"الهروب الكبير".. رحلة "عذاب" لآلاف الشباب والقٌصر الحالمين بالهجرة الجماعية

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

الساعة تشير إلى الثامنة والنصف مساء من مساء الأحد 15 شتنبر الجاري، المكان محطة بنزين قرب المدخل الغربي لمدينة الفنيدق، حشود من المواطنين تجمهروا في الطريق الرابطة بين المدينة التي مثلت وجهة لآلاف الشباب والقاصرين الحالمين بـ”الهجرة الجماعية” نحو الثغر المحتل، يتفقدون “الحراكة” الفارين بعد محاولة فاشلة لتجاوز السياج الحدودي الفاصل مع سبتة.

“عذاب أليم”

“العذاب الأليم أصْحَيْبِي” بهذه العبارة، لخص الشاب، الذي بدا من لكنته أنه من مناطق “الداخل”، العنف الذي تعرض له المهاجرون بعد الاقتراب من السياج الحدودي محاولين اقتحامه بشكل جماعي، ليفاجئهم الحرس المدني الإسباني بالرصاص المطاطي والقنابل المسيلة للدموع.

قال الشاب “الكازاوي” كلمته ومضى هاربا في الأحراش والغابة التي تغطي المنطقة الوعرة التضاريس، شأنه شأن عشرات الشباب والقاصرين الفارين من “جحيم” الهجرة الذي أوهمتهم الدعوات “المخدومة” في الفضاء الرقمي بأنها مجرد نزهة قبل معانقة “الحلم” الذي بات كابوسا يؤرق.

غير بعيد عن الشباب الهاربين، يقف محسن خائفا وجلا من القبض عليه، ومواجهة مصير آلاف المهاجرين الذين أوقفتهم السلطات بالمنطقة ورحّلتهم خلال الأيام القليلة الماضية نحو وجهات بعيدة ومدن داخل البلاد، كالرشيدية وبني ملال وبن جرير.

بدا الشاب يتألم من إصابة ما تعرض لها في الرحلة المحفوفة المخاطر، خاطبنا قبل أن نتحدث إليه: “أرجوكم أريد العودة، ساعدوني وأوقفوا لي “طاكسي” ليوصلني إلى طنجة، الله يرحم لكم الوالدين”، فسألناه عن وضعه ليجيب: “تعرضنا للتنكيل والضرب”، ويكشف عن جرح غائر في أحد أصابع يده اليسرى وجروح أخرى في أطراف مختلفة من جسده النحيف لطخت ثيابه بالدم والتراب نتيجة سقوطه في المنحدرات الوعرة.

“أنا من سوق الأربعاء، وعمري 15 سنة، جئت إلى هنا مشيا على الأقدام من مدينة طنجة، بعدما أنزلونا من سيارة الأجرة التي كنا سنركبها إلى الفنيدق”، يحكي الطفل القاصر وعلامات الخوف تسيطر على ملامحه، “مبغيت والو أريد فقط أن يساعدني أحد للوصول إلى مدينة طنجة التي سيأتي إليها أخي لاصطحابي إلى المنزل”.

وزاد ابن سوق الأربعاء: “شفت الإعلان في الفيسبوك وجيت ولم أسمع كلام أمي التي ترجتني ألا أفعل.. وها أنا الآن ندمت على ذلك.. أنا بفلوسي ولا أريد شيئا سوى المساعدة للركوب في سيارة أجرة”، وهي المطالب التي رق لها قلب أحد المواطنين الذين منحه سروالا قصيرا وقميصا استبدل بهما ملابسه الملطخة بالدم والتراب، وجد صعوبة في ارتدائها بسبب الآلام والجروح التي يعاني منها، قبل أن تأتي سيارة أجرة كبيرة وتنقله إلى القصر الصغير.

تعددت الوسائل والهدف واحد

قصص الشباب والقاصرين الحالمين بالهجرة الجماعية تتشابه حد التطابق، جميعهم سمعوا بموعد “الهروب الكبير” المحدد في الـ15 من شتنبر الجاري عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقرروا تحدي العراقيل التي فرضتها السلطات على تنقلاتهم وتحدوا وعورة التضاريس بالمشي لساعات طويلة قبل الوصول إلى الفنيدق والمناطق المتاخمة لسبتة المحتلة، على أمل النجاح في العبور الذي لم يتم.

يحكي معاذ، ابن مدينة الرباط، الذي تمكن من الوصول إلى الفنيدق مشيا على القدمين من مدينة طنجة التي نجح في الوصول إليها دون العشرات من القاصرين الذين كانوا رفقته في إحدى الحافلات، “رجال الدرك أنزلوا الكثير من القاصرين في الرحلة، ووجدوا عندي بطاقة التعريف الوطنية فلم ينزلوني”.

وأضاف الشاب، “الساخط” جراء الوضع الاجتماعي والاقتصادي الذي يكابده رفقة أسرته بحي يعقوب المنصور في العاصمة الرباط: “قضيت 12 ساعة مشيا على القدمين من طنجة كي أصل إلى هنا، وحاولت مرتين تجاوز الحدود وفشلت.. هناك من أصيب بكسور ورضوض، بعد أن أطلق علينا الإسبان الرصاص المطاطي”.

وتابع الشاب الغاضب: “سأظل هنا وأحاول مرة أخرى حتى أنجح، لأن بلادي لم تمنحني شيئا.. أريد أن أشتغل ولا أجد عملا لدي دبلوم في الحدادة ولماذا لا يوفرون لي فرصة عمل ولا أهاجر”. وأردف والدموع تغالبه: “أنا عييت وأريد حلا، الحكومة لا تلتفت إلينا ولا تنظر من حالنا ولا تشفق علينا.. أبناؤكم يركبون السيارات ونحن نواجه الموت ألا تخافون يوم لقاء الله”.

أسر مكلومة

حديث معاذ عن الوضع الاقتصادي والاجتماعي المعقد، الذي يواجه الكثير من الأسر والشباب بالمغرب، لا يعتبره الكثير من الآباء والأمهات “مبررا مقبولا” يمكن أن يدفع الشباب والقاصرين نحو الهجرة ومواجهة المجهول.

أمام معبر “تارخال” الحدودي، يجلس عبد الرزاق الخلفي بجاب زوجته رفقة نساء أخريات ينتظرن سماع خبر مفرح عن أبنائهم القاصرين الذين قصدوا المدينة من أجل “الهجرة الجماعية” الموعودة.

تحفظ جميع القاعدين في المدار الطرقي المقابل للمعبر، والتعب بادٍ على وجوههم الشاحبة التي تخفي حزنا عميقاً على شباب وقاصرين في عمر الزهور يجازفون بحياتهم تاركين قلوب الأمهات والآباء يعتصرها الحزن والأسى، قبل أن ننجح في إقناع الرجل بالحديث إلى الجريدة.

قال الرجل الخمسيني والحزن يسيطر على ملامحه: “جئت رفقة زوجتي من سبت كزولة بإقليم آسفي للبحث عن ابني الوحيد البالغ من العمر 15 سنة، الذي فر من البيت رفقة عدد من الشباب للهجرة”.

وأضاف المتحدث لجريدة هسبريس: “أخبروني أن ابني موقوف داخل المعبر، وأنتظر أن يسلموه لي لأعود إلى منزلي ولا أريد أن يهاجر أبدا”.

وتابع الرجل وهو يغالب دموعه متأثرا من كلام أحد ممثلي السلطة الذين تحدث إليهم، بعدما قال له: “أين كنتم وتركتم أبناءكم يأتون إلى هنا؟ هل هناك أحد يمكن أن يفرط في ابنه وكبده”، ثم تساءل: “هل سأربطه لأمنعه؟ وما أشعر به لن يحس به إلا من له أبناء، أنا لم أنم وأريد أن أستعيد ابني”.

وزاد قائلا: “للأسف الشباب ديال اليوم الله يهديه، مبقاش باغي يخدم.. كين ميتدار في المغرب علاش نمشي نخدم في الخارج”، في رسالة إلى ابنه وعموم الشباب المغاربة الذين باتوا يضعون الهجرة هدفا رئيسيا لهم من دون أي تفكير في عواقب الخطوة ومزاياها.

جهود مضنية

واجهت السلطات الأمنية بمدينة الفنيدق ومختلف مدن الشمال، طيلة الأيام الماضية، ضغطا رهيبا جراء توافد آلاف الشباب والقاصرين على المنطقة بهدف الهجرة الجماعية إلى سبتة المحتلة.

وعاينت هسبريس، طيلة الأيام الثلاثة المنصرمة، كيف واجهت الفرق الأمنية آلاف المهاجرين التي حولت الغابات المجاورة للمدينة مركزا للتجمع والاستعداد لمحاولات الاقتحام الفاشلة.

مصدر مسؤول تحدث للجريدة أكد أن السلطات واجهت، خلال هذه الأيام، ضغطا كبيرا.

وأفاد المصدر ذاته بأن السلطات تمكنت من توقيف آلاف المهاجرين من الشباب والقاصرين الذين جاؤوا من مدن مختلفة وبعيدة.

وأقر بوقوع إصابات في صفوف رجال الأمن والقوات المساعدة، بعضها “بليغ”، نتيجة عمليات الرشق بالحجارة التي يتعرضون لها من لدن المهاجرين والقاصرين.

وفي هذا الصدد، عاينت هسبريس، طيلة الليلة الماضية، مواجهات عنيفة بين رجال الأمن والشباب والقاصرين الراغبين في الهجرة، والتي أدت إلى إصابات وخسائر مادية في البنيات والمعدات؛ الأمر الذي جعل سكان المدينة يتوجسون من استمرار الوضع على ما هو عليه لأيام أخرى.

وتفيد المعطيات بأن التوقيفات طالت، خلال العملية التي قادتها القوات العمومية المغربية بمدينة الفنيدق، 4 آلاف و455 مرشحا للهجرة السرية، الذين تم ترحيل غالبيتهم من المدينة نحو وجهات أخرى داخل البلاد؛ فقد مكنت الحملة من توقيف 3 آلاف و795 مغربيا بالغا، إلى جانب 141 مغربيا قاصرا، بالإضافة إلى 519 أجنبيا.

وأحبطت السلطات المغربية ست محاولات للتسلل نحو الثغر المحتل، كما جرى توقيف 70 شخصا محرضا على الهجرة من دول جنوب الصحراء وجزائريين سيمثلون أمام العدالة؛ فيما تم عزل البقية واعتراض راغبين في الهجرة بمدن أخرى.

وتصل الفرق الأمنية بمختلف أشكالها عمل الليل بالنهار، عبر أفواج تتقاسم الأدوار والمهام فيما بينها من أجل التصدي للمحاولات المستمر لتنفيذ محاولات الاقتحام المتواصلة لسبتة المحتلة، في إصرار واضح من الشباب الذين ما زال الكثير منهم مصممين على العبور وتجديد المحاولات دون كلل أو ملل.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق