عرف المغرب خلال السنوات الأخيرة مجموعة من الأبحاث العلمية الميدانية ذات الصبغة الأركيولوجية أظهرت نتائج غير مسبوقة تخص معلومات عن تاريخ المملكة، بدءا باكتشاف النواة الأولى للإنسان العاقل بجبل إيغود، ترجع إلى 300 ألف سنة، مرورا بمختلف الاكتشافات المتعلقة بمغارة تافوغالت، فضلا عن الحليّ القديمة التي تم اكتشافها سابقا بمغارة بيزيمون، واكتشافات أخرى لا تقل أهمية.
يقول أكاديميون متخصصون في التاريخ والتراث والحضارة ما يفيد بأن كل هذه الاكتشافات تحتاج إلى كثير من الجهود من أجل التسويق لها داخليا وخارجيا كذلك، كما تحتاج إلى أن يلتقطها مهندسو المناهج الدراسية ووسائل الإعلام، حتى يكون لها صدى وتساهم في هدم سرديات حصرت تاريخ المغرب في فترة محددة، في الوقت الذي كان من المنتظر الدفاع عن عمق التاريخ المغربي وأصالته بموجب نتائج مختلف الاكتشافات التي تشرف عليها فرق مغربية وأجنبية عادة.
تفاعلا مع الموضوع، قال عزيز ياسين، أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر، إن “البحث في تاريخ المغرب صار يتقدم رويدا رويدا بعدما تأخر في بداياته التي ارتبطت أساسا بالفترة الاستعمارية التي بقيت فيها الاكتشافات الأركيولوجية تخدم السردية الاستعمارية وتربطها دائما بحقبة الرومان، قبل أن تعيد الجامعة المغربية الانخراط في هذا الصدد بعد أن وفّرت باحثين متخصصين في علوم الآثار”.
وأضاف ياسين، في تصريح لهسبريس، أن “الاكتشافات المتوالية صارت تُفاجأ المغاربة لكونها تتضمن نتائج غير مسبوقة وتتجاوز الطرح الاستعماري الذي كان يحصر كل ما له علاقة بتاريخ المغرب في الفترة الرومانية ومجيء الإسلام، كما تُبرز فعليا مدى العمق التاريخي للتراب المغربي”، موردا أن “هناك مجموعة من السرديات التي طغت على تاريخ المغرب خلال فترة ما بعد الاستقلال، بما فيها حصرُه في 12 قرنا فقط، وهي التي تمّت أجرأتُها على مستوى الكتاب المدرسي والخطاب الإعلامي كذلك”.
وأشار إلى أن “البحث الأركيولوجي المتواصل بالمغرب بيّن فعليا مدى عدم صحة سردية أخرى تتعلق بكون المغاربة عرفوا الحضارة موازاة مع وصول الفينيقيين وحتى وصول العرب كذلك، بيد أن البحوث المتواصلة في هذا الصدد بيّنت تقدُّم المغاربة وقتها حضاريا وبشريا”، معتبرا إلى أن “كل هذه الدينامية البحثية في المجال التاريخي يجب أن توازيها مجهودات بخصوص توفير معاهد للبحث التاريخي المتقدم والتحليل حتى لا يتم الاضطرار للاستعانة بالخارج”.
وزاد أستاذ التاريخ والحضارة بجامعة ابن زهر تحديا آخر في هذا الصدد، “يتعلق بضمان التسويق الإعلامي لكل ما يتم إنجازه وما تم التوصل إليه علميا، فضلا عن مواكبة ذلك بالكتابة العلمية كذلك، حيث نجد مثلا أن إسهام المغاربة في الكتابة عن اكتشاف إيغود ضئيل. فحتّى نعطي الأولوية لكل هذا يجب أن نحتكم إلى تغيير المناهج الدراسية وجعلها تتضمن كل هذه المعطيات الجديدة المرتبطة بتاريخ المغرب، إذ إننا في نهاية المطاف أمام مشروع كبير يتعلق بإعادة مصالحة المغاربة مع ذواتهم وتصحيح مجموعة من مركبات النقص التي خلّفها الكتاب المدرسي والخطاب الإعلامي”، خالصا إلى أن “سردية الـ 12 قرنا تبدو متجاوزة واقعيا إلا في أذهان من لا يقرؤون تاريخ بلدهم أو لا يريدون ذلك”.
من جهته، أوضح خالد ألعيوض، أستاذ جامعي متخصص في التاريخ والتراث، أن “الاكتشافات الأركيولوجية المتواصلة بالمغرب جد مهمة، على اعتبار أنها تبرز الامتداد التاريخي الكبير للمغرب، كما تبرز بشدة علاقة المغاربة قديما بالزراعة والحضارة، بما يجعل من التراب المغربي كتابا مفتوحا للبت في التاريخ القديم”.
وأضاف ألعيوض، في تصريح لهسبريس، أن “هذه الاكتشافات المتواصلة تضع مجموعة من التحديات أمام أهل الحلّ والعقد، على اعتبار أنها تهدم مجموعة من الأطروحات التي جرى تداولها خلال السنوات الأخيرة وتم التسويق لها سواء على مستوى المدارس أو حتى على مستوى الإعلام، وتم التعامل معها من قبل المغاربة بنوع من المسلمات”.
وزاد: “ما يجب على المغاربة القيام به أوّلا بخصوص كل هذه الاكتشافات المتتالية، هو الاعتزاز بكل النتائج التي توصّل إليها العلم على مستوى هذه الرقعة الجغرافية التي تعتبر أقدم ما عمّره الإنسان العاقل إلى حدود الساعة”، موردا أنه “يجب أن يتم الحسم مع هذه الحقائق العلمية على مستوى المناهج العلمية والدراسات الجامعية، فكما لقّنونا الأطاريح السابقة يجب كذلك أن يعلّمونا بأن التواجد البشري بالمغرب أقدم مما كان يتصوره كثيرون، وهو ما يتعين كذلك التسويق له خارجيا، خصوصا باعتماد اللغة الإنجليزية”.
0 تعليق