حظيت مشاكل القارة الإفريقية والتحديات المطروحة عليها وسبل تحقيق الإقلاع التنموي بها باهتمام خبراء مغاربة وأجانب ضمن مناظرة أكاديمية احتضنها مقر جامعة محمد الخامس بالرباط، من تنظيم الجامعة المفتوحة للداخلة، حيث حاولوا إبرازَ جوانب من هذه التحديات واستحضار سيناريوهات ضمان النّماء الإفريقي مستقبلا.
المتحدثون ضمن هذه المناظرة سعوا إلى الإحاطة بالإشكاليات التي تعرفها القارة الإفريقية في زمن العولمة والتحديات الجماعية، رابطين ذلك بالابتكار الذي اعتبروه “عنصرا أساسيا بإمكانه المساهمة في حل مشاكل القارة وتحقيق تقدُّم في الترتيب العالمي في عدد من المسائل، خصوصا الاقتصادية والتنموية، على أساس أن تعي الحكومات القارية بذلك وتهتم مبدئيا بدعم البحث العلمي وترسيخ فلسفة الابتكار”.
وجرى على هامش هذه المناظرة توقيع مذكرة تفاهم بين الجامعة المفتوحة للداخلة والمدرسة العليا للاقتصاد بروسيا، بحضور ممثلها ألكسندر سوكولوف، وذلك رغبة في العمل مستقبلا في إطار شراكة ثنائية بين الطرفين قوامُها البحث العلمي التشاركي ورصد الإشكاليات القارية، وذلك بحضور فريد الباشا، رئيس جامعة محمد الخامس بالرباط.
الابتكار ومشاكل إفريقيا
ضمن مداخلته حاول إدريس الكراوي، رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة، بسط جوانب من الحالة التي يبدو عليها واقع الابتكار والتنمية، اليوم، بالقارة الإفريقية، حيث كشف أن “إفريقيا تعرف نهضة ونُموا لا يمكن نُكرانهما بتاتا، فيما يعتبر المغرب جزءا من هذا الواقع الجديد، غير أن الطريق أمام القارة مازال طويلا في هذا الصدد”.
وكشف الكراوي أن “هذه الدينامية ليست بالشاملة، وإنما هي عبارة عن قصص نجاح متفرقة، في حين أن الوصول إلى مرحلة النتائج الشاملة يجب أن يكون شاملا لشراكات بين الدول الإفريقية أولا، وثانيا بين إفريقيا والأطراف الآسيوية، فضلا عن الشراكة بين دول القارة ودول منطقة مينا على سبيل المثال”، متابعا: “الأرقام الواردة بخصوص الابتكار بإفريقيا مازالت تبرز ضعفا في هذا الصدد، إذ أشارت إلى أن القارة تحوز نسبة 2 في المائة فقط من الإنتاجية العالمية من البحث العلمي سنة 2019، كما لا تتجاوز مساهمتها 1,3 في المائة فقط من مصاريف البحث العلمي والابتكار على المستوى العالمي”.
وعدّد المتحدث ذاته ما يصل إلى 11 عاملا تساهم بحسبه في “بناء المشهد المتعلق بالابتكار العلمي والاقتصادي بإفريقيا، من بينها إشكالية الباحثين في مجال الابتكار، ومسألة ضعف الموارد المخصصة للبحث العلمي والابتكار بدول القارة دائما، فضلا عن عدم وجود صفة تؤطّر المبتكرين، إذ يبقون يشتغلون في إطار أساتذة باحثين فقط”، مشيرا كذلك إلى “غياب التأطير والضبط المؤسساتي لحقل الابتكار بالقارة”.
وأكد رئيس الجامعة المفتوحة للداخلة أن “من بين هذه العوامل كذلك ضُعف أو حتى غياب التنسيق بين الفاعلين الإفريقيين في هذا الصدد، في إطار الاتحاد الإفريقي دائما”، مبرزا أن “على إفريقيا أن تهتم بهذا الجانب، على اعتبار أنه سياديٌّ في نهاية المطاف، وأنه لا يمكن تحقيق السيادة القارية إلا من خلال ضمان السيادة الاقتصادية والأمنية والغذائية كذلك”.
كما كشف الكراوي أن “الابتكار في الأساس يدعم تشكيل الاقتصاد القاري القويّ، الذي يساهم في صناعة الثروة؛ فيما مازال هناك ركود في هذا الإطار بإفريقيا، خصوصا إذا تحدثنا عن بعض الإحصائيات السنوية التي تنطوي على أرقام بخصوص عدد الشركات المؤسسة سنويا بالقارة مقارنة مع العالم ككل”، مؤكدا في ما يتعلق بالمستقبل أن “عامل الوقت لن ينتظر إفريقيا، وهو أكبر عائق في هذا الإطار، ما يبرز أولوية أخذه بعين الاعتبار في سعينا إلى تشكيل وسط اقتصادي مدعوم بالابتكار والذكاء الجماعي، إذ لا يمكن لدولة بالقارة أن تحقق نتائج كبرى لوحدها”.
الاستشراف يفيد اتخاذ القرارات
ألكسندر سوكولوف، أستاذ بجامعة سانت بيترسبورغ الروسية، تحدث من جانبه عن مسألة النمو القاري الإفريقي، اعتمادا على معطيات تقنية صِرفة، إذ كشف أن “البحث العلمي والابتكار يجب أن يكون نصيرا للقضايا القارية، بما فيها النمو الاقتصادي والارتقاء العلمي، ما سيساهم في حل مجموعة من المشاكل التي تعاني منها دول بقارة معينة، بما فيها إفريقيا على سبيل المثال”.
وشدد سوكولوف، ضمن مداخلته المفصّلة، على مسألة استشراف مستقبل القارة الإفريقية، الذي لن يتم حسبه “دون التمكن من آليات الاستشراف لدى الفاعلين القاريين، فيما يجب أن ينطلق مبدئيا من التمكن من المهارات الكفيلة بتحديد مشاكل القارة والفرص السانحة لها من أجل تحقيق النمو الاقتصادي والإقلاع التنموي”، مشيرا إلى “عنصريْ الابتكار والبحث العلمي في هذا الصدد”.
كما سجّل المتحدث أن “على الفاعلين الحكوميين ومدبّري الشأن القاري الالتفاتة لكل المنشورات والدراسات ذات الصبغة البحثية والعلمية التي تهم الجانب الابتكاري، إذ تتضمن بين ثناياها تشخيصا للواقع كما هو، ويمكنها أن تتضمن حلولا كذلك”.
على النحو ذاته سار تدخُّلُ جوناثان كالوف، أكاديمي بجامعة أوتاوا الكندية، مؤكدا أنه “رغم التحديات المطروحة على القارة الإفريقية إلا أنها مازالت تتوفر على حظوظ من أجل تشكيل محيط اقتصادي وتنموي، إذ إن هذه الإمكانية مازالت في يدها إنْ هي دعمت الابتكار والبحث العلمي، ما يمكن أن تكون له نتائج إيجابية في ما يخص النمو القاري”.
" frameborder="0">
0 تعليق