بدأت تظهر مبكرا أمارات “حرب استقطاب شرسة” بين الأحزاب السياسية، خاصة المشاركة في التحالف الحكومي، بخصوص طبيعة الصراع والمعركة المنتظرة في انتخابات 2026 التشريعية، إذ إن الأحزاب الثلاثة لا يتورع أي منها عن التعبير عن رغبته بتصدر المشهد وقيادة الحكومة المقبلة.
وبحسب ما رشح من معلومات عن مجريات الاجتماع الذي عقدته قيادة حزب الأصالة والمعاصرة نهاية الأسبوع المنصرم بمدينة طنجة، فإن الحزب يراهن على استعادة الأسماء التي غادرت صفوفه في الانتخابات السابقة، خاصة التي تمكنت من الفوز بمقاعد برلمانية والتحقت في الغالب بحزب التجمع الوطني للأحرار أو حزب الاستقلال.
أمام هذه الطموحات والرغبات المتباينة بين مكونات التحالف الحكومي، يعود النقاش مجددا حول ظاهرة الترحال السياسي التي يمنعها القانون بشكل واضح، خاصة في ظل تقلد أي شخص مسؤولية انتدابية في الولاية التشريعية نفسها.
في تعليقه على الموضوع، ذكر محمد يحيا، أستاذ العلوم السياسية بجامعة عبد المالك السعدي، بأن ظاهرة الترحال السياسي تعود إلى الواجهة مع اقتراب الانتخابات، قائلا إن “الانتقال من جماعة إلى جماعة أو مجال الأقاليم والجهات كلما اقتربت الانتخابات، يدخل في إطار الصراع الداخلي للأحزاب السياسية، رغم أن القانون يمنع ذلك داخل الولاية التشريعية”.
وسجل يحيا، ضمن تصريح لجريدة هسبريس الإلكترونية، أن “مسألة التشبيب والكفاءات لدى الأحزاب السياسية المغربية مجرد شعار”، مبرزا أن هناك “أشخاصا يتموقعون ويتحكمون في الخريطة، وحتى بالنسبة للمؤتمرات التي تعقد سواء كانت استثنائية أو عادية يجري فيها إبعاد الأشخاص غير المرغوب فيهم عبر استثنائهم من المسؤولية، وهذا يتم في جميع الأحزاب سواء في الأغلبية أو في المعارضة”.
وأشار المحلل السياسي ذاته إلى أن المتحكمين في دواليب التدبير داخل بعض الأحزاب السياسية يكرسون هذا الوضع، وأضاف: “كما تابعنا أن بعض الأحزاب كانت عاجزة عن انتخاب قيادة وطنية وأصبحت قيادة ثلاثية، وهذا يوضح أن الأشخاص يتموقعون داخل الأحزاب ويرفضون رفضا باتا أي تغيير، وإذا التحق شخص جديد ينبغي أن يسير في الاتجاه نفسه”، مطالبا بقيام الأحزاب بـ”نقد ذاتي بناء لاستعادة ثقة المواطنين التي تؤكد الاستطلاعات ضعفها وتراجعها المستمر”.
وأفاد المتحدث بأنه مع المنع الكلي للترحال السياسي داخل الولاية الانتدابية من حزب إلى آخر، يبقى أن البعض “يمكن أن يقدم استقالته من أجل تغيير لونه السياسي، وهذه ظاهرة غير صحية ولا تساهم في تطوير المسار الديمقراطي”.
واعتبر يحيا أن الذين يدبرون الشأن السياسي والعام عليهم أن يعلموا أن نظراءهم “داخل الأحزاب السياسية في كل دول العالم يمارسون المهام لولاية أو ولايتين على أبعد تقدير، وبعد ذلك عليهم أن ينسحبوا ويفسحوا المجال لنخب جديدة تحمل تصورات وآمالا تتماشى مع الأجيال الجديدة، لأنه لا يمكن أن نسير الأجيال الجديدة بعقليات قديمة”.
وبين محمد يحيا أن “عملية تشبيب النخب جارية بشكل كبير على المستوى العالمي، لأنها حاملة لأفكار وأحلام جديدة تساير الأجيال الجديدة”، مشددا على أنه “لا يمكن لشخص عاش مرحلة ما بعد الاستقلال أن يستمر في تدبير الشأن العام ويلبي طموحات الأجيال الجديدة”، مؤكدا أن “أحزابا وطنية يفترض أن تساهم في تطوير ودمقرطة الشأن العام الوطني، تترأسها شخصيات عاشت مرحلة ما بعد الاستقلال”.
من جهته، اعتبر عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ العلوم السياسية بجامعة الحسن الأول بسطات، أن هذا الموضوع يمكن مقاربة من زاويتين؛ الأولى هي “الزاوية القانونية (حيث) تغيير الانتماء السياسي أثناء الولاية الانتدابية مآله العزل من هذه المهمة، وهذا ما استقر عليه القضاء الإداري وكذا القضاء الدستوري”، مؤكدا أن الهدف هو “تخليق الحياة السياسية وإعطاء الانتماء للحزب أهمية مرتبطة بالالتزام بخطه السياسي وأفكاره، وضمان استمرار ثقة الناخبين في اختياراتهم المرتبطة بالأحزاب وليس الأشخاص”.
في مقابل هذه المقاربة القانونية المعيارية، ذكر اليونسي، ضمن تصريح لهسبريس، أن المقاربة الثانية هي “مقاربة سياسية في بعدها الانتخابي، حيث إن الأحزاب ومع اقتراب موعد الانتخابات التشريعية خصوصا والمحلية بعدها تبحث عن البروفيلات الانتخابية التي تقدر على حسم المقعد، وكذا جمع أكبر نسبة من الأصوات المعبر عنها”.
وأوضح أن هذا المسعى يصطدم بـ”القيود القانونية التي تحاول الأحزاب الالتفاف عليها، وذلك من خلال تقديم الاستقالة مع اقتراب الانتخابات أو تقديم الاستقالة مع وقف نفاذها إلى حين انتهاء الولاية الانتدابية أو العمل على دفع الحزب إلى اتخاذ قرار إقالة من العضوية، وغيرها من الحيل التي يتم اللجوء إليها”.
وخلص المحلل السياسي ذاته إلى أن “العمل على استقطاب هذه البروفايلات دون ماضٍ نضالي داخل الأحزاب يضرب في الصميم فكرة الانتماء والنضال من داخل الأحزاب، وربما يعطي مؤشرا على طبيعة الانتخابات المقبلة التي لا يمكن أن تخرج عن منطق 8 شتنبر”.
0 تعليق