جدير بنا أن نهنئ دونالد ترامب، وكامالا هاريس، بالفوز برئاسة أمريكا، ذلك أن للاثنين نفس البرنامج السياسي والاقتصادي الذي صوت عليه ثمانون مليون ناخب من أصل 244 مليون في انتخابات تكلفت 16 مليار دولار. ولا يمكن النظر إلى ترامب وكامالا إلا باعتبارهما نفس الصوت في أغنية تم توزيعها بطريقتين. ولننظر- على سبيل المثال- موقف الاثنين من القضية الفلسطينية، فقد اعترف ترامب في 6 سبتمبر 2017 بالاعتراف رسميا بالقدس عاصمة لإسرائيل، وأعلن مرارا وتكرارا عن تأييده لإسرائيل وظل يطالب الرئيس السابق بايدن " بعدم الضغط على إسرائيل"، أما السيدة كامالا فقد أكدت بلا نهاية تأييدها " حق اسرائيل في الدفاع عن نفسها " وتعهدت بضمان أمن إسرائيل وتقديم كل ما تحتاج إليه من أجل ذلك. هكذا نجح نفس البرنامج السياسي، ونفس التوجه، وظلت من دون تغيير نفس ثوابت السياسة الأمريكية العدوانية في الخارج، أما في الداخل فإن برنامجي كامالا وترامب يضعان فروقا غير أساسية، وهكذا تعلن كامالا أنها ستخفف عن الأمريكيين تكاليف السكن، وأنها سوف تبني ثلاثة ملايين مسكن للمحتاجين، وتحارب البيروقراطية، ويعلن ترامب أنه سيقوم بخفض الأسعار سريعا، وأيضا سوف يبني عشر مدن جديدة لتوفير السكن لقدامى المحاربين، ويرفع الرسوم الجمركية على الواردات من الصين. ومما يؤكد أنه ما من فوارق جوهرية في البرنامج الداخلي، أن ترامب اتهم هاريس كامالا بأنها تسرق أفكاره الانتخابية وذلك حين أعلنت عن عزمها على الغاء الضريبة على البقشيش في الفنادق والمطاعم ! وفي ظل التحالف المبدئي بين المجمع الصناعي العسكري الأمريكي ووسائل الاعلام، وظل سطوة رؤوس أموال الشركات، فإن أحدا لم يسمع عن آخرين كانوا مرشحين للرئاسة، لأن أولئك لا مال لديهم ولا سطوة، ومثال ذلك السيدة " جيل ستاين" ممثلة حزب الخضر، التي تجاوزت السبعين والتي خاضت الانتخابات الرئاسية عن حزب الخضر، وهي طبيبة ومناضلة سياسية، يختلف موقفها من القضية الفلسطينية تماما عن الحزبين الكبيرين الجمهوري والديمقراطي، إذ أبدت وتبدي كل التأييد الصادق للكفاح الفلسطيني، ووقفت تهتف بعلو صوتها محتجة على دعوة الكونجرس الأمريكي نتنياهو لإلقاء خطاب قائلة: " سنحرر فلسطين، وفلسطين ستحررنا، أما أنت يا ناتنياهو فإننا نتهمك بالإبادة الجماعية، لكننا سنوقف هذه الإبادة، إن شعوب العالم أجمع ترفض حرب الإبادة، وطلابنا في جامعاتنا يدينون هذه الحرب، ونحن هنا لنقول للكونجرس الأمريكي : كيف تتجرأ على دعوة ذلك المجرم ناتنياهو إلى الكونجرس بيت الشعب؟ وهذا المجرم مسئول عن مقتل أربعين ألف فلسطيني؟ منهم ستة عشر ألف طفل؟ فإذا حسبنا الحسبة كاملة بالجرحى وغيرهم فإن العدد سيصل إلى مئتي ألف انسان. وسوف نرفع صوتنا عاليا : لا للإبادة، نحن الشعب وبيدنا القوة". لكن الاعلام الأمريكي لم يلق ولو أقل قدر من الضوء على مثل تلك المرشحة الرئاسية وحصر المعركة بين صوتين ينشدان نفس الأغنية بتوزيع مختلف، ويحملان السلاح تحت معاطف مختلفة اللون، ويواصلان دعم الكيان في إبادة الشعب الفلسطيني في غزة.
0 تعليق