يتصدّر خفض الانبعاثات الكربونية في قطاع النقل البحري اهتمامات الباحثين المصريين، نظرًا إلى مرور نحو 12% من الأسطول التجاري العالمي من مصر عبر قناة السويس.
وفي هذا الإطار، توصّل باحثون من جامعة المنصورة إلى تقنية -اطّلعت عليها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- تهدف إلى توفير انتقال سلس وسريع نحو نقل بحري مُستدام وخالٍ من الانبعاثات الكربونية.
ولتحقيق هذا الهدف على أرض الواقع، اعتمدت التقنية على تطوير وحدة لالتقاط الكربون وتخزينه، الصادر من عوادم السفن قبل تسرّبها إلى الهواء الجوي، ومن ثم تخزين هذا الكربون في باطن الأرض أو إعادة تدويره واستعماله في صناعات أخرى.
جاء ذلك في مشروع تخرّج بكلية الهندسة جامعة المنصورة للباحثَيْن المهندس مهاب محمد عبدالهادي، والمهندس مصطفى محمود البيومي، تحت إشراف الأستاذ المساعد بقسم القوى الميكانيكية الدكتور محمد مصطفى توفيق.
ثم تحولت الفكرة بعد ذلك من مشروع تخرّج إلى شركة مصرية ناشئة تضم 14 عضوًا فاعلًا من خلفيات علمية مختلفة، منها الهندسي، والكيميائي، والقانوني، وإدارة الأعمال.
تحقيق الحياد الكربوني
قال المهندس مهاب عبدالهادي إن الوتيرة التصاعدية للتغيرات المناخية والكوارث الناجمة عنها أجبرت العالم على اتخاذ إجراءات لتحقيق هدف الحياد الكربوني بحلول عام 2050.
وأضاف أن هذا الهدف يدفع تحول الصناعات الثقيلة، مثل النقل البحري، من استهلاك الوقود الأحفوري إلى أنواع بديلة أو شراء شهادات الكربون، إلا أن الخيارَيْن مكلفان للغاية لملاك السفن.

وتابع أنه وفريقه البحثي حاولوا تحقيق الحياد الكربوني في قطاع الشحن البحري بأسعار حقيقية واقعية من خلال ابتكار وحدة التقاط الكربون وتخزينه (سنو).
واستطرد قائلًا: "أبرز ما يميّز هذا الحل، كونه يتماشى مع الاحتياجات والبنية التحتية لصناعة النقل البحري، ويمكّن ملاك السفن لأول مرة من جني أرباح من عوادم سفنهم من خلال نسبة من مبيعات الكربون".
وحدة "سنو"
أوضح المهندس مهاب عبدالهادي أنه استوحى اسم وحدة التقاط الكربون وتخزينه "سنو" من اسم فرعون مصر العظيم سنوسرت الثالث، خامس فراعنة الأسرة الـ12، الذي حكم مصر من 1878 ق.م حتى 1839 ق.م.
وارتبط اسم الملك سنوسرت الثالث بمشروع عبقري تمثّل في حفر قناة سيزوستريس، التي كانت أول قناة مائية معروفة تربط بين البحرَيْن الأحمر والمتوسط عن طريق نهر النيل، مما أسهم في تعزيز الاقتصاد المصري القديم، ومهّد الطريق لفكرة قناة السويس بشكلها الحالي.
ولفت المهندس عبدالهادي -خلال تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- إلى أن وحدة سنو تعمل على 3 مراحل:
المرحلة الأولى: يُعالج خلالها العادم من أكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين الضارة.
المرحلة الثانية: يُلتقط خلالها ثاني أكسيد الكربون ويُفصل.
المرحلة الثالثة: يُسال خلالها ثاني أكسيد الكربون ويُخزّن في خزانات منفصلة حتى أقرب نقطة تفريغ للكربون في المواني.
ويوضّح الإنفوغرافيك التالي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- مراحل عمل وحدة سنو لالتقاط الكربون وتخزينه:
"كاربون لس"
أشار المهندس مهاب عبدالهادي إلى أن مشروع التخرج قد تبلور إلى شركة ناشئة باسم "كاربون لس" تقدّم حلولاً لمساعدة قطاع النقل البحري لتحقيق الحياد الكربوني بحلول عام 2050 من خلال تزويد سفن النقل الكبيرة؛ مثل: ناقلات النفط والكيماويات، وسفن الحاويات، وناقلات الحبوب بوحدة "سنو".
وتعمل هذه الوحدة على معالجة العادم من أكاسيد الكبريت وأكاسيد النيتروجين الضارة أولًا، ثم التقاط ثاني أكسيد الكربون وتخزينه في صورة ثاني أكسيد كربون مسال على سطح السفن حتى أقرب نقطة تفريغ كربون في أقرب ميناء.
وبذلك تكون وحدة سنو قد حقّقت المعادلة الصعبة، نظرًا إلى أنها تحول دون تسرب ثاني أكسيد الكربون للجو حتى مع استهلاك الوقود البحري التقليدي، مع ضمان ربح سنوي لملاك السفن من خلال إعادة تدوير ثاني أكسيد الكربون المُلتقط وبيعه للصناعات التي تحتاج إليه.
ويدخل ثاني أكسيد الكربون في صناعات كثيرة بصفته غازًا خاملًا مثل زراعة الصوب وإنتاج الميثانول والأسمدة والمشروبات الغازية ومكافحة الحرائق.
كما تحقّق "كاربون لس" التوازن بين تحقيق أهداف التنمية المستدامة ووجود نقلة عادلة لملاك السفن دون أن يضطروا إلى التحول إلى أنواع وقود بديلة تضاعف عليهم التكلفة السنوية، وبعضها يتطلّب تغييرًا جذريًا للبنية التحتية للسفن.
وتغني الوحدة -أيضًا- ملاك السفن عن شراء سندات كربون مقابل انبعاثاتها السنوية بتكلفة مرتفعة سنويًا، في حين تستمر الانبعاثات الكربونية في التراكم في الجو دون حل جذري.
صناعات مستهدفة
سلّط المهندس مهاب عبدالهادي -خلال تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- الضوء على أن "كاربون لس" تولي اهتمامًا كبيرًا للتوسع في صناعتَيْن تتماشيان مع رؤية مصر 2030 في التوجه نحو الطاقة المستدامة وهما:
▪ تصنيع الميثانول محليًا بصفته الوقود المستدام المستقبلي لكثير من الصناعات ووسائل النقل.
▪ تخزين الطاقة المتجددة باستعمال بطاريات ثاني أكسيد الكربون، التي تُعد أكثر استدامة، وأقل تكلفة من بطاريات الليثيوم الضارة.
ولفت إلى أن مصر حتمًا ستستفيد من بطاريات ثاني أكسيد الكربون في تخزين الطاقة المولّدة من محطة بنبان للطاقة الشمسية وغيرها.
ويوضّح الإنفوغرافيك الآتي -الذي أعدّته منصة الطاقة المتخصصة- الحل المقترح لالتقاط الكربون أو إعادة تدويره واستعماله في أغراض صناعية:
مصر وسوق الكربون
أكد المهندس عبدالهادي أن سوق الكربون من الأسواق المستحدثة، التي تنمو بصورة سريعة وملحوظة؛ مما جعلها محط أنظار دول كبرى أوروبية وشرق أوسطية.
وأشار إلى أن موقع مصر المتميز بين أوروبا ودول الشرق الأوسط يؤهلها إلى أن تكون سوقًا واعدة لالتقاط الكربون وتخزينه وتداوله.
بالإضافة إلى ما تملكه مصر من بنية تحتية قوية من خطوط الأنابيب ومحطات البتروكيماويات وآبار الغاز والنفط الجافة اللازمة لنقل الكربون وتخزينه على المستويَيْن المحلي والإقليمي.
ولفت إلى أن هذا التوجه يخدم التزام مصر تجاه قضية تغير المناخ، ولا سيما في ظل وجود شركاء إستراتيجيين لمصر مهتمين بالتقاط الكربون بوصفه سياسة لتقليل الانبعاثات مثل دول الاتحاد الأوروبي وبعض دول الشرق الأوسط.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق