ترى المحللة الأمريكية ليلي هارفي أنه عندما يتولى الرئيس المنتخب دونالد ترامب ولايته الثانية ، سوف تواجهه أجندة سياسة خارجية مكتظة بالفعل بالتحديات الخطيرة، ولكن وسط القضايا الملحة مثل الحرب الجارية في أوكرانيا، والبرنامج النووي الإيراني الآخذ في التقدم، والصين التي تزداد عداء، هناك قضية ينبغي بالمثل عدم تجاهلها وهي: العلاقات بين الولايات المتحدة وأفريقيا.
وقالت هارفي، وهي زميلة باحثة ومسؤولة برامج في مجلس السياسة الخارجية الأمريكي في واشنطن العاصمة، ومحررة النشرة الإلكترونية لرصد السياسة الأفريقية التابعة للمجلس في تقرير نشرته مجلة ناشونال انتريست الأمريكية، إن فترة ولاية ترامب الثانية تحتاج إلى التركيز على تغيير اتجاه التحول القائم منذ مدة طويلة في العلاقات الأمريكية- الأفريقية؛ إذ أن تجاهل أفريقيا يعرض المصالح الأمريكية للخطر، داخليا وخارجيا.
وأضافت هارفي أن القيام بذلك لن يكون بالأمر الهين، فمن الناحية التاريخية، تأرجح تواصل الولايات المتحدة مع أفريقيا ما بين الإهمال والتفاعل السطحي.
وقالت إنه منذ حروب البربر في أوائل القرن التاسع عشر وحتى التدخلات العسكرية الأحدث ،أعطت التصرفات الأمريكية على نحو متكرر الأولوية للمصالح الضيقة على أي شراكة حقيقية، تاركة الكثير من الدول الأفريقية تدور في حلقة من عدم الاستقرار والتخلف، مما فتح الباب أمام تعرضها للاستغلال من جانب دول أخرى.
وفي ظل الإدارات الحديثة، بما في ذلك الولاية الأولى لترامب، عكست السياسة الأمريكية تجاه أفريقيا تقليد الانسلاخ المستمر عن القارة. وشهدت إدارة ترامب الأولى اتسام علاقات امريكا مع دول القارة بنهج قائم على الاقتصاد أعطى أولوية للتجارة على الاستراتيجية.
وسعت جهود مثل قانون النمو والفرص في أفريقيا ومبادرة أفريقيا المزدهرة إلى تعزيز العلاقات الاقتصادية، ولكن هذه الجهود قوضها انعدام صارخ للدعم الدبلوماسي والديمقراطي، وبدوره ، أعطى هذا النهج صورة سلبية عن التزام الولايات المتحدة تجاه المنطقة.
من جانبها، ركزت إدارة الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن أكثر على التواصل الدبلوماسي مع القارة من خلال مبادرات مثل قمة قادة الولايات المتحدة وأفريقيا، والعودة لاتفاقية باريس وبرامج الدعم مثل قانون النمو والفرص في أفريقيا والمبادرات الخاصة بالمناخ.
ولكن هذه الجهود غالبا ما كانت غير مترابطة وسطحية، مما جعل الكثير من الدول الأفريقية متشككة في نوايا أمريكا الأكبر، وأججت التاخيرات في التمويل الخاص بالمناخ وتوزيع اللقاحات أكثر المخاوف بشأن صدق المشاركة الأمريكية.
وهذه المشاركة المتقطعة تعتبر ضئيلة للغاية بالنسبة للتصدي بشكل قوي للنفوذ المتزايد للصين وروسيا ، اللتين حققتا تقدما كبيرا في المشاركة في القارة في السنوات الأخيرة، ويمثل هذا أيضا خطأ جسيما لأن أفريقيا لها أهمية جيوياسية أكبر من أي وقت مضى.
وتتباهى القارة ببعض الاقتصادات الأكثر نموا في العالم، و هذا الاتجاه مهيأ للاستمرار، وتعد أفريقيا موطنا للسكان الأسرع نموا في العالم ، حيث أن اعمار أكثر من 60 % من مواطنيها أقل من خمسة وعشرين عاما، مما يجعلها القارة الأكثر شبابا في العالم. ويمثل هذا العامل الديموجرافي قوة تحويلية سوف تشكل الديناميكيات العالمية في العقود القادمة .
وتواجه القارة الآن تحدي مواكبة هذا النمو السكاني السريع فيما يتعلق بالبنية التحتية والرعاية الصحية والحصول على التعليم. وتتطلب هذه الضغوط استثمارات كبيرة، مما يجعل القادة الأفارقة يسعون للحصول على شركاء - وهذه القائمة من الشركاء لا تتضمن واشنطن بشكل واضح، على الأقل في الوقت الحالي.
ومن الناحية الجيوسياسية ، تكتسب أفريقيا أهمية كبيرة، فقد ظهرت كقوة هائلة تشكل أنماط الهجرة المعاصرة والمرونة والصمود في مواجهة تغير المناخ والتحديات الأمنية، وسوف تؤثر أدوار أفريقيا كمصدر ونقطة عبور للهجرة بشكل كبير على الاستقرا ر الإقليمي في مناطق مجاورة من أوروبا إلى الشرق الأوسط.
بالإضافة إلى ذلك فإن ضعف أمكانيات القارة على مواجهة تغير المناخ يجعل تقدم القارة هشا، وهناك حاجة لاستثمارات أكبر لدعم القدرة على الصمود في المناطق التي تعتمد بشكل كبير على الزراعة لتجنب انعدام الأمن الغذائي والنزوح والصراعات.
الحكومات الإقليمية
ودفعت هذه التحديات الحكومات الإقليمية لطلب المساعدة من قوى خارجية، من جانبهما، أدركت الصين وروسيا هذه التوجهات وقررتا تقديم الدعم المالي ، مع أن هذا يتم بطرق مختلفة.
وظهرت الصين كأكبر شريك اقتصادي لأفريقيا ، حيث يبلغ حجم التجارة السنوية 282مليار دولار. ومن خلال مبادرة الحزام والطريق، ساعدت جمهورية الصين الشعبية على تحسين البنية التحتية في جميع أنحاء القارة بشكل مثير.
وعلاوة على ذلك، تأتي المساعدات المالية المقدمة من جانب الصين بشروط أقل من شروط نظيراتها الغربية، مما يوسع نطاق قبولها ويطيح بالشركات الأمريكية.
ويلقى هذا النهج من جانب الصين صدى عميقا لدى الكثير من الدول الأفريقية، مما يدعم الشعور بالامتنان والشراكة التي تتعارض بشكل حاد مع وجهات النظر المنتقدة غالبا للتدخل الغربي.
وعلى النقيض، استخدمت روسيا تكتيكات حقبة الحرب الباردة لزيادة نفوذها في أفريقيا. ومن خلال مجموعة فاجنر (وهى الأن فيلق أفريقيا)، تساند موسكو نظما غير مستقرة وتؤمن اتفاقيات دفاعية والوصول إلى موارد مثل الألماس والذهب واليورانيوم، وهذه أصول تساعد في تمويل مشاريعها الخارجية، بما في ذلك حرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا.
وتقيم روسيا أيضا تحالفات مع دول أفريقيا، مستغلة الروابط التاريخية والتعاون العسكري للحصول على الدعم في المؤسسات متعددة الأطراف، ومن خلال تصوير نفسها كشريكة في التنمية واستخدام المنافذ الإعلامية مثل وكالتي روسيا اليوم وسبوتنيك لبث مواد مناهضة للاستعمار ، تجعل موسكو نفسها بديلا للغرب بينما تقوض بشكل منهجي النفوذ الغربي.
الصورة الشاملة القاتمة
مع ذلك، وفي نطاق هذه الصورة الشاملة القاتمة، ما زال هناك مجال للولايات المتحدة لتقوم بدور تنافسي، وأمام إدارة ترامب المقبلة فرصة فريدة لإقامة شراكة ديناميكية مع أفريقيا تتجاوز الدبلوماسية التقليدية وتكثف العلاقات الاقتصادية وتحدث توازنا في الالتزامات الأمنية وتعيد إحياء جهود التنمية ، وكل هذا بينما تدافع عن الديمقراطية وحقوق الإنسان.
وتحتاج مثل هذه الشراكة إلى البدء بتفهم أن أفريقيا ليست ببساطة ميدان قتال ولكن قارة فاعلة مهمة على نحو متزايد في العلاقات الدولية.
ويتطلب هذا تجاوز لغة الخطاب البالية بأن أفريقيا ربما تكون مهمة يوما ما والانتقال إلى تفهم بأن الدول الأفريقية في الحقيقة شركاء الحاضر الذين يتعين على الولايات المتحدة أن تضع احتياجاتهم وتطلعاتهم في الاعتبار.
وتابعت هارفي أن القيام بذلك يتطلب إعطاء أولوية للارتقاء بالسياسات الاقتصادية الشاملة التي تمكن الشركات المحلية وتعزز ممارسات التجارة العادلة التي تساعد الدول الأفريقية على المنافسة عالميا.
المخاطر عالية
واختتمت هارفي تقريرها بالقول إن المخاطر عالية ، وإن عدم التحرك بشكل حازم ربما يدفع الولايات المتحدة إلى الخطوط الهامشية للتنافس بين القوة العظمى، ويسمح للآخرين بتشكيل مستقبل أفريقيا وإعادة تعريف التجارة والتنمية العالمية، وسوف يحتاج الرئيس المقبل إلى فهم هذه الحقيقة ويلزم البلاد بمشاركة استراتيجية أكثر عمقا.
0 تعليق