شهد قطاع الطاقة في مصر خلال عام 2024 سلسلة من التحديات والتطورات التي انعكست على مسار القطاع واستراتيجياته، واجهت البلاد انخفاضًا كبيرًا في إنتاج الغاز الطبيعي، مما أثار أزمات متتالية، لا سيما في فصل الصيف، ورغم هذه التحديات، سعت مصر لتعزيز مصادرها من الطاقة المتجددة والهيدروجين من خلال صفقات واستثمارات ضخمة.
أزمات قطاع الطاقة بين نقص الغاز وتزايد الاستهلاك
خلال العام، واجهت مصر تراجعًا غير مسبوق في إنتاج الغاز الطبيعي الذي بلغ أدنى مستوياته منذ أكثر من سبع سنوات، انخفض الإنتاج إلى 41.88 مليار متر مكعب خلال الأشهر العشرة الأولى من العام، مقارنة بـ50.09 مليار متر مكعب في الفترة ذاتها من العام الماضي، و في سبتمبر 2024، وصل الإنتاج إلى 3.81 مليار متر مكعب فقط، وهو أدنى مستوى منذ فبراير 2017.
قطاع الطاقة في مصر 2024
هذا الانخفاض دفع الحكومة لاستئجار سفن غاز مسال عائمة لتحويل الغاز المستورد إلى حالته الطبيعية، ما ساهم في تغطية الطلب المحلي المرتفع وتخفيف أزمة انقطاع الكهرباء التي كانت بارزة في أشهر الصيف الحارقة.
ومع ذلك، استمر استهلاك الغاز في الارتفاع، حيث بلغ استخدامه في قطاع الكهرباء والتدفئة 30.52 مليار متر مكعب خلال الأشهر العشرة الأولى من 2024، بزيادة قدرها 867 مليون متر مكعب عن العام السابق، ورغم تراجع الاستهلاك مع انخفاض درجات الحرارة في الخريف، فإن التوقعات تشير إلى استمرار ارتفاعه ليصل إلى 5.9 مليار قدم مكعبة يوميًا خلال العام.
التأثير على الصادرات وخسائر العملة الأجنبية
بسبب تزايد الاستهلاك وانخفاض الإنتاج، اضطرت مصر إلى وقف صادراتها من الغاز المسال منذ مايو 2024، مما أدى إلى خسارة مصدر هام للنقد الأجنبي، وانخفضت صادرات الغاز إلى 540 ألف طن خلال النصف الأول من العام، مقارنة بـ2.74 مليون طن في الفترة ذاتها من العام السابق.
وعلى الجانب الآخر، كثفت مصر وارداتها من الغاز المسال، حيث استأجرت وحدتين جديدتين لإعادة التغويز بطاقة إجمالية تصل إلى 1.5 مليار قدم مكعبة يوميًا، مع تقارير تشير إلى التعاقد على وحدة ثالثة بحلول منتصف 2025.
جهود لتعزيز الإنتاج المحلي
رغم التحديات، بذلت مصر جهودًا كبيرة لزيادة إنتاج الغاز وتعويض الانخفاض الطبيعي في إنتاج الحقول الكبرى، مثل حقل ظهر الذي انخفض إنتاجه إلى 1.8 مليار قدم مكعبة يوميًا، ومن بين الاكتشافات الجديدة، حقول أبو قير البحرية التي تضيف 15 مليون قدم مكعبة يوميًا، وكما دخلت بئر جديدة في شمال سيناء مرحلة الإنتاج بمعدل 17 مليون قدم مكعبة يوميًا.
بالإضافة إلى ذلك، تم توقيع اتفاقيات مع شركات عالمية مثل شل وبتروناس لتنفيذ مشروعات جديدة باستثمارات تقدر بـ222 مليون دولار، وتخطط الحكومة لحفر 110 آبار استكشافية خلال العام المالي 2024-2025 باستثمارات 1.2 مليار دولار.
التحول نحو الطاقة المتجددة والهيدروجين
على الرغم من أزمات الغاز، شهد قطاع الطاقة المتجددة في مصر تقدمًا ملحوظًا خلال 2024. وُقّعت اتفاقيات لمشروعات ضخمة، منها مشروع طاقة الرياح في خليج السويس بسعة 1.1 غيغاواط، ومشروع آخر بقدرة 10 غيغاواط غرب سوهاج بتكلفة 10 مليارات دولار، كما افتُتحت محطات جديدة، مثل محطة رياح في خليج السويس بقدرة 252 ميغاواط، ومحطة طاقة شمسية في أسوان بقدرة 500 ميغاواط.
وفي مجال الهيدروجين الأخضر، وقّعت مصر 12 اتفاقية جديدة باستثمارات تجاوزت 34 مليار دولار، وتسعى الحكومة لإنتاج 1.5 مليون طن من الهيدروجين الأخضر سنويًا بحلول 2030، بدعم من سياسات تحفيزية ومذكرات تفاهم تتضمن استثمارات تقدر بـ64 مليار دولار.
تحديات الغاز وتحولات الطاقة المتجددة
رغم التحديات الكبيرة التي واجهها قطاع الطاقة في مصر خلال 2024، أظهر القطاع مرونة في التكيف مع الأزمات من خلال تعزيز الواردات وتوقيع صفقات استراتيجية في مجالات الطاقة المتجددة والهيدروجين، وبينما تتجه الأنظار إلى صيف 2025، يبقى السؤال الأهم: هل ستتمكن مصر من تجاوز الأزمات واستعادة دورها كمصدر للطاقة؟
0 تعليق