سياسات أمريكا أحدثت صدمة للاقتصاد.. ...

بانكير 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

تشهد الأوساط الاقتصادية الدولية حالة من الترقب والقلق، مع بروز تحولات كبرى تهدد بإعادة تشكيل النظام  الاقتصادي العالمي، حيث كشفت تقارير صادرة عن جهات مالية بارزة، من بينها بنك "مورجان ستانلي" ومنظمة "بروجيكت سينديكت"، تباطؤ واسع في معدلات النمو، واضطراب في الأسواق نتيجة السياسات الأمريكية، وتغيرات هيكلية ترسم ملامح جديدة للعولمة.

348.jpg
تحولات تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي

ركود يضرب الاقتصاد العالمي

وتوقع تقرير صادر عن "مورجان ستانلي"، أن يشهد الاقتصاد العالمي تباطؤًا ملحوظًا خلال العام المقبل، مدفوعًا بعدة عوامل متشابكة، أبرزها الإجراءات الجمركية الجديدة التي فرضتها الولايات المتحدة، وانخفاض الطلب العالمي، والتباينات في السياسات النقدية والمالية بين الدول.

التقرير أشار إلى أن معدل النمو العالمي قد يتراجع إلى 2.9% في 2025، بعد أن سجل 3.3% في عام 2024، على أن يتباطأ أكثر في الربع الأخير من 2025 إلى حدود 2.5% على أساس سنوي، وهو ما يجعله أضعف عام اقتصادي منذ جائحة "كوفيد-19".

أحد العوامل الجوهرية لهذا التباطؤ يتمثل في السياسات الأمريكية التي فرضت زيادات كبيرة في الرسوم الجمركية، مما أحدث صدمة هيكلية في الاقتصاد العالمي، وأدى إلى تراجع الثقة وانكماش الطلب. 

ورغم احتمالات استمرار المفاوضات التجارية، فإن التقرير يستبعد إزالة تلك الرسوم بالكامل، ما يرسخ أجواء التوتر في النظام التجاري الدولي مستقبلا.

تضخم متفاوت وسياسات نقدية متباينة

التقرير رصد اتجاهًا عامًا لانخفاض معدلات التضخم في معظم دول العالم، مستثنيًا الولايات المتحدة، التي قد تشهد ارتفاعًا في الأسعار بين 3% و3.5% خلال الربع الثالث من 2025، بسبب الرسوم الجمركية.

في المقابل، من المتوقع أن تسهم أسعار النفط المنخفضة وتراجع الطلب في كبح التضخم عالميًا، ليصل إلى 2.1% في 2025، وينخفض أكثر إلى 2% في 2026.

وفي هذا السياق، تتجه البنوك المركزية في أغلب الدول إلى خفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو، بينما يتبنى الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي موقفًا مختلفًا، مرجحًا أن يثبت أسعار الفائدة حتى مارس 2026.

بالمقابل، ستلجأ حكومات أمريكا وأوروبا والصين إلى زيادة الإنفاق العام، وهو ما سيؤدي إلى ارتفاع العجز، خصوصًا في الولايات المتحدة وألمانيا.

349.jpg
تحولات تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي

انكماش أمريكي وصمود آسيوي

يتوقع التقرير تراجع النمو في الولايات المتحدة من 2.8% في 2024 إلى 1.5% في 2025، ثم إلى 1% في 2026، نتيجة لعوامل تشمل القيود المفروضة على الهجرة، وتزايد عدم اليقين السياسي، وارتفاع الرسوم الجمركية.

كما أشار التقرير إلى ضغوط تضخمية ناجمة عن نقص العمالة، خاصة في قطاع الخدمات، قبل أن يبدأ التضخم في التراجع عام 2026 مع انخفاض الاستثمارات وضعف الطلب.

ويرى التقرير أن الفيدرالي الأمريكي قد يتجه إلى خفض الفائدة بنحو 175 نقطة أساس بحلول نهاية 2026، متجاوزًا ما يعرف بمستوى "الحياد النقدي"، في ظل تراجع الضغوط التضخمية وتدهور أوضاع سوق العمل.

على النقيض من الوضع الأمريكي، تبدو الاقتصادات الآسيوية أكثر تماسكًا، ففي اليابان، يُنتظر أن يؤدي ارتفاع الأجور وتراجع التضخم إلى دعم الاستهلاك، ما يسهم في تحقيق نمو بنسبة 1% في 2025 و0.5% في 2026، أما الهند، فتواصل تسجيل أعلى معدلات نمو عالميًّا، مع توقعات بتحقيق 5.9% في 2025 و6.4% في 2026، مدعومة بالطلب المحلي وتوسع صادرات الخدمات.

أزمة هيكلية في أوروبا وتحديات في الصين

أوروبا بدورها تواجه تحديًا يتمثل في ضعف الصادرات، ما يجعل نموها الاقتصادي محدودًا عند 1% في 2025، ارتفاعًا من 0.8% في 2024، ويتوقع أن ينخفض التضخم في منطقة اليورو إلى ما دون مستهدف البنك المركزي الأوروبي، ما يدفع الأخير إلى مواصلة سياسة التيسير النقدي حتى يصل سعر الفائدة إلى 1.5% بنهاية 2025.

أما الصين، فتبقى في مواجهة ضغوط متواصلة رغم محاولات التحفيز الحكومي، إذ من غير المتوقع أن تعوض هذه الجهود الأثر السلبي للرسوم الأمريكية، في ظل انكماش في قطاع العقارات وتحديات بنيوية تتعلق بالديون والاختلالات الاقتصادية، وتقدر معدلات النمو الصيني بـ4.5% في 2025، تنخفض إلى 4.2% في 2026، بعد أن بلغت 5% في 2024.

350.jpg
تحولات تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي

أمريكا اللاتينية.. أزمة مرتبطة بواشنطن

وفي أمريكا اللاتينية، يُرجح أن يتوقف النمو في المكسيك خلال 2025 بسبب ارتباطها الوثيق بالاقتصاد الأمريكي وتداعيات الرسوم الجمركية، مع إمكانية التعافي في 2026 تزامنًا مع إعادة التفاوض على اتفاقية التجارة الحرة مع كندا والولايات المتحدة، أما البرازيل، فتواجه تحديات تتعلق بأسعار الفائدة المرتفعة، وتآكل الأجور، وضعف الاستثمارات، مع تباطؤ في وتيرة النمو قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في 2026.

تحولات هيكلية تعيد رسم خريطة الاقتصاد العالمي

وكشف تقرير صادر عن منظمة "بروجيكت سينديكت" بعنوان "فهم الاقتصاد العالمي الجديد"، والذي تناول ثلاثة تحولات كبرى يعيد من خلالها الاقتصاد العالمي تشكيل نفسه: اضطراب تدفقات رؤوس الأموال، وتباين التركيبة السكانية، والانقسامات الإيديولوجية.

التقرير حذر من أن هذه التغيرات تحدث عالمًا أكثر انقسامًا وانغلاقًا، داعيًا صانعي السياسات والمستثمرين إلى إعادة النظر في النماذج التحليلية التي يعتمدون عليها.

رؤوس الأموال.. تحركات غير مستقرة

أبرز التقرير تأثير التوترات الجيوسياسية على تدفقات رؤوس الأموال، خاصة في ضوء حظر الولايات المتحدة للاستثمارات في الصين، وهو ما دفع المستثمرين للبحث عن أسواق ذات عوائد مرتفعة.

الولايات المتحدة باتت تجذب أكثر من 70% من تدفقات السوق الاستثماري الخاص البالغة 13 تريليون دولار، نظرًا لريادتها في الابتكار وعمق سيولتها المالية.

لكن في المقابل، يُثير "الرفع المالي الخفي" وديون القطاع المصرفي غير النظامي مخاوف متزايدة، حيث بلغت أصول هذا القطاع 63 تريليون دولار بنهاية 2022، ما يعادل 78% من الناتج العالمي، مع سيطرته على نحو 70% من إقراض الرهن العقاري والتمويل عالي المخاطر في أمريكا.

351.jpeg
تحولات تعيد تشكيل الاقتصاد العالمي

الفجوة بين المناطق النامية والمتقدمة

في الجانب السكاني، تظهر أرقام الأمم المتحدة اتساع الفجوة بين المناطق النامية والمناطق المتقدمة، ففي حين تسجل أفريقيا والشرق الأوسط والهند معدلات خصوبة تتجاوز 2.1 طفل لكل امرأة، تشهد أوروبا والصين تراجعًا في معدلات المواليد وشيخوخة متسارعة.

التوقعات تشير إلى ارتفاع عدد سكان العالم من 8.1 مليار حاليًا إلى 11.2 مليار نسمة بحلول عام 2100، مع بقاء نحو 90% من هذا العدد في الأسواق الناشئة. بينما سيشهد الاتحاد الأوروبي ذروة سكانية في 2026 بـ453.3 مليون نسمة، ليتراجع إلى 419.5 مليون في نهاية القرن، فيما ستتقلص الصين إلى أقل من 800 مليون نسمة.

انقسامات أيديولوجية.. نهاية العولمة؟

التحول الثالث الذي يتحدث عنه التقرير يتمثل في تصاعد الانقسامات الأيديولوجية، والتي تعمق من تفكك النظام العالمي القائم على العولمة، وتزيد من تعقيد البيئة الاقتصادية العالمية وتجعل من الصعب التنبؤ بتوجهاتها المستقبلية.

في ظل هذه التحولات الثلاثة، يواجه الاقتصاد العالمي تحديات غير مسبوقة تتطلب سياسات مرنة، ورؤى جديدة تتجاوز النماذج التقليدية، في وقت يشهد فيه العالم مرحلة انتقالية لا تقل خطورة عن تلك التي أعقبت الأزمة المالية العالمية أو جائحة كورونا.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق