبدو ملامح التقارب الاقتصادي بين البلدين أكثر وضوحا؛ فقد شهدت العلاقات الاقتصادية المغربية–الروسية تحوّلا نوعيا خلال السنوات الأخيرة، إذ بلغت قيمة صادرات المغرب إلى روسيا نحو 98.5 ملايين دولار في سنة 2023، في حين كشفت بيانات سابقة أن حجم التبادل التجاري الإجمالي بين الطرفين بلغ حوالي 778.4 ملايين دولار لصالح روسيا سنة 2021.

ويُعزى هذا النمو إلى مبيعات روسيا الكبيرة من الحبوب، إذ تضاعفت واردات المغرب من القمح الروسي بحلول مارس 2025 مقارنة بالعام الماضي، إلى جانب اتفاقيات ثنائية في مجالات الطاقة والصيد البحري والحماية الزراعية.

ويُظهر هذا المسار تصاعدا في استراتيجية الدبلوماسية الاقتصادية للبلدين، تستهدف تنويع الشراكات بعيدا عن الأسواق الغربية التقليدية؛ وفي طليعتها أوروبا والولايات المتحدة.

في السياق الجيوسياسي، تندرج الشراكة المغربية الروسية ضمن مسعى الرباط إلى إعادة تموقعها داخل منظومة التوازنات الدولية الجديدة، لا سيما مع بروز تعددية قطبية بدأت تُحد من احتكار الغرب للقرار الدولي. فروسيا، باعتبارها عضوا دائما في مجلس الأمن، تلعب دورا محوريا في ملفات النزاع الإقليمي؛ ومنها قضية الصحراء المغربية، التي تُعد من أبرز أولويات الدبلوماسية المغربية.

ومن هذا المنطلق، يُنظر إلى تعميق التعاون الاقتصادي مع موسكو كوسيلة غير مباشرة لاستمالة موقف روسي أكثر توازنا أو أقل ميلا إلى الأطروحة الانفصالية، خصوصا أن موسكو لم تُبدِ حتى الآن دعما صريحا لمقترح الحكم الذاتي المغربي، رغم علاقاتها المتينة مع الجزائر.

ويتجلّى الطابع البراغماتي لهذه العلاقة في تركيز المغرب على القطاعات الحيوية التي تُشكّل نقطة التقاء مع المصالح الاستراتيجية لروسيا، كأمنها الغذائي والطاقة؛ فروسيا تُعد من أكبر مصدّري الحبوب في العالم، وهو ما يمنحها ورقة تأثير قوية في الدول التي تعتمد على وارداتها، ومنها المغرب.

في المقابل، يُوفّر المغرب لروسيا منفذا اقتصاديا مهما في القارة الإفريقية، لاسيما في ظل العقوبات الغربية المفروضة على موسكو منذ اندلاع الأزمة الأوكرانية.

هذا التبادل القائم على المصالح المشتركة يفتح الباب أمام الرباط لاستخدام أدوات القوة الناعمة الاقتصادية للتأثير على توازنات الموقف الروسي إزاء ملف الصحراء، أو على الأقل لتحييده عن مواقف بعض حلفائها التقليديين.

وفي هذا السياق، يُعد مشروع أنبوب الغاز بين نيجيريا والمغرب، الذي أبدت روسيا اهتماما بالمساهمة فيه، أحد أبرز المشاريع الاستراتيجية التي تعكس هذا التقارب؛ فقد أعلنت الشركة الروسية المتحدة للمعادن (OMK) عن إمكانية توفير منتجاتها المعدنية لخط الأنابيب، مما يُبرز رغبة موسكو في تعزيز حضورها الاقتصادي في المنطقة.

وعلى الرغم من أن الموقف الروسي الرسمي لا يزال يلتزم الحذر ويدعو إلى حل سياسي متوافق عليه تحت إشراف الأمم المتحدة، فإن الدينامية الاقتصادية المتنامية بين البلدين قد تُمهّد لتليين هذا الموقف مستقبلا؛ فالتحولات الدولية تُبرز أن المصالح الاقتصادية كثيرا ما تُعيد تشكيل الاصطفافات السياسية، خصوصا في القضايا التي تشهد جمودا دبلوماسيا.

ومن هذا المنطلق، تبدو الرباط واعية بضرورة بناء أرضية صلبة من الشراكات الاقتصادية مع قوى دولية مؤثرة، من بينها روسيا، لخلق مناخ تفاوضي دولي أكثر توازنا بشأن قضية الصحراء، دون المساس بالثوابت الوطنية أو السيادة المغربية على أقاليمه الجنوبية.

تموقع ذكي

قال حسن الإدريسي، الباحث في قسم العلاقات الدولية بجامعة ابن زهر، إن تعميق الشراكة الاقتصادية بين المغرب وروسيا يُعد ورقة استراتيجية تستثمر فيها الرباط بذكاء، مشيرا إلى أن الاقتصاد بات يشكل مدخلا مهما لإعادة تشكيل المواقف السياسية، خصوصا في ظل التحولات المتسارعة التي يعرفها النظام العالمي.

وأوضح الإدريسي، ضمن تصريحه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المغرب يُدرك أهمية التموقع في خريطة النفوذ الروسي، لا بهدف الانخراط في تحالفات جامدة؛ بل بغرض تحقيق توازن في علاقاته الدولية، واستثمار الروابط الاقتصادية في تعزيز قضيته الوطنية داخل المحافل متعددة الأطراف، ومنها مجلس الأمن.

وأضاف المتحدث أن روسيا تُبقي على مسافة حذرة في تعاطيها مع ملف الصحراء، لكنها في الوقت نفسه تُظهر انفتاحا ملحوظا على المبادرات المغربية؛ وهو ما يمكن استثماره عبر تعميق المصالح المتبادلة، لا سيما في قطاعات الطاقة والفلاحة والنقل البحري.

واعتبر الباحث في قسم العلاقات الدولية بجامعة ابن زهر أن الرباط مطالبة بمواصلة هذا النهج الواقعي القائم على تعزيز الشراكات الاقتصادية دون الاصطفاف السياسي، مع الحرص على توسيع دائرة الحلفاء المؤثرين في القرار الدولي، بما يُعزّز فرص الدفع بمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي ومستدام.

وشدّد الإدريسي على أن موسكو لا تتحرك فقط بمنطق المصالح الظرفية، بل تسعى إلى إعادة بناء موقعها كقوة دولية بديلة في مناطق النفوذ التقليدي للغرب؛ وهو ما يجعل من المغرب شريكا جذابا في شمال إفريقيا بالنظر إلى استقراره السياسي وموقعه الاستراتيجي.

وخلص المتحدث عينه إلى أن المقاربة المغربية القائمة على تنويع الشركاء وخلق روابط اقتصادية متشابكة مع قوى دولية كبرى من شأنها أن تخلق هامشا أوسع للمناورة الدبلوماسية وتُقلّص من حجم الاستقطاب الحاد الذي لطالما أثّر على مسار تسوية النزاع حول الصحراء المغربية.

شرعية ناعمة

أكد نبيل بادو، أستاذ الجغرافيا السياسية بالجامعة الأورو-متوسطية بفاس، أن الشراكة الاقتصادية بين المغرب وروسيا يجب أن تُفهم في إطار إستراتيجية جيواقتصادية أشمل، تنطلق من وعي الرباط بتعقيد النظام الدولي الجديد، وبأن النفوذ السياسي لم يعد يتحقق فقط عبر التحالفات العسكرية أو الإيديولوجية؛ بل من خلال توظيف العلاقات التجارية والاستثمارات العابرة للحدود كأدوات لتثبيت المواقف.

وأوضح بادو، في حديثه لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن المغرب يعوّل على علاقاته المتنامية مع موسكو ليس من باب التبعية، بل بهدف ترسيخ مكانته كفاعل مستقل يُراكم الشرعية الاقتصادية والدبلوماسية؛ ما يسمح له بالتأثير في التوازنات الإقليمية، ومن ضمنها تلك المتعلقة بنزاع الصحراء.

وأكد الأستاذ الجامعي المتخصص في الجغرافيا السياسية أن الرباط تراهن على منطق “الربح المتبادل” في علاقتها مع موسكو، إدراكا منها بأن التأثير في المواقف الدولية لا يُبنى بالضغوط؛ بل عبر خلق مساحات تقاطع واقعية في المصالح.

واعتبر المتحدث عينه أن المغرب، بحكم استقراره وموقعه الجغرافي وخبرته في الوساطة الإقليمية، يُشكّل بالنسبة لروسيا شريكا موثوقا في منطقة مضطربة؛ ما يُمكّنه من استخدام هذه المكانة لترسيخ حضوره في المعادلة الدولية الخاصة بالصحراء.

وأضاف بادو أن موسكو، وإن لم تغير موقفها علنا، فإنها أصبحت أكثر إنصاتا للمقاربة المغربية، في سياق تبحث فيه عن منافذ استراتيجية خارج الدائرة الغربية التقليدية.

ونوّه أستاذ الجغرافيا السياسية بالجامعة الأورو-متوسطية بفاس إلى أن المغرب يُدرك أن الصراع حول الصحراء ليس فقط نزاعا سياسيا؛ بل هو أيضا معركة رمزية على الشرعية والتموقع الدولي، وهو ما يُفسر سعيه إلى بناء علاقات مع قوى كبرى خارج المنظومة الغربية التقليدية.

وفي ختام تصريحه، أكد بادو أن الرؤية المغربية تعتمد على مقاربة طويلة المدى، تشتغل على التراكم التدريجي لعناصر القوة الناعمة، وترتكز على مبدأ “التأثير الهادئ” بدل المواجهة المباشرة. ومن هذا المنطلق، يُعد الانفتاح على روسيا، بكل ما يحمله من رهانات وتعقيدات، خيارا استراتيجيا يستجيب لطبيعة التحولات العالمية، ويعزّز قدرة المغرب على تثبيت سيادته داخل معادلات إقليمية ودولية متغيرة.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق