كيف يساعد الذكاء الاصطناعي مرضى التصلب في استعادة أصواتهم؟

0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف
تابعنا علي تليجرام

تخطو التكنولوجيا خطوات واسعة نحو دمج العقل البشري مع الآلة، فبعد نجاح وواجهات التخاطب بين الدماغ والحاسوب – التي تُعرف اختصارًا باسم (BCIs) – في التحكم في الأجهزة والروبوتات، بدأت الآن العديد من الشركات المتخصصة في هذا المجال مثل: شركة (نيورالينك) Neuralink، و(Synchron)، تحقيق إنجازات جديدة من شأنها أن تغير حياة ملايين الأشخاص حول العالم.

فقد حصلت شركة (نيورالينك) خلال الأيام الماضية على موافقة إدارة الغذاء والدواء الأمريكية (FDA) على جهازها الجديد (BlindSight)، الذي يهدف إلى استعادة البصر لدى المكفوفين من خلال تحفيز الدماغ مباشرة.

ويهدف هذا الجهاز الثوري، إلى تحفيز المناطق البصرية في الدماغ باستخدام إشارات كهربائية دقيقة، وقد أوضح إيلون ماسك، مؤسس الشركة ومديرها التنفيذي، أن هذا الجهاز سيساعد الذين  فقدوا حاسة البصر والعصب البصري تمامًا في الرؤية مرة أخرى، بشرط أن تكون المنطقة المسؤولة عن الرؤية في الدماغ (القشرة البصرية) سليمة.

وفي الوقت نفسه، أعلنت شركة (Synchron) أن الغرسة التي ابتكرتها سمحت لمريض يعاني مرض التصلب الجانبي الضموري (ALS) بالتحكم في المساعد الصوتي أليكسا من أمازون بأفكاره.

وباستخدام هذه الغرسة، يمكن للمريض النقر ذهنيًا على الأيقونات الموجودة ضمن جهاز لوحي من طرز (Amazon Fire)، الأمر الذي منحه إمكانية الوصول إلى مجموعة واسعة من مزايا أليكسا، التي تشمل: رؤية كاميرات الأمان، وإجراء مكالمات الفيديو والرد عليها، والتحكم في Fire TV من خلال توجيه المؤشر بدماغه. وبذلك استطاعت تقنية (Synchron) تغيير حياة هذا الشخص الذي لم يكن لديه القدرة على استخدام صوته أو أطرافه.

ولكن ماذا لو اُستخدم الذكاء الاصطناعي وخاصة النماذج اللغوية الكبيرة مع الغرسات الدماغية لتحويل الإشارات التي تسجلها تلك الغرسات إلى أوامر صوتية لحظيًا، هل يمكن أن يساعد ذلك الأشخاص الذين يعانون من إصابات في الدماغ أو أمراض عصبية مثل التصلب الجانبي الضموري في استعادة أصواتهم؟

الغرسات الدماغية والذكاء الاصطناعي يعيدان الأمل لمرضى التصلب:

طور فريق من الباحثين في جامعة كاليفورنيا ديفيس هيلث (UC Davis Health) واجهة دماغ حاسوبية (BCI) جديدة قادرة على ترجمة أفكار الأشخاص الذين يعانون من صعوبات في الكلام إلى كلام مفهوم.

وقد حققت هذه الواجهة بفضل نماذج الذكاء الاصطناعي المتطورة دقة مذهلة تصل إلى 97%، لذلك تمثل قفزة نوعية في مجال التواصل بين الإنسان والآلة، وتفتح آفاقًا جديدة لعلاج الأمراض العصبية التي تؤثر في القدرة على الكلام.

كيف تعمل واجهات التخاطب بين الدماغ والحاسوب؟

كيف يساعد الذكاء الاصطناعي مرضى التصلب في استعادة أصواتهم؟

تُعدّ واجهات التخاطب بين الدماغ والحاسوب من أبرز التقنيات الطبية الواعدة في عصرنا الحالي، إذ تسعى إلى تمكين الأشخاص الذين فقدوا وظائف حيوية بسبب الإصابات أو الأمراض العصبية من استعادتها.

وتعتمد هذه التقنية على شبكات من الأقطاب الكهربائية الدقيقة التي تُزرع على سطح الدماغ أو داخل أنسجته لتسجيل النشاط الكهربائي للدماغ، وهو عبارة عن سلسلة من الإشارات الكهربائية التي تنقل المعلومات بين الخلايا العصبية، ثم يحلل الحاسوب هذه الإشارات ويفسرها لتحديد النشاط الذي ينوي المريض القيام به.

وقد ركزت الأبحاث الأولية في مجال واجهات الدماغ والحاسوب في استعادة الحركة، خاصة حركة الذراع واليد، ومع ذلك، فإن فقدان القدرة على الكلام يمثل تحديًا أكبر، خاصة بالنسبة لمرضى الأمراض العصبية مثل التصلب الجانبي الضموري.

ولكن في السنوات الأخيرة، حقق الباحثون تقدمًا ملحوظًا في مجال واجهات الدماغ والحاسوب الكلامية، التي تستطيع تسجيل الإشارات الدماغية التي تتشكل عندما يحاول الشخص التحدث، وتحويلها إلى نص مكتوب باستخدام خوارزميات معقدة، ثم تحول هذا النص إلى صوت مسموع باستخدام تقنيات تحويل النص إلى كلام.

ومع ذلك، واجه تطوير هذه الأنظمة العديد من التحديات، ومن أبرزها: حاجة برامج الذكاء الاصطناعي المسؤولة عن فك شفرة إشارات الدماغ إلى كم ضخم من البيانات والتدريب لتعلم كيفية ترجمة هذه الإشارات بدقة. بالإضافة إلى ذلك، كانت هذه البرامج تعاني صعوبة في تمييز الكلمات بدقة، مما أدى إلى أخطاء في فهم كلام المريض وعوائق في التواصل الفعال.

ويمكن تشبيه هذه التقنية بترجمة لغة أجنبية معقدة، فكما يحتاج المترجم إلى قاموس كبير وخبرة واسعة لترجمة النص بدقة، فإن برامج الذكاء الاصطناعي تحتاج إلى كم ضخم من البيانات والتدريب لفهم لغة الدماغ وتحويلها إلى كلام مفهوم.

وقد أظهرت دراسة الباحثين في جامعة (كاليفورنيا ديفيس هيلث)، التي نُشرت مجلة نيو إنجلاند الطبية، أنهم نجحوا في التغلب على التحديات السابقة في مجال واجهات الدماغ والحاسوب، إذ طوروا نظامًا جديدًا يعتمد على مجموعة من نماذج الذكاء الاصطناعي، قادر على فك شفرة لغة الدماغ بدقة عالية وتحويلها إلى كلام مفهوم.

وتتمثل فكرة النظام في ترجمة أفكار المريض مباشرة إلى كلمات مسموعة، ويحدث ذلك من خلال زرع شرائح إلكترونية خاصة تلتقط إشارات التحدث في دماغ المريض، وتحولها إلى نص يظهر في شاشة الحاسوب، ثم يقرأ الحاسوب النص بصوت عالٍ يشبه صوت الشخص قبل إصابته بالمرض.

ولاختبار النظام، سجل الفريق (كيسي هاريل)، وهو رجل يبلغ من العمر 45 عامًا مصاب بمرض التصلب الجانبي الضموري، في التجربة السريرية (BrainGate)، وفي وقت تسجيله، كان هاريل يعاني الشلل الرباعي، وكان كلامه صعب الفهم، ويحتاج إلى مساعدة الآخرين في ترجمته.

 وفي يوليو 2023، زُرع للمريض 4 مجموعات من الأقطاب الكهربائية الدقيقة في الدماغ وتحديدًا في التلفيف المركزي الأيسر، وهي المنطقة المسؤولة عن تنسيق الكلام، وقد صُممت هذه المجموعات لتسجيل نشاط الدماغ، وتتكون من 256 قطبًا كهربائيًا مزروعًا في قشرة الدماغ لالتقاط الإشارات الدماغية بدقة عالية.

ويشرح الدكتور سيرجي ستافيسكي، الأستاذ المساعد في قسم جراحة الأعصاب والباحث الرئيسي المشارك في الدراسة الأمر، قائلًا: “نحن نلتقط إشارات عصبية دقيقة تعكس محاولات المريض لتحريك عضلاته وإنتاج الكلام، وهذه الإشارات تُسجل من المنطقة المسؤولة عن تحريك عضلات الكلام في الدماغ، ومن ثم نقوم بترجمة هذه الأنماط العصبية المعقدة إلى رموز ثم إلى كلمات مفهومة”.

وقد كانت الأنظمة السابقة لواجهة الدماغ والحاسوب، التي تترجم الأفكار إلى كلام تعاني مشكلة كبيرة، وهي تكرار الأخطاء في تحديد الكلمات، وهذا الأمر كان يجعل التواصل صعبًا وغير موثوق به.

وأوضح ديفيد براندمان، جراح الأعصاب والباحث المشارك في الدراسة أن هدفهم في هذا المشروع كان تطوير نظام أكثر دقة يسمح للمستخدم بالتعبير عن نفسه بوضوح في أي وقت يشاء.

وقد جرب هاريل النظام الجديد في عدة سيناريوهات، منها المحادثات العادية والطلبات المحددة. وفي كلتا الحالتات، كان النظام بمساعدة عدة نماذج تعلم آلي ونماذج لغوية كبيرة، يفك شفرة إشارات الدماغ ويحولها إلى كلمات مكتوبة بصورة فورية.

وعلاوة على ذلك، كان النظام يقوم بقراءة هذه الكلمات بصوت عالٍ بنفس نبرة صوت هاريل قبل إصابته بالمرض، وقد حُقق ذلك من خلال برنامج مدرب على عينات موجودة لصوته قبل إصابته بالمرض.

نتائج مبهرة:

في غضون وقت قياسي، تمكن النظام من تحقيق دقة عالية في تعرف الكلام، متجاوزًا بذلك العديد من الأنظمة المتوفرة تجاريًا، فخلال جلسة التدريب الأولى على بيانات الكلام، تمكن النظام من تحقيق دقة مذهلة بلغت 99.6% في تعرف 50 كلمة مختلفة خلال 30 دقيقة فقط. ومع زيادة حجم المفردات إلى 125000 كلمة في الجلسة الثانية، احتاج النظام إلى 1.4 ساعة إضافية من التدريب لتحقيق دقة بلغت 90.2%.

وباستمرار عملية جمع البيانات وتدريب النظام، تمكن من الحفاظ على دقة عالية بلغت 97.5%، وتمثل هذه النسبة قفزة نوعية في مجال أنظمة تعرف الكلام.

مستقبل واعد:

يمثل هذا الإنجاز نقطة تحول في مجال واجهات الدماغ والحاسوب، ويفتح آفاقًا جديدة لعلاج العديد من الأمراض العصبية الأخرى، مثل: السكتة الدماغية والتصلب. ومع استمرار التطور التكنولوجي، يمكننا توقع ظهور أجيال جديدة من واجهات الدماغ والحاسوب تكون أصغر حجمًا وأكثر كفاءة، مما يجعل هذه التكنولوجيا متاحة لعدد أكبر من المرضى.

وختامًا، تُعدّ واجهات الدماغ والحاسوب واحدة من أبرز التطورات في مجال الطب الحيوي في العقود الأخيرة، وقد أثبتت هذه التكنولوجيا قدرتها على تحسين نوعية حياة المرضى الذين يعانون من إعاقات شديدة، مما يمنحهم الأمل في مستقبل أكثر استقلالية وتواصلًا.

نسخ الرابط تم نسخ الرابط

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق