في تطور جديد أثار ضجة في الأوساط السياسية الأمريكية، أعلن الرئيس دونالد ترامب موقفًا حاسمًا بشأن تسريب خطط عسكرية حساسة عبر تطبيق المراسلة المشفر "سيجنال"، مؤكدًا أنه لن يطرد أي من أعضاء فريقه بسبب هذا الحادث المحرج.
ووفقًا لتقرير نشرته وكالة "أسوشيتد برس"، جاء هذا التصريح خلال مقابلة أجرتها شبكة "NBC" مع ترامب أمس السبت 29 مارس 2025، حيث تطرق إلى الحادثة التي كشفت عن مناقشات داخلية حول خطة لشن هجوم جوي على جماعة الحوثيين في اليمن، بعد أن أُضيف الصحفي جيفري جولدبرج، رئيس تحرير مجلة "ذي أتلانتيك"، عن طريق الخطأ إلى مجموعة الدردشة.
يعكس هذا الموقف استراتيجية ترامب في حماية فريق الأمن القومي الخاص به، رغم الانتقادات اللاذعة التي واجهته من المعارضة والخبراء.
بدأت القصة عندما أدرج مستشار الأمن القومي مايك والتز، دون قصد، جولدبرج في مجموعة "سيجنال" التي كانت تضم مسؤولين كبار مثل وزير الدفاع بيت هيجسيث، حيث كانوا يناقشون تفاصيل دقيقة لعملية عسكرية محتملة. وفقًا لما نشرته "ذي أتلانتيك"، تضمنت الرسائل خطة زمنية للهجوم، مواقع الإطلاق المحتملة من قواعد في البحر الأحمر، وأنواع القنابل الموجهة التي ستُستخدم، مثل قنابل "JDAM" ذات الدقة العالية.
تسريب هذه المعلومات أثار صدمة واسعة، خاصة أن الحوثيون، المدعومون من إيران، يشكلون تهديدًا مستمرًا للملاحة في مضيق باب المندب، وهو ما يجعل أي خطأ في السرية كارثيًا. لكن ترامب، في رده، قلل من شأن الحادث، قائلًا: "هذا مجرد خطأ تقني، ولن أطرد أشخاصًا موهوبين بسبب مطاردات الساحرات الإعلامية".
تطبيق "سيجنال"، الذي أصبح مفضلًا لدى المسؤولين الحكوميين بفضل تشفيره القوي الذي يضمن خصوصية الرسائل، ليس مصممًا أصلًا لنقل معلومات سرية من الدرجة العليا، مما دفع الخبراء إلى التساؤل عن سبب استخدامه في مثل هذه المناقشات. الحادث كشف عن فجوة في بروتوكولات الأمن الداخلي للإدارة، حيث كان من المفترض أن تُجرى مثل هذه المحادثات عبر قنوات رسمية محمية مثل نظام "JWICS" المخصص للمعلومات السرية. منتقدو ترامب، بما في ذلك السيناتور الديمقراطي مارك وارنر، رئيس لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ، وصفوا الحادث بأنه "انتهاك غير مسبوق"، محذرين من أن تسريبًا كهذا قد يُستغل من قبل خصوم مثل إيران لإحباط العملية أو تعريض القوات الأمريكية للخطر.
سياسيًا، يبدو أن ترامب يسعى لتجنب تكرار الفوضى التي شهدتها فترته الأولى، حيث أقال مسؤولين بارزين مثل وزير الخارجية ريكس تيلرسون ومستشار الأمن القومي جون بولتون بسبب خلافات أو فضائح. في المقابلة، أعرب عن ثقته الكاملة بفريقه الحالي، مشيرًا إلى أن مايك والتز "رجل ذكي جدًا وقد تعلم من هذا الخطأ"، بينما وصف هيجسيث بأنه "قائد عسكري من الطراز الأول". كما ألمح إلى أن الإدارة قد تعيد تقييم استخدام "سيجنال"، لكنه رفض فكرة فرض عقوبات داخلية، قائلًا: "نحن نحارب أعداء حقيقيين، وليس بعضنا البعض". هذا الدعم حظي بتأييد من شخصيات جمهورية بارزة مثل السيناتور ليندسي جراهام، الذي دعا إلى "التحرك للأمام" بدلًا من "التوقف عند كل هفوة".
الجدل أثار انقسامًا حادًا في واشنطن، حيث رأى البعض أن موقف ترامب يعكس قوة في القيادة، بينما اعتبره آخرون دليلًا على تساهل خطير مع الأخطاء الأمنية. خبراء التكنولوجيا، مثل البروفيسورة إيمي زيجموند من جامعة جورج تاون، حذروا من أن تطبيقات مثل "سيجنال"، رغم أمانها، قد تكون عرضة للاختراق إذا استُخدمت على أجهزة شخصية غير مؤمنة بشكل كافٍ، مشيرين إلى أن إيران وحلفاءها يمتلكون قدرات سيبرانية متطورة. في الوقت نفسه، استغل الديمقراطيون الحادث لتصعيد هجماتهم على الإدارة، مطالبين بتحقيق في الكونجرس لتقييم المخاطر الأمنية المحتملة، خاصة في ظل التوترات المتصاعدة في الشرق الأوسط.
في الختام، يُظهر موقف ترامب من أزمة تسريبات "سيجنال" نهجًا يمزج بين الثقة بفريقه والتحدي لمنتقديه، وهو ما قد يعزز ولاء فريق الأمن القومي الخاص به، لكنه يترك الباب مفتوحًا لتساؤلات حول جدية الإدارة في حماية المعلومات الحساسة. بينما يراه أنصاره دفاعًا عن الاستقرار، يعتبره خصومه دليلًا على الفوضى التي تتسم بها قيادته. مع استمرار التحقيقات والنقاشات، تبقى هذه الحادثة نقطة اختبار لقدرة إدارة ترامب على التوفيق بين التكنولوجيا الحديثة ومتطلبات الأمن القومي في عالم معقد ومتصل.
0 تعليق