"معرض سلا" يُنطِق اللُّقى النقدية والأثرية بإضاءة من الروايات التاريخية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

كنوز مدينة مغربية تاريخية تعاقبت عليها ممالك متعدّدة الثقافات، يكشفها معرض ينظمه متحف بنك المغرب بالرباط حول “سالا” أو “شالة” أو “سلا”، يُنطِق اللُّقى النقديّة والأثرية، ويطعّمها بنتائج أحدث البحوث الأركيولوجية المستمرة إلى اليوم بالموقع الأثري الواقع على شطّ نهر “بوركراك” (أبي رقراق)، غير بعيد عن المصبّ الذي يفصل مدينتَي سلا والرباط.

يمزج المعرض بين الروايات التاريخية والفرضيات المبنية حولها، واللّقى الأثرية وما تفصح عنه، فيقول: “يرجح أن نشأة مدينة سلا تعود إلى مركز تجاري فينيقي، ورغم احتمال استكشاف هؤلاء البحّارة للموقع، لم يُعثر بعد على أي أثر ملموس ودائم يثبت مرورهم”، ويردف: “بعيدا عن هذا الوجود الفينيقي، ستظهر سلا كمدينة حقيقية حوالي القرن الأول قبل الميلاد في قلب مملكة موريطانيا الممتدة حدودها عبر شمال غرب إفريقيا (المغرب الحالي). وفي عهد الملوك الموريين بوخوس الأول، ويوبا الثاني، وبطليموس، ستتحول سلا إلى مركز مزدهر، مستفيدة من موقعها الاستراتيجي على ضفاف نهر أبي رقراق”، وهو “الموقع المركزي الذي سيجعل منها نقطة مهمة للتجارة المتوسطية، مسهلا بذلك التبادلات التجارية مع الحضارات البعيدة”.

ويقف المعرض بتفصيل عند الوجود الروماني بسلا ابتداء من سنة 40 للميلاد، الذي كان “نقطة تحول مهمة في تاريخ المدينة؛ فبعد دمجها في الإمبراطورية الرومانية تحت اسم ‘سلا كولونيا’، تحولت المدينة الموريطانية إلى مركز حضري حيوي ومشعّ، وشيّد بها الرومان حصونا كبيرة وحمامات ومعابد ومساكن، مشكلين بذلك مشهدا حضريا ذا ثراء معماري وثقافي رائع”.

ويعتمد معرض متحف بنك المغرب “سلا: الكنوز الخفية لمدينة مغربية عتيقة” على تحف معارة من المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث والمؤسسة الوطنية للمتاحف، فيعرض قطعا نقدية دالّة مسكوكة بالمدينة أو بالمراكز التي صارت تابعة لها في وقت لاحق، كما تُمَوقع على الخريطة جزءا من شبكة من المدن التابعة للإمبراطورية الرومانية بالمغرب والشمال الإفريقي والضفة الأوروبية، ويقدّم معيشها انطلاقا من لُقى مستوردة أو محلية.

وتحضر المعتقدات المحلية المورية بالمعرض، مثل تقديس الفيل، الذي وُجد في منحوتات وقطعة نقدية، وهو حيوان سبق أن ذكرت كتابات تعرض المدينة لاجتياح قطعان منه كانت تعيش قربها.

ويُشرك المعرض الزائر في النقاش العلمي حول “سلا” المدينة الدولة، ثم المدينة التابعة للإمبراطورية الأكبر في عصرها. ويرجح أن أصول “سالا” أو “شالة” تعود إلى “مركز تجاري فينيقي”، ومن المحتمل أن تأسيس منشأتها الأولى كان “على الرأس الصخري للأوداية، نظرا لموقعه الاستراتيجي عند مدخل مصب النهر”، كما ذكر الدليل أن هذه المدينة التي شكلت مركز تبادل تجاري منفتح على العالم المتوسطي في نهاية القرن الثاني قبل الميلاد وبداية تاليهِ قد شهد “تشييد العديد من الأحياء والمباني الموريطانية، بما في ذلك الأماكن المخصصة للعبادة الملكية التي كانت مهمة بالنسبة لسكان سلا” ومع ذلك، “فإن تحديد المشهد الحضري الموري للمدينة لا يزال محدودا، نظرا لكونه مغطى إلى حد كبير بمعمار العصر الموري-الروماني”.

“سلا” التي يعود أصل تسميتها إلى الكلمة البونيقية الجديدة “شعلت” التي “استخدمها الفينيقيون للإشارة إلى الرؤوس الصخرية”، يتحدث المعرض عن لغات حديثها وكتابتها، فيقول: “كانت اللغة الليبية، سلف الأمازيغية الحالية، لغة مشتركة بين جميع الشعوب الليبية في موريطانيا وشمال إفريقيا، إلا أن الوجود الفينيقي على السواحل الموريطانية وكذا الإشعاع البونيقي أديا إلى اعتماد اللغة البونيقية، التي تعتبر لغة مشتقة من الفينيقية استخدمت بشكل رئيسي في قرطاج ومستعمراتها، وكذا في شمال أفريقيا وسردينيا وجنوب شبه الجزيرة الأيبيرية. وقد أصبحت البونيقية اللغة الرسمية في موريطانيا حيث تم استعمالها لكتابة الأسماء والألقاب الملكية على العملات النقدية، قبل أن يتم استبدالها تدريجيا باللاتينية اعتبارا من سنة 49 قبل الميلاد، تحت حكم الملكين بوكود وبوخوس الثاني”، ويذكر المعرض أنه “بعد هزيمة قرطاج سنة 146 قبل الميلاد حلت الكتابة البونيقية الجديدة تدريجيا محل البونيقية (…) واستخدمتها سلا لكتابة اسمها على سلسلاتها النقدية، وكذلك لنقش أسماء المتوفين على الجرار الخزفية المكتشفة في مقبرتها”.

وعبر المسكوكات والمنحوتات والمستوردات، يقدّم المعرض معلومات مهمة حول الحياة الدينية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية، والشبكة التجارية الواسعة التي كانت تنتمي إليها المدينة، فضلا عن طقوسها الجنائزية وأدوات الطبخ والتجمّل والحياة اليومية.

“شالة” التي عرفت إعلان أحدث اكتشافاتها الأثرية قبل سنتين، يطعّم المعرض مسار عرضه بهذا المستجدّ، موردا أن “الحفريات الأثرية الحديثة بموقع سلا واحدة من أكبر عمليات التنقيب التي تمت بالمغرب، حيث قام فريق من خبراء الآثار المغاربة، بقيادة المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث، بهذا العمل في إطار مشروع أطلقته وزارة الشباب والثقافة والتواصل في أبريل 2023، وتركز البحث بشكل رئيسي خارج السور المريني (السلالة المرينية)” للمدينة التي تعاقبت عليها التأثيرات والدول الفينيقية، والمورية، والرومانية، والمسلمة.

ويوضح المعرض، الذي يقدّم التاريخ الكرونولوجي للأبحاث الأركيولوجية، أن الحفريات قد كشفت “بقايا حمامات عمومية كبيرة يعود تاريخها إلى بداية القرن الثاني الميلاد، بالإضافة إلى تمثال بدون رأس غالبا ما يعود لإلهة يعتبر الاكتشاف الأول من نوعه في المغرب منذ الستينيات. واكتشفت منطقة جنائزية جديدة تضم قبرا (…) هو الأول من نوعه في محيط سلا (فيه تحفظ جرار رماد الموتى).”

أما أكثر ما يلفت الانتباه في التنقيبات الأثرية المستمرة؛ فاكتشاف “منطقة ميناء المدينة، وهو الاكتشاف الأول من نوعه في مدينة مورية-رومانية، خاصة وأنه يكتسي أهمية كبيرة على مستوى التاريخ المغربي والمتوسطي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق