مارجو حداد تكتب: لماذا لم تعد مسلسلات رمضان تشبهنا؟

الرئيس نيوز 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

لم يكن رمضان مجرد شهر للصيام، بل كان طقسًا دراميًا بامتياز، كان الناس ينتظرون المسلسلات كما ينتظرون موائد الإفطار، يجتمعون حول الشاشة كما يجتمعون حول الطعام، يختلفون حول الأحداث كما يختلفون حول أطباقهم المفضلة.

كانت الدراما حدثًا اجتماعيًا، حديث البيوت والمقاهي، جزءًا من الذاكرة الجماعية. لكن شيئًا ما تغيّر.

اليوم، لم تعد المسلسلات كما كانت. لم يعد الشارع العربي يتوقف عند مشهد مؤثر، ولم تعد الشخصيات تخرج من الشاشة لتعيش بين الناس. 

هناك فجوة، شيء مفقود، كأن الدراما تحوّلت إلى عالم آخر لا يشبهنا. الأغنياء في المسلسلات ليسوا مثل الأغنياء الذين نراهم، والفقراء ليسوا مثل الفقراء الذين نعرفهم.

رجل الأعمال لا يدخل مكتبه بهدوء، بل يدخل كإله تُرفع له الأيدي، الموظفون يقفون له كأنهم في طقس عبادة، مكتبه أشبه بقصر فرنسي، منزله متحف للترف، زوجته تعيش في كوكب موازٍ حيث كل شيء مطلي بالذهب.

أما الفقراء، فليسوا مثل من نراهم في الأسواق والأحياء البسيطة، ليسوا مثل العم محمود الذي يعمل في المخبز لكنه يضحك أكثر مما يحزن، أو مثل أم أحمد التي تكافح بإصرار دون أن تغرق في البؤس. 

الفقر في المسلسلات كارثة لا تُحتمل، بيت ينهار، ملابس مهترئة، وجوه كأنها لم تعرف الفرح يومًا، لا منطقة وسطى، لا تفاصيل رمادية، فقط فوارق صارخة كأن المجتمع لم يعد يعرف سوى الأسود أو الأبيض.

ثم تأتي الوجوه، تلك الوجوه التي لا تتغير. البطلة تستيقظ من النوم كأنها خرجت من إعلان تجميلي، لا أثر للنعاس، لا انتفاخ تحت العين، لا بقايا أحلام مرهقة. خدود منحوتة، شفاه ممتلئة، رموش كثيفة كأنها امتداد لظل داكن يرفض أن يتزحزح حتى في مشاهد البكاء، تبكي البطلة، تسقط الدموع، لكن المكياج يبقى كما هو، كأن الحزن في هذا العالم يجب أن يكون جميلًا، أنيقًا، قابلًا للتصوير.

هناك ممثلات ما زلن يحترمن المشاهد ومنهم حنان مطاوع وياسمين عبد العزيز 

لكن رغم هذا التوجه، هناك ممثلات ما زلن يحترمن المشاهد، يقدّمن شخصيات تشبه الواقع دون تجميل مبالغ فيه أو تصنّع. 

حنان مطاوع تستطيع أن تظهر مرهقة، عفوية، حقيقية. ياسمين عبد العزيز تقدم شخصيات قريبة من الناس بملامح طبيعية، دون أن تحوّل الشاشة إلى استعراض تجميلي.

في الماضي، كنا ننتظر هذه المسلسلات بشغف، نعيش تفاصيلها، نتفاعل معها، نرى فيها جزءًا من أنفسنا. 

أما اليوم، فقد أصبحنا نهرب. لم يعد رمضان هو الموسم الوحيد، ولم تعد الدراما العربية خيارًا وحيدًا، المنصات غيّرت كل شيء: Netflix، Amazon Prime، Shahid، Disney+، Apple TV، خيارات لا تنتهي، عالم آخر أقل تصنعًا، أكثر واقعية، حتى لو لم يكن واقعنا.

لماذا نهرب؟ لأن الحقيقة أصعب من الواقع، والدراما لم تعد تنقل الحقيقة. الحقيقة لا تحتاج إلى خدود منحوتة، ولا إلى قصور مبالغ فيها، ولا إلى فقر شديد الحزن.

الحقيقة تعني أن الشخصيات تشبهنا، أن البطل ينهار أحيانًا، أن البطلة قد تصحو بوجه مرهق، أن المدير قد يكون عاديًا، أن الفقير قد يبتسم رغم ضيق الحال.

لكن الحقيقة غائبة، والمسلسلات تصرّ على صناعة عالم لا يعيش فيه أحد، فماذا نفعل؟ نهرب، كما يهرب الجميع حين يفقد شيئًا كان يحبه. نهرب إلى قصص أخرى، شخصيات تشبهنا أكثر، مشاعر لا تحتاج إلى مكياج، حكايات لا تبحث عن الكمال. 

نبحث عن دراما فيها إنسانية أكثر من الجمال، فيها ألم أكثر من البكاء المنمق، فيها شخصيات حقيقية لا تشبه الفلاتر.

ربما يومًا ما تعود المسلسلات العربية لتكون مرآة لحياتنا، ربما نراها تتخلى عن التصنع، عن المبالغة، عن كل هذه الوجوه المتشابهة التي لا تحمل أثر الحياة. 

ربما يأتي يوم نعود فيه إلى رمضان كما كنا، ننتظر مسلسلاته لا لننتقدها، بل لنعيشها. لكن حتى ذلك اليوم، سيظل الهروب هو الحل.

د. مارجو حداد 
دكتورة في صناعة الأفلام – الجامعة الأمريكية

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق