شهدت الملاعب المغربية في الآونة الأخيرة حوادث شغب متكررة بين جماهير الفرق الوطنية، وآخرها حادثة شغب عقب المباراة التي جمعت بين فريقي شباب هوارة وأمل تيزنيت، حيث تورط 21 شخصًا في أعمال عنف أدت إلى إصابات خطيرة وأضرار مادية جسيمة.
هذه الواقعة ليست استثناء، بل تأتي ضمن سلسلة من الحوادث التي باتت تتكرر بشكل مقلق في المشهد الرياضي المغربي، حيث أصبح الشغب في الملاعب ظاهرة تهدد الرياضة الوطنية وتقوض القيم التي تقوم عليها، ما يدفع إلى إعادة النقاش حول دور مختلف الأطراف، من أندية وجماهير وسلطات، في التصدي لهذه الظاهرة والتفكير في حلول مستدامة تحمي المشجعين وتعيد للرياضة المغربية صورتها الإيجابية.
الحادثة المؤسفة التي أعقبت مباراة كرة القدم بين فريقي شباب هوارة وأمل تيزنيت أعادت تسليط الضوء على قضية الشغب في الملاعب وما يترتب عليها من تداعيات اجتماعية وأمنية. ويرى العديد من المهتمين بالشأن الرياضي أن تكرار مثل هذه الحوادث يعكس أزمة عميقة تتطلب حلولا شاملة وتعاونًا بين مختلف الجهات الفاعلة.
المحلل الرياضي كريم بنعيسى تحدث عن هذه الظاهرة قائلا: “حادثة الشغب الأخيرة بين شباب هوارة وأمل تيزنيت ليست مفاجئة في ظل الأجواء المتوترة التي تعيشها الملاعب المغربية”، مضيفا: “العنف الرياضي أصبح متنفسا لبعض الجماهير للتعبير عن غضبها وإحباطها، وهو ما يعكس، في كثير من الأحيان، ظروفًا اجتماعية واقتصادية صعبة”.
وأشار بنعيسى إلى أن الانفعالات الزائدة داخل الملاعب تترجم عادة إلى سلوكيات عدوانية تستهدف الخصوم والممتلكات، مؤكدا أن “الرياضة يجب أن تظل وسيلة للتواصل والتنافس الشريف، لا ساحة للعنف والفوضى”، ودعا السلطات المختصة إلى اتخاذ قرارات عقابية صارمة في حق كل من يتورط في الشغب أو الاعتداء على جماهير الفريق المنافس.
عدد من الحقوقيين طالبوا، في تصريحات متطابقة، بتشديد العقوبات على المتورطين في أعمال الشغب، مع التأكيد على ضرورة حماية حقوق المشجعين وتوفير بيئة آمنة لمتابعة المباريات.
نادية العلوي، الناشطة في مجال حقوق الإنسان من مدينة أكادير، أكدت أن “الملاعب يجب أن تكون فضاء للفرجة والرياضة، وليس للعنف والتخريب”، مشيرة إلى أن حماية المشجعين واجب على الدولة، مع ضرورة فرض عقوبات صارمة على كل من يشارك في أي نوع من أنواع العنف لضمان عدم تكرار هذه الحوادث.
في المقابل يشدد بعض المهتمين بالمجال الرياضي على أن الحلول الأمنية والقانونية وحدها لا تكفي، بل يجب أن تترافق مع برامج توعوية وثقافية تستهدف الجماهير، خاصة الشباب، ويرون أن دور الإعلام في هذا الإطار ضروري ومهم لنشر ثقافة الروح الرياضية بين الجماهير، خاصة الناشئة.
مصطفى الإبراهيمي، رئيس جمعية الأمل الرياضي، أشار إلى دور الإعلام في هذا السياق، موردا: “الإعلام في المغرب، خاصة الرياضي منه، يجب أن يلعب دورا أكبر في نشر قيم الروح الرياضية والتسامح بين الجماهير”، وأضاف: “للأسف نجد أحيانا أن بعض التغطيات الإعلامية تتجاوز حد الموضوعية وتساهم في تأجيج التوتر بين الجماهير”.
إلى جانب ذلك يرى عزيز البقالي، فاعل جمعوي في مجال الرياضة بمدينة تارودانت، أن تحسين البنية التحتية الرياضية يمكن أن يسهم في الحد من العنف، وأوضح في تصريح هاتفي أن “العديد من الملاعب في المغرب تعاني من نقص في التجهيزات الأمنية، مثل كاميرات المراقبة والمخارج الطارئة”، مؤكدا أن الاستثمار في بنية تحتية متطورة يمكن أن يساعد في تقليص حوادث الشغب وضمان سلامة المشجعين.
وفي ضوء هذه الأحداث يتفق جميع المهتمين بالشأن الرياضي على أن الحلول يجب أن تكون شاملة ومستدامة. لا يكفي الاعتماد على العقوبات الأمنية فقط، بل يجب أن تتضافر الجهود بين الأندية، والإعلام، والمجتمع المدني، والسلطات الأمنية، لنشر ثقافة الروح الرياضية وتعزيز الوعي بأهمية التشجيع الإيجابي.
ويرى عدد من الشباب، في تصريحات متطابقة، أن حادثة الشغب التي شهدتها مباراة شباب هوارة وأمل تيزنيت تبقى بمثابة جرس إنذار جديد حول الحاجة الملحة إلى اتخاذ إجراءات جدية للحد من هذه الظاهرة، وشددوا على ضرورة جعل الرياضة وسيلة للتواصل والتنافس الشريف، لا ساحة للعنف والفوضى.
من جانبها أكدت السلطات الأمنية أنها قامت باعتقال المتورطين في هذه الحادثة، وستتخذ التدابير القانونية اللازمة لضمان محاسبة المتسببين في هذه الأعمال التخريبية، تحت إشراف النيابة العامة المختصة.
وفي تصريح لأحد المسؤولين الأمنيين، فضل عدم الكشف عن هويته، قال: “لقد قمنا باعتقال 21 شخصا متورطين في أحداث الشغب بناء على تعليمات النيابة العامة المختصة، من بينهم أربعة راشدين”، مضيفا: “نعمل على تعزيز الإجراءات الأمنية في الملاعب، إلا أن الحل الأمني وحده لا يكفي، فالموضوع يتطلب مقاربة شاملة تشمل التوعية والتربية على القيم الرياضية”.
وأكد المسؤول ذاته أن المصالح الأمنية تواصل أبحاثها بخصوص أعمال الشغب التي اندلعت بين جماهير فريقي شباب هوارة وأمل تيزنيت، مشيرًا إلى أن السلطات الأمنية تعمل على مراجعة التسجيلات المتوفرة من أجل تحديد هوية كافة المتورطين في هذه الأفعال الإجرامية ومحاربة الشغب الرياضي.
0 تعليق