شهدت نسبة الملء الإجمالية للسدود ارتفاعا ملحوظا لتصل اليوم الأحد إلى 37%، وهو ما يعكس تحسنا تدريجيا في المخزون المائي الوطني. وبلغت الكمية الإجمالية للمياه المخزنة بالسدود 6.230 مليار متر مكعب، وهو مؤشر إيجابي في ظل التحديات المناخية التي تواجه المملكة.
هذه الأرقام أفضل مقارنة مع اليوم نفسه من السنة الماضية، إذ لم تكن تتجاوز حينها نسبة الملء 26 بالمائة، باحتياطي لا يتعدى 4.282 مليار متر مكعب.
وسبق أن أكد وزير التجهيز والماء أن المملكة شهدت خلال الأيام الماضية تساقطات مطرية وثلجية هامة شملت العديد من المناطق، مما انعكس بشكل إيجابي على المخزون المائي في السدود وعلى الفرشة المائية، مشيرا في الوقت نفسه إلى أن “المغرب لم يخرج بعد من أزمة الجفاف الهيكلي”.
علي شرود، خبير مناخي، أوضح أن ارتفاع منسوب مياه السدود إلى نسبة تتراوح بين 36 و38 في المئة يُعتبر، رغم ما قد يبدو عليه من تواضع، إنجازا مهما للغاية من الناحية الهيدرولوجية.
وقال شرود، في تصريح لهسبريس، إن هذه النسبة بالمقارنة مع السنة الماضية، تعكس تحسنا ملحوظا، مع الأخذ في الاعتبار أن السدود تختلف من منطقة إلى أخرى؛ فبعضها يقع في مناطق قاحلة وجافة، بينما توجد أخرى في مناطق رطبة، مما يؤثر على نسب امتلائها.
تفاوت السدود
وأضاف الخبير المناخي ذاته أن بعض السدود وصلت إلى طاقتها الاستيعابية الكاملة (100 في المئة)، بينما لا يزال منسوب المياه منخفضا في سدود أخرى، خاصة تلك التي تعاني من نقص مستمر بسبب الجفاف، إذ يمكن أن ينخفض مستوى المياه فيها إلى 5 أو 6 في المئة.
وحول أسباب هذا الارتفاع في منسوب السدود، أوضح شرود أنه يعود إلى سلسلة من العوامل الجوية المتعاقبة، بدأت بالعواصف الاستوائية في أواخر شهر غشت وشهر شتنبر، التي تسببت في تدفق كميات غير معتادة من المياه نحو السدود في المناطق الجنوبية، مثل جهة درعة-تافيلالت، نتيجة اضطرابات مناخية وليست تغيرا مناخيا دائما.
كما ساهمت التساقطات المطرية الغزيرة والسيول الجارفة، إلى جانب التساقطات الثلجية، التي بدأت في شهر فبراير، في ارتفاع منسوب الأنهار والسدود، خصوصا في المناطق الوسطى والمناطق الجبلية للأطلس الكبير والمتوسط، حيث أدت هذه العوامل مجتمعة إلى تعزيز المخزون المائي للسدود، ما يجعل هذه السنة تصنف بأنها جيدة من الناحية الهيدرولوجية.
استمرار الجفاف
عبد الرحيم الكسيري، رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب، أكد أن التساقطات المطرية الأخيرة تُعدّ غاية في الأهمية، إذ إن كل قطرة ماء لها قيمة كبيرة في ظل الوضع المائي الذي يعيشه المغرب.
وأوضح الكسيري، ضمن تصريح لهسبريس، أن نسبة ملء السدود تجاوزت 30%، مما يشكل موردا حيويا سيمكن من تجاوز أزمة مياه الشرب في المدن والقرى، بالإضافة إلى توفير جزء من المياه المخصصة للفلاحة.
لكنه نبه إلى أن المغرب لا يزال يعيش تحت وطأة الجفاف، وأن هذه التساقطات لم تمكّن سوى من تعبئة الموارد المائية السطحية جزئيا، إذ تبلغ الطاقة الاستيعابية للسدود ما يقارب 20 مليار متر مكعب، في حين لم تتجاوز الكميات المخزنة حاليا خمسة إلى ستة مليارات متر مكعب، وهو ما يظل بعيدا عن المستوى المطلوب.
وأشار الكسيري إلى أن الأزمة المائية لا تزال قائمة، موضحا أن برامج مواجهة الجفاف تصطدم بندرة الموارد المائية وسوء التدبير في تعبئتها، قائلا: “حتى الآن، تقتصر جهود الدولة على السدود، بينما تظل المياه الجوفية بحاجة إلى تجديد، وهو ما يتطلب عقودا من الزمن، في وقت يستمر استنزافها بسبب انتشار الآبار غير القانونية، التي يتجاوز عددها 300 ألف بئر، 90 بالمائة منها غير قانونية”.
استراتيجيات الدولة
وأضاف رئيس جمعية مدرسي علوم الحياة والأرض بالمغرب أن جهود الدولة مستمرة من خلال بناء السدود ونقل المياه بين الأحواض، وهي حلول جزئية لا تزال بحاجة إلى تسريع وتيرة تنفيذها. كما شدد على ضرورة تعزيز مشاريع تحلية مياه البحر، مثل محطة الدار البيضاء، التي يجب أن تتقدم بوتيرة أسرع لتأمين الاحتياجات المائية.
ولفت المتحدث إلى أن عودة درجات الحرارة القياسية قد تتسبب في تبخر كميات كبيرة من المياه بسرعة، مما يزيد من تعقيد الأزمة. وأشار إلى أن غياب القدرة على التحكم في المياه الجوفية الاستراتيجية لا يزال يمثل تحديا، وهو ما يستوجب وضع ترسانة قانونية جديدة، واعتماد إجراءات تقنية متطورة، واستخدام التقنيات الحديثة لرصد ومراقبة الموارد المائية.
وأكد الكسيري أهمية تفعيل وسائل الردع القانونية لمواجهة التجاوزات، خاصة فيما يتعلق باستنزاف وتلويث المناطق الرطبة، مشددا على أن “ما ينقصنا الآن هو ترسيخ ثقافة الاقتصاد في استهلاك المياه؛ فلا تزال البرامج المخصصة لهذا الغرض محدودة ضمن جهود وزارة الفلاحة، ويجب تعميمها لتصبح إلزامية على الجميع. كما ينبغي أن يكون ترشيد استهلاك المياه هو القاعدة، والاستثناء هو العثور على من لا يعتمد الوسائل التقنية الضرورية لتحقيق ذلك”.
تدبير مستدام
وأفاد المصدر ذاته بأن استهلاك المياه في بعض القطاعات، مثل السياحة والصناعة، مرتفع جدا، داعيا إلى ترشيده عبر قوانين جديدة وحوافز مالية وآليات رقابة صارمة. كما أكد أهمية إعادة استعمال المياه العادمة بعد معالجتها، مشيرا إلى أن الهدف الحالي بإعادة استخدام 100 مليون متر مكعب بحلول 2027 يظل غير كافٍ، مقارنة بالكمية المتاحة التي تصل إلى 700 مليون متر مكعب، لكنها تعاني من مستويات تلوث مرتفعة.
وفي هذا السياق، شدد الكسيري على ضرورة إطلاق مشاريع مبتكرة في مجالات الاقتصاد المائي وإعادة استخدام المياه، مع وضع آليات تمويل لدعم المشاريع الصغرى والمتوسطة في القرى والمناطق الجبلية والواحات، وذلك بالشراكة مع الفاعلين الدوليين. كما دعا إلى تبني قانون الاقتصاد الدائري، على غرار العديد من الدول التي اعتمدته لحماية مواردها المائية، بالإضافة إلى تحسين التدبير المحلي للموارد المائية من خلال إشراك المجتمع المدني والعلمي في وضع وتنفيذ السياسات المائية.
وختم بالقول إن هذه الأمطار توفر فرصة إضافية لتعزيز الجهود الوطنية في مواجهة أزمة المياه، مما يستوجب إعادة توجيه الاستثمارات نحو مشاريع الاقتصاد المائي وإعادة استخدام المياه، خاصة في القطاع الفلاحي، حيث يمكن تحسين الكفاءة المائية كما تفعل بعض الدول التي تعيد استخدام 97% من مياهها المعالجة، بينما يقتصر استخدام المياه المعالجة في المغرب على المساحات الخضراء فقط، وهو ما يستدعي تطوير سياسات أكثر شمولية واستدامة.
0 تعليق