استبعد عدد من الخبراء أن تُقدم الجزائر على إلغاء عقود النفط والغاز مع فرنسا في أعقاب الأزمة السياسية التي تفجّرت بين البلدَيْن بعد قرار باريس إبعاد عدد من الجزائريين المقيمين في البلاد.
وتأتي هذه الأزمة بعد وقت قصير من التوترات التي حدثت بين البلدَيْن على خلفية اعتراف فرنسا بأحقية المغرب في الصحراء الغربية؛ ما دفع الجزائر إلى سحب سفيرها من باريس خلال يوليو/تموز الماضي.
وأوضح الخبير الاقتصادي الجزائري الدكتور مراد كواشي، أن حدّة التوترات السياسية والاقتصادية بين الجزائر وفرنسا قد تصاعدت إلى مستويات غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، نتيجة لاستفزازات وزير الداخلية الفرنسي الذي يقود حملة عنيفة ضد الجزائر.
ولفت -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- إلى أن العلاقات الاقتصادية بين البلدَيْن كانت قد تراجعت بالفعل نتيجة لخطة الجزائر في البحث عن شركاء جدد يتعاملون معها وفقًا لمبدأ تحقيق الربح المشترك، وضمان منافع اقتصادية متبادلة.
إقامة شراكات إستراتيجية
قال كواشي إن الجزائر ربطتها علاقات اقتصادية مع باريس لعقود طويلة، إلا أنها لم تحقق منها المكاسب المرجوة؛ لذا تتجه الجزائر الآن إلى إقامة شراكات إستراتيجية مع دول أخرى.
وأضاف أن فرنسا قد تراجعت في ترتيب الدول التي تربطها شراكة مع الجزائر، لافتًا إلى أن الصين قد أصبحت أكبر مورد اقتصادي للجزائر.
يُضاف إلى ذلك العلاقات الإستراتيجية التي أصبحت تربط الجزائر مع إيطاليا، وفق كواشي الذي توقّع أن تصبح إيطاليا منصة لتصدير الغاز الجزائري.
وتابع أن الجزائر تُعد أكبر مورد للغاز إلى إيطاليا، وثاني أكبر مورد للغاز إلى إسبانيا، وثاني أكبر مورد للغاز المسال إلى تركيا واليونان.
واستطرد قائلًا: "تربطنا علاقات مميزة -كذلك- في قطاع الطاقة مع الولايات المتحدة الأميركية وقطر وتركيا، وشهدت الأعوام الـ5 الأخيرة تراجعًا في الأهمية الاقتصادية لفرنسا بالنسبة إلى الجزائر".
ولفت كواشي إلى أن الصادرات الفرنسية إلى الجزائر تقارب نحو 4.49 مليار يورو، في حين أن الجزائر تصدّر إلى فرنسا أكبر بكثير، مشيرًا إلى أن ذلك يؤكد أن الميزان التجاري يصب في صالح الجزائر.
وأشار إلى أن معظم المشروعات الاستثمارية الضخمة في الجزائر في قطاعات الطاقة والتعدين والبنية التحتية استفادت منها الصين وتركيا.
مبدأ المنافع المشتركة
أوضح الدكتور مراد كواشي أن الجزائر تحاول تحجيم علاقاتها الاقتصادية مع فرنسا؛ نظرًا إلى أن باريس دائمًا تتعامل بفوقية اقتصاديًا مع الجزائر، وليس وفقًا لمبدأ تحقيق المنافع المشتركة.
وتوقع أن تكون باريس الخاسر الأكبر اقتصاديًا نتيجة لتردي الأوضاع بين البلدَيْن، لافتًا إلى أن الجزائر قد وجدت بدائل مثل الصين والولايات المتحدة الأميركية وتركيا وقطر.
وقال إن فرنسا ما تزال تعتمد على الغاز الجزائري ذي السعر المعقول نسبيًا، مشيرًا إلى أنه لن يكون أمامها سوى الغاز الأميركي مرتفع الثمن، بالإضافة إلى بُعد المسافة لنقل الغاز بين فرنسا والموردين المتوقعين مثل الولايات المتحدة وقطر؛ لذا فالأوراق الاقتصادية التي تملكها الجزائر أقوى بكثير من التي لدى باريس.
ودعا فرنسا إلى إعادة ترتيب علاقاتها مع الجزائر، لتقوم على النديّة الاقتصادية وتحقيق المنفعة المتبادلة.
وطالب اليمين المتطرف بالتوقف عن التصريحات المسيئة للجزائر، مشيرًا إلى أن استمرار هذه الاستفزازات سيضر بالاقتصاد الفرنسي، ولا سيما أن الجزائر قد أصبحت ثاني أكبر مورد للغاز إلى أوروبا.
لماذا يُستبعد إلغاء عقود النفط والغاز؟
استبعد أستاذ الاقتصاد بجامعة سطيف1 الجزائرية الدكتور هباش فارس -في تصريحاته إلى منصة الطاقة المتخصصة- أن تُقدم الجزائر على إلغاء عقود النفط والغاز مع فرنسا، ولا سيما أن الجزائر تمد فرنسا بـ17.5% من احتياجاتها من الغاز المسال، و11.5% من وارداتها النفطية.
وأكد أن الجزائر تُعد شريكًا آمنًا وموثوقًا في ظل التزامه بجميع عقوده في قطاع الطاقة على مدار التاريخ، وبالتالي لن تجازف بخسارة مصداقيتها الكبيرة في أسواق الطاقة بإلغاء عقودها مع باريس.
وأضاف قائلًا: "هذه الخطوة غير مطروحة على الإطلاق، ولكن يمكن مراجعة العقود بعد انتهاء مدة استحقاقها بحلول عام 2030، ولن تكون مراجعة أحادية الجانب، ولكن بالاتفاق بين الطرفيْن وفق أسس ومعايير اقتصادية".
وأشار إلى أن تطورات الموقف في ظل الأزمة الدبلوماسية والسياسية بين البلدين خلال الأيام والأشهر المقبلة سيحدد مصير العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
اللجوء إلى التحكيم الدولي
قال خبير الطاقة الجزائري أحمد طرطار -في تصريحات خاصة إلى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)- إن ما تمر به العلاقات الجزائرية الفرنسية -حاليًا- من مخاض عسير جراء الاستفزازات السياسية يربك الحسابات الاقتصادية.
وتوقع أن تنتهي التوترات الحالية بين البلديْن بانتهاء فترة حكم اليمين المتطرف في فرنسا، مشيرًا إلى أن الحكومة الجديدة يمكنها إعادة ترتيب علاقاتها مع الجزائر بما تقتضيه علاقات التعاون وحسن المعاملة بين البلدين.
وأضاف طرطار: "الحديث عن إمكان وقف إمدادات النفط والغاز الجزائري باتجاه فرنسا أمر غير مطروح في الوقت الحالي"، موضحًا أن هذه الإمدادات مقترنة باتفاقيات طويلة الأجل ومنصوص عليها في اتفاقيات إيفيان.
وتابع أن الطرف الجزائري لن يستطيع الإخلال بالتزاماته؛ لأنه لن يجازف بفقد موثوقيته فيما يتعلق بعقود الطاقة.
واستطرد قائلًا إن الجزائر ستكون الخاسر الأكبر حال اللجوء إلى التحكيم الدولي بحكم تقيّدها باتفاقيات تضمن استمرار عقودها مع فرنسا.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
0 تعليق