تذكّر دراسة جديدة بالواقع الذي فرض “تعديل وإصلاح مدونة الأسرة” بشكل “يساير تلك الدينامية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية التي عرفها واقع الأسرة المغربية، من خلال مراعاة منظومة الحلال والحرام التي تؤطّرها النصوص الشرعية القطعية من جهة، واحترام خصوصيات المجتمع المغربي، واعتماد الاعتدال والاجتهاد المنفتح من جهة أخرى”.
وتذكر دراسة الأستاذ الباحث عبد اللطيف الخشيبي الصادرة عن “مركز أفكار للدراسات والأبحاث” أن مدونة الأسرة شكلت “قفزة نوعية للنهوض بوضعية المرأة المغربية، وإعطائها المكانة المستحقة وتحقيق توازن الأسرة”، إلا أن “التجربة كشفت وجود عوائق أمام استكمال هذه المسيرة، فكان لا بدّ من تفعيل المؤسسات الدستورية المعنية بحقوق الأسرة، وتحيين الآليات والتشريعات الوطنية للنهوض بوضعيتها”.
وتتابع الدراسة: “إذا كانت العوائق السوسيولوجية تحتاج إلى كثير من المعالجات القانونية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية، بما يضمن للمجتمع المغربي أن يسير حثيثا لتحقيق المواطنة الكاملة والتنمية المستدامة، فإن بعض نصوص المدونة لا بد من تعديلها لتستجيب للتحولات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وللسياق السياسي والدستوري وللالتزامات الدولية التي صادق عليها المغرب؛ كل ذلك في إطار مقاصد الشريعة، وخصوصيات المجتمع المغربي التاريخية والثقافية والحضارية”.
ويسجل البحث أن “الاجتهادَ الفقهيَّ قدرةٌ منهجية على الفهم السليم للشريعة ولواقع المكلّف، وعلى تنزيل نتائج الفهم على الواقعات، بمعنى تنزيل الثوابت على المتغيرات، وربط المتغيرات بالثوابت، في علاقة منهجية منضبطة ومتوازنة من جهة المنهج، وفي علاقة دائمة ومتحركة من جهة الواقع، وقدرة على البناء والتوليد والاستنباط على الدليل، لمواجهة كل القضايا المتولدة عن قانون المدافعة الذي تقوم عليه الحياة البشرية”.
ثم يردف المصدر ذاته: “وإذا كان للتشريع دوره الذي يمنع الفوضى وعدم الاستقرار داخل النظام القانوني فإن للاجتهاد القضائي دوره الذي يضمن ملاءمة وبيان وتطوّر القواعد القانونيّة، إذ يمنح القاضي فرصة الفصل في النزاع المعروض في حالة غياب النص التشريعي، كما يعمل على تحفيز القضاة لبذل مزيد من الجهد في فهم وتحصيل وتطوير القواعد القانونية، تحقيقا للعدالة القضائية، ومشاركة في تأسيس وبناء القواعد القانونية، على نحو يمكن القول معه إن التشريع والاجتهاد القضائي متكاملان في النظام القانوني الوطني”.
ويدافع الخشيبي عن أن دراسة قضايا الأسرة تقتضي “رؤية مركزية” تنطلق من “الهوية الدينية والوطنية”، وتنفتح على “مختلف التخصصات ذات الصلة، في استحضار المشترك الإنساني بكل أبعاده العالمية وآفاقه الكونية؛ وذلك لضمان استمرارية وظيفتها التربوية والقيمية في مجال البناء المعماري”.
وتقدم الدراسة مقارنة بين تشريعات إسلامية في دول أخرى واجتهادات مدونة الأسرة وقوانين دول في مناطق أخرى، وتقترح تعديلات تنتظمها قاعدة تراعي الثوابت التي هي الأحكام الصحيحة المستقرة التي لا تقبل التغيير، ومنها المعلوم من الدين بالضرورة والأحكام الثابتة بدليل قطعي، وما يتعلق بالقيم الأساسية للمجتمع التي لا يجوز تجاوزها، كالعدل والمساواة، وما تعلق بالنظام العام والآداب العامة التي لا يجوز الاتفاق على مخالفتهما، مشيرة إلى أن “جمود القاعدة القانونية مدعاة لعدم الأمن والاستقرار المجتمعيين؛ فكان لزاما الملاءمة بين أحكام القاعدة القانونية واحتياجات المجتمع المتطورة، وكان لزاما أن تكون القاعدة القانونية منفتحة على تطور المفاهيم القانونية وتفاعلها مع مستجدات العصر”.
النشرة الإخبارية
اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.>
0 تعليق