تعدّ الغابات الجزائرية من الأنظمة البيئية الحيوية التي تسهم بشكل كبير في الحفاظ على التوازن البيئي والتنمية المستدامة.
وتؤدي هذه الغابات دورًا محوريًا في مكافحة التصحر، وحماية التنوع البيولوجي، وصون التربة من الانزلاقات والتعرية.
ومع التحديات البيئية المتزايدة مثل الحرائق الموسمية والتوسع الزراعي، تتبنّى الجزائر إستراتيجيات متعددة للحفاظ على غطائها الغابي وتعزيز استدامتها.
وفي هذا السياق، تكمن أهمية إستراتيجيات التشجير وإعادة تأهيل الغابات في تحقيق توازن بيئي مستدام يعود بالنفع على المجتمع والاقتصاد المحلي.
الغابات في الجزائر
تتركز الغابات في الجزائر بشكل رئيس في المناطق الجبلية الشمالية، إذ تمتد على مساحة تُقدَّر بنحو 4.1 مليون هكتار، وهو ما يمثّل نسبة ضئيلة تبلغ 1.76% فقط من إجمالي مساحة البلاد.
مكونات غطاء الغابات الجزائرية:
- الغابات الكثيفة: تغطي مساحة تُقدَّر بـ 1.42 مليون هكتار.
- أراضي الماكي: تشمل الشجيرات المنخفضة، وتمتد على مساحة 2.41 مليون هكتار.
- الغابات المزروعة حديثًا: تبلغ مساحتها نحو 280 ألف هكتار.
الأنواع الرئيسة لأشجار الغابات في الجزائر:
- الصنوبر الحلبي: يشكّل الغالبية العظمى بنسبة 69%.
- البلوط الفليني: يحتلّ المرتبة الثانية بنسبة 21%.
- أنواع أخرى متنوعة: تشمل الأرز، والصنوبر البحري، والبلوط الأخضر، وأشجار الكافور، وغيرها من الأنواع التي تُضفي تنوعًا بيئيًا غنيًا على الغابات الجزائرية.
جهود الجزائر في التشجير
منذ عام 1962، شهدت الجزائر تنفيذ عدّة مشروعات تشجير تهدف إلى مكافحة التصحر وتعزيز الاستدامة البيئية.
وفي المدة من 1962 إلى 1999، تمّ تشجير أكثر من 1.05 مليون هكتار من الأراضي عبر برامج شعبية وخطط ثلاثية ورباعية.
وفي عام 1971، أُطلِق مشروع السد الأخضر لمكافحة التصحر، الذي كان يهدف إلى تحقيق التوازن البيئي وتحفيز التنمية الاقتصادية والاجتماعية للسكان، من خلال إعادة تشجير الأراضي شبه الجافة، استنادًا إلى خريطة حساسية للتصحر.
وضمن برنامج التنمية الزراعية في عام 1975، الذي كان جزءًا من الثورة الزراعية، كان التركيز على تحسين استغلال الأراضي والمراعي، مع دمج تقنيات حماية التربة واستعادتها.
وفي عام 1981، تمّت هيكلة قطاع الغابات في الجزائر من خلال تأسيس أمانة دولة للغابات لتنفيذ برامج مكافحة التصحر، وإنشاء المفوضية العليا لتنمية السهوب، لتخفيف الضغط على الأراضي من خلال إدارة الماشية.
كما أُنشئت 8 منتزهات وطنية بمساحة 165 ألف هكتار، وأُدرجَت 50 منطقة رطبة ضمن اتفاقية "رامسار" منذ عام 1982.
وفي إطار إستراتيجية حماية النظام البيئي التي أُعدَّت للمدة 2015-2030، حُدِّدَ 16 مجمعًا و2375 منطقة رطبة.
وفي عام 1999، اعتمدت الحكومة الخطة الوطنية للتشجير، التي بدأت تنفيذها في عام 2000، وقد تمّ تشجير أكثر من 825 ألف هكتار في إطار هذه الخطة، بهدف تشجير 1.2 مليون هكتار، منها 250 ألف هكتار لحماية أحواض الأنهار.
ومنذ عام 1962، تمّ تشجير أكثر من مليون هكتار، منها 856 ألف هكتار ضمن خطة خلال المدة من 2000 إلى 2022.
وفي إطار هذه الجهود، أُنشِئ صندوق دعم لمكافحة التصحر وتطوير المراعي، الذي تحول لاحقًا إلى الصندوق الوطني للتنمية الريفية، لدعم التنمية المستدامة في المناطق الريفي.
السد الأخضر في الجزائر
انطلق مشروع إعادة تأهيل السد الأخضر في الجزائر في عام 2020، مع تخصيص ميزانية تبلغ 75 مليار دينار جزائري (562 مليون دولار)، ويُجدّد التمويل الخاص بالمشروع سنويًا وفقًا للقانون المالي الجزائري، لمدة 7 سنوات (2023-2030)
ووُسعّت مساحة السد من 3.7 إلى 4.7 مليون هكتار، ليشمل 13 ولاية (المسيلة، وباتنة، وخنشلة، والأغواط، والبيض، والنعامة، وسطيف، والجلفة، والبويرة، وتبسة، وبرج بوعريريج، وبسكرة)، بالإضافة إلى 183 بلدية، و1200 منطقة.
وتتشكّل 63% من مساحة السد الأخضر في الجزائر من مساحات رعوية تبلغ 2.33 مليون هكتار، في حين تشكّل المساحات الغابية 18%، بمساحة تُقدّر بـ665 ألفًا و741 هكتارًا، في حين تشكّل المساحة الفلاحية 16% من المساحة الإجمالية، بمقدار 591 ألفًا و769 هكتارًا.
الغابات الجزائرية والتنمية المستدامة
تتجلى أهمية الغابات الجزائرية في أدوارها المتعددة، التي لا تقتصر على الجانب البيئي فحسب، بل تمتد لتشمل أبعادًا اقتصادية واجتماعية، ما يجعلها ركيزة أساسية للتنمية المستدامة في البلاد
- موارد طبيعية: تمثّل الغابات مصدرًا للعديد من المواد الأولية، مثل الخشب الذي يُستعمَل وقودًا ومادة بناء أساسية.
- منتجات غير خشبية: توفر الغابات منتجات متعددة، منها العسل والفواكه والأعشاب الطبية والعطرية والفطر، مما يدعم الاقتصاد المحلي، ويعزز الدخل الريفي.
- الاستجمام: تُعدّ الغابات وجهة مثالية للترويح عن النفس والاستمتاع بالطبيعة، مما يسهم في تحسين الصحة النفسية والجسدية للسكان.
- الرعي: تُشكّل الغابات مناطق مناسبة لرعي الماشية، ما يدعم قطاع الثروة الحيوانية ويسهم في توفير الغذاء للمجتمعات المحلية.
التحديات التي تواجهها الغابات في الجزائر
تواجه الغابات في الجزائر مجموعة من التحديات الكبرى التي تهدد استدامتها وتؤثّر بقدرتها على أداء وظائفها البيئية والاقتصادية.
ومن أبرز هذه التحديات حرائق موسمية تتكرر بانتظام، إذ يحترق أكثر من 30 ألف هكتار من الغابات والأحراش سنويًا، وبين عامي 1985 و2014، سُجِّل أكثر من 42.5 ألف حريق بمعدل 1637 حريقًا سنويًا، مما أدى إلى تدمير نحو 910.64 ألف هكتار من الغابات (أي بمعدل 35,025 هكتار سنويًا).
وأدت الحرائق إلى تضرُّر 100 ألف هكتار في عام 2022، و17 ألف هكتار في عام 2023، كما تتسبب هذه الحرائق في خسائر مالية تُقدَّر بنحو 26-31 مليون دولار سنويًا.
ويعود السبب الرئيس لمعظم هذه الحرائق إلى عوامل غير معروفة (75%)، بينما يُعزى 23% منها إلى الحرق العمد، و1% إلى الأنشطة الزراعية، و1% إلى الإهمال.
إضافة إلى ذلك، يسهم الاستعمال المفرط للخشب لأغراض الطاقة والبناء في استنزاف الموارد الغابية، في الوقت الذي يشهد فيه القطاع الزراعي تمددًا متسارعًا نحو المناطق الغابية، مما يؤدي إلى إزالة الغابات باستمرار.
كذلك، تسهم الأمراض التي تصيب الأشجار في تدهور الغابات، إذ تتسبب في انخفاض إنتاجها وجودتها، مما يؤثّر سلبًا بالتنوع البيولوجي والاقتصاد المحلي.
ومن جهة أخرى، عانت الغابات الجزائرية من تراجع كبير في مساحتها، إذ كانت تمتد على نحو 6 ملايين هكتار قبل الاستعمار الفرنسي، إلّا أن المساحة تقلّصت حاليًا إلى 4.1 ملايين هكتار.
وفي إطار مواجهة التحديات، تبنّت إستراتيجية الغابات 2035 لتحقيق مجموعة من الأهداف الرئيسة التي تسهم في تعزيز استدامة الغابات الجزائرية.
أولًا: تسعى إلى توسيع المساحات الغابية من خلال زيادة المساحات المزروعة وتحسين الغطاء النباتي.
ثانيًا: تركّز الإستراتيجية على تطبيق الإدارة الإيكولوجية المتكاملة للغابات باستعمال تقنيات مستدامة لإدارة هذه الموارد.
بالإضافة إلى ذلك، تضع الإستراتيجية خططًا فعالة لحماية الغابات من خلال أنظمة تهدف إلى تقليل المخاطر المرتبطة بالتصحر والتغير المناخي.
وفيما يتعلق بالتخفيف من انبعاثات غازات الدفيئة، تسعى الإستراتيجيات الحالية إلى تقليص الانبعاثات الناتجة عن تدهور الغابات، من خلال الإدارة المستدامة التي تعزز من دور الغابات بصفتها مصارف للكربون.
وتتكامل هذه الجهود لتقوية قدرة الغابات والمجتمعات المحلية على مواجهة تحديات التغير المناخي بفعالية.
يتطلب الحفاظ على الغابات الجزائرية إستراتيجيات شاملة تجمع بين الإدارة المستدامة، والتوعية البيئية، والابتكار في تقنيات التشجير.
ومن خلال مشروعات مثل السد الأخضر وبرامج التشجير الوطنية، يمكن للجزائر أن تحافظ على غاباتها، وتزيد من قدرتها على امتصاص الكربون، مما يسهم في التصدي لتحديات تغير المناخ.
ويبقى أن يواكب كلَّ ذلك دعم حكومي قوي وتعاون من جميع الجهات المعنية، لتحقيق استدامة بيئية واقتصادية طويلة الأمد.
* د.منال سخري - أستاذة وخبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.
* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق