الاقتصاد العالمي على حافة الهاوية.. ...

بانكير 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في ظل التقلبات الاقتصادية التي تشهدها الأسواق العالمية، يبقى السؤال المحوري الذي يشغل بال المحللين والخبراء، ماذا سيحدث للاقتصاد العالمي إذا دخلت الولايات المتحدة، أكبر اقتصاد في العالم، في دوامة الركود؟ الولايات المتحدة ليست مجرد لاعب اقتصادي، بل هي محرك رئيسي يؤثر على التجارة العالمية، أسعار السلع، واستقرار العملات.

ومع تصاعد المخاوف من تباطؤ النمو في الولايات المتحدة، يتوقع الخبراء تداعيات قد تمتد لتشمل كل ركن من أركان الاقتصاد العالمي.

وفي هذا التقرير، من بانكير، نستعرض وضع الاقتصاد العالمي في ظل قرب الولايات المتحدة من دخول مرحلة ركود اقتصادي.

الولايات المتحدة محرك الاقتصاد العالمي

وتشكل الولايات المتحدة حوالي 24% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وفقًا لتقديرات صندوق النقد الدولي لعام 2023، حيث أن إنفاق المستهلك الأمريكي، الذي يمثل نحو 68% من اقتصادها، يعد القوة الدافعة وراء النمو الداخلي، لكنه أيضًا يؤثر بشكل مباشر على الطلب العالمي على السلع والخدمات.

وعندما يتباطأ هذا الإنفاق، كما حدث خلال الجائحة في 2020، تنخفض الواردات الأمريكية، مما يضر بالدول المصدرة مثل الصين وألمانيا واليابان.

وعلى سبيل المثال، انخفضت الواردات الأمريكية بنسبة 10% في الربع الثاني من 2020، مما أدى إلى تراجع الصادرات الصينية بنسبة ملحوظة.

إضافة إلى ذلك، يلعب الدولار الأمريكي دورًا محوريًا كعملة احتياط عالمية، حيث أن أكثر من 60% من احتياطيات النقد الأجنبي في العالم مقومة بالدولار، وفقًا لبيانات البنك الدولي، وإذا ضرب الركود الولايات المتحدة، قد يرتفع الطلب على الدولار كملاذ آمن، مما يزيد من قوته ويضعف العملات الأخرى مثل اليورو والين الياباني، وهو ما يرفع تكلفة الواردات في الدول الأخرى، خاصة تلك التي تعتمد على استيراد الغذاء والوقود.

التأثير على التجارة العالمية

والركود في الولايات المتحدة سيؤدي حتماً إلى انخفاض الطلب على السلع المستوردة، والدول الآسيوية، مثل كوريا الجنوبية وتايوان، التي تعتمد على تصدير التكنولوجيا والإلكترونيات إلى السوق الأمريكية، ستشهد تراجعًا في إيراداتها.

وفي الوقت نفسه، قد تنخفض أسعار السلع الأساسية مثل النفط والمعادن بسبب تراجع الطلب الصناعي الأمريكي.

وخلال الركود العالمي لعام 2008، انخفضت أسعار النفط من 147 دولارًا للبرميل إلى أقل من 40 دولارًا في غضون أشهر، وهو سيناريو قد يتكرر إذا تفاقم الوضع.

الدول النفطية، مثل السعودية وروسيا، ستتأثر بشكل كبير إذا انخفض الطلب الأمريكي على الطاقة. 
وتقرير لمنظمة أوبك أشار إلى أن الولايات المتحدة تستحوذ على حوالي 20% من استهلاك النفط العالمي، وانخفاض هذا الطلب سيضغط على أسعار النفط، مما يهدد استقرار الاقتصادات الخليجية التي تعتمد على عائدات التصدير لتمويل ميزانياتها.

656.jpg
الركود في الولايات المتحدة

أوروبا على حافة الهاوية

أما أوروبا، التي تعاني بالفعل من تباطؤ اقتصادي بسبب ارتفاع أسعار الطاقة وتداعيات الحرب في أوكرانيا، قد تجد نفسها في موقف أكثر هشاشة.

وألمانيا أكبر اقتصاد أوروبي، تعتمد بشكل كبير على تصدير السيارات والآلات إلى الولايات المتحدة، وإذا انخفض الطلب الأمريكي، قد يدخل الاقتصاد الألماني في ركود أعمق، مما يؤثر سلبًا على منطقة اليورو بأكملها.

وتقرير حديث من المعهد الألماني للبحوث الاقتصادية أشار إلى أن انخفاض الصادرات بنسبة 5% قد يكلف ألمانيا مئات الآلاف من الوظائف.

الاقتصادات الناشئة في مرمى النيران

والاقتصادات الناشئة، مثل الهند والبرازيل، لن تسلم من التداعيات، حيث أن هذه الدول تعتمد على تدفقات رأس المال الأجنبي، وخاصة من الولايات المتحدة، وإذا أدى الركود إلى انخفاض الاستثمارات الأمريكية، فقد تواجه هذه الأسواق أزمات سيولة.

كما أن ارتفاع قيمة الدولار سيجبر الدول ذات الديون المقومة بالدولار، مثل الأرجنتين وتركيا، على دفع تكاليف أعلى لتسديد ديونها، مما قد يؤدي إلى أزمات مالية محلية.

كيف سيؤثر الركود الأمريكي على مصر؟

وستكون مصر من بين الدول التي تواجه تحديات كبيرة إذا ضرب الركود الولايات المتحدة، حيث تعتمد تدفقات العملة النقدية في مصر بشكل كبير على التحويلات المالية من المغتربين، حيث تستقبل حوالي 30 مليار دولار سنويًا، وفقًا لبيانات البنك المركزي المصري.

وانخفاض الدخل في أمريكا وتأثيره على دول الخليج التي تضم أعدادًا كبيرة من المصريين في الخارج قد يقلص هذه التحويلات، مما يضغط على احتياطي النقد الأجنبي المصري.

كما أن مصر، تستورد نحو 60% من احتياجاتها الغذائية مثل القمح، وقد تعاني من ارتفاع تكاليف الاستيراد إذا قويت قيمة الدولار مقابل الجنيه المصري، مما يفاقم أزمة التضخم التي تعاني منها البلاد بالفعل.

وعلى صعيد السياحة، وهي مصدر دخل رئيسي، قد يؤدي حدوث ركود عالمي إلى انخفاض عدد الزوار، مما يهدد قطاعًا يشكل نحو 12% من الناتج المحلي الإجمالي.

هل هناك أمل في تجنب الكارثة؟

ورغم هذه الصورة القاتمة، يرى بعض الخبراء أن الركود الأمريكي قد لا يعني بالضرورة كارثة عالمية، حيث أن الاقتصاد العالمي أصبح أكثر مرونة منذ أزمة 2008، بفضل الإصلاحات المالية وزيادة التنوع في مصادر النمو.

والصين على سبيل المثال، قد تلعب دورًا في تعويض الطلب المفقود من الولايات المتحدة إذا نجحت في تعزيز استهلاكها الداخلي، كما أن البنوك المركزية، بما في ذلك الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، قد تتدخل بخفض أسعار الفائدة لتحفيز النمو إذا تفاقمت الأوضاع.

ولكن التحدي الأكبر يكمن في التوقيت، وإذا تأخرت السياسات النقدية أو فشلت الحكومات في التنسيق، فقد يتحول الركود الأمريكي إلى أزمة عالمية طويلة الأمد.

كما أن العوامل الجيوسياسية، مثل التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، قد تزيد من تعقيد

عالم على المحك

ويعتمد مصير الاقتصاد العالمي على مدى قدرة الولايات المتحدة على احتواء الركود ومدى استعداد الدول الأخرى للتكيف مع هذا الواقع، في حين أن التاريخ يعلمنا أن الركود الأمريكي ليس مجرد حدث محلي، ففي عام 2008، تحولت أزمة الرهن العقاري إلى انهيار عالمي.

واليوم مع تزايد الترابط الاقتصادي، قد تكون التداعيات أكثر شمولية، والعالم يترقب، والساعة تدق، فهل سينجح المجتمع الدولي في تفادي السيناريو الأسوأ، أم أننا على أعتاب مرحلة جديدة من عدم الاستقرار الاقتصادي؟.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق