كتّاب مسجد "القسم" بالداخلة .. صرح قرآني ومشتل للتربية

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

ظلت الكتاتيب القرآنية المعروفة أيضا بـ”المسيد”، والمنتشرة في كل ربوع المملكة، محافظة على الطريقة التقليدية ذاتها التي دأب عليها المغاربة في تحفيظ أبنائهم القرآن الكريم وتلقينهم علومه، ومدينة الداخلة، على غرار باقي الحواضر والقرى، تعج بهذه المنارات القرآنية التي تصون طرقا تقليدية وتراثا تعليميا تتوارثه الأجيال وتشد عليه بالنواجذ حتى في زمن التكنولوجيا الحديثة.

ألواح خشبية، وأقلام قصبية، وحبر “الصمغ” و”صلصال”، كل ذلك يتراءى أمامك ما إن تدلف إلى “كتاب مسجد القسم”، حيث يجلس التلاميذ من مختلف الأعمار داخل فضاء فسيح توفرت فيه كل الشروط الضرورية من أجل إنجاح العملية التعليمية والتربوية القرآنية.

كل واحد من هؤلاء الأطفال يحمل بين يديه لوحا خطت عليه آيات من سور الذكر الحكيم، ينغمس جهرا في ترديدها وإعادة الكرة مرات ومرات، حتى يبلغ درجة الحفظ؛ حينها ينادي عليه المدرر للاستظهار؛ هي لحظة لها هيبتها أمام “فقيه” لا يغفل عن أي خطأ مهما كان صغيرا ويحرص على أن يعيد المتعلم التلاوة حتى يكون الاستظهار سليما ومراعيا لكافة القواعد، وذلك على الوجه الأكمل.

هذه الطريقة المتأصلة في الحفظ نجدها في العديد من الكتاتيب القرآنية التي عرفت كيف تصمد في وجه التكنولوجيات المتطورة بهواتفها الذكية ولوحاتها الإلكترونية، وتتمسك بها حتى لا تندثر ويطويها النسيان.

وفي السياق يقول مندوب وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بجهة الداخلة – وادي الذهب، عبد القادر العليوي، في تصريح صحافي، إن الكتاتيب القرآنية تضطلع بأدوار غاية في الأهمية بمختلف جهات المملكة، ولاسيما دورها في ترسيخ القيم الأخلاقية لدى الناشئة، مشيرا إلى أن هذه الكتاتيب التي قد يتواجد البعض منها بالمساجد أو خارجها مؤطرة من الناحية القانونية بأذونات من قبل الوزارة الوصية، ويتعين أن تتوفر على فضاءات ملائمة لتيسير مهمة المدررين وتخريج أفواج من حفظة كتاب الله.

وأضاف العليوي أن الكتاتيب تعتبر أيضا مشتلا تربويا مهما ورافدا يعول عليه في التعليم العتيق بالمملكة، مسجلا في السياق ذاته أن الأسر المغربية تحرص على تشجيع أبنائها على الانتساب إلى هذه الكتاتيب القرآنية، كما أن المجالس العلمية المحلية والمندوبية الجهوية لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، التي تسهر على تنظيم مسابقات قرآنية خاصة خلال شهر رمضان الفضيل، تعمل على القيام بزيارات دورية لهذه الكتاتيب في إطار مراقبة احترامها القانون الداخلي المنظم لها.

من جهته أكد رشيد لحرش، وهو مدرر بـ”كتاب القسم”، أن هذا الأخير، وعلى غرار العديد من الكتاتيب، مازال يعتمد الطريقة المغربية الأصيلة في تحفيظ القرآن الكريم وتلقين قواعد التجويد، لافتا إلى وجود إقبال كبير، في شهر رمضان كما في سائر أيام السنة، من قبل الآباء وأولياء أمور التلاميذ الذين يحرصون على تسجيل أبنائهم في حصص تتم برمجتها أيام الأربعاء والسبت والأحد، وذلك بمراعاة الجدول الزمني للتلاميذ المتمدرسين بمختلف المؤسسات التعليمية بالمدينة، وأضاف أن المغاربة جبلوا على الاهتمام بالقرآن الكريم والحرص على تعليمه لأبنائهم، ولاسيما بالأقاليم الجنوبية للمملكة، حيث تنتشر الكتاتيب والزوايا والمدارس القرآنية.

وتابع المتحدث بأن عملية تحفيظ القرآن الكريم تحتاج إلى مجهود وصبر وإخلاص، كما يعتبر التحفيظ رافدا من روافد العلم والمعرفة التي أسهمت في حماية المجتمع قديما وحديثا، وهو نوع من التعليم المحصن للسان من حيث الأداء اللغوي، والفكر من حيث سلامة العقيدة، والروح من حيث البناء السليم، وشدد على أن المدرر بـ”كتاب القسم”، وهو واحد من بين 16 كتابا منتشرة بالإقليم، يحرص على تحفيظ كتاب الله للناشئة حسب رواية ورش عن نافع، كما يعمل على تربية التلاميذ على التخلق بخلق القرآن، بالإضافة إلى تعليمهم قواعد التلاوة الصحيحة وتدريبهم على الانضباط والانسجام في الجماعة ورفع روح المسؤولية لديهم.

وأردف لحرش بأنه برحاب هذه المنارة القرآنية يتم أيضا تحفيظ التلاميذ بعض المتون العلمية، من قبيل متن ابن عاشر ومتن أسماء الله الحسنى ومتن الأربعين النووية ومتن تحفة الأطفال، مع شرحها شرحا مبسطا في اللغة والفقه والسيرة النبوية ومصطلح الحديث وعلم التجويد.

وتظل الكتاتيب القرآنية بجهة الداخلة وادي الذهب، وغيرها من مناطق المغرب، صروحا تعليمية وتربوية راسخة، تساهم في بناء أجيال متشبعة بالقيم الدينية والأخلاقية، وقادرة على مواجهة التحديات الراهنة بروح متوازنة تجمع في توليفة بين الأصيل والمعاصر.

أخبار ذات صلة

0 تعليق