في مشهد يعكس تباينًا عميقًا في فلسفة القيادة بين واشنطن وبكين، كشف تراجع الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب عن بعض الرسوم الجمركية عن أحد أبرز نقاط ضعفه: هشاشته أمام ضغوط الأسواق وول ستريت.
ففي وقت لم يتوانَ فيه عن اتخاذ قرارات جمركية صارمة أدت إلى اهتزاز الأسواق العالمية وخسائر فادحة بالبورصات، عاد ترامب خطوة إلى الوراء، مجمدًا تطبيق رسوم على عدد من الدول لمدة 90 يومًا. خطوة رآها مراقبون ليست فقط تهدئة للمستثمرين، بل أيضًا هدية استراتيجية لمنافسه الصيني الأبرز شي جين بينغ في واحدة من أشد المواجهات الاقتصادية بين القوتين العالميتين.
شي جين بينغ.. زعيم يستند إلى تاريخ من التحمل والصبر
في مقابل ترامب، يقف شي جين بينغ، الرجل الذي لم يعرف السياسة من نوافذ الأبراج المالية، بل من الحقول الطينية في القرى النائية. نشأ شي وسط أجواء مضطربة، حين تم إقصاء والده من الحزب الشيوعي، وقضى سنوات مراهقته يعمل في الزراعة خلال الثورة الثقافية. وهو ما يجعله، بحسب تصريحاته، يرى في "السنوات السبع القاسية" تجربة شكلت صلابته السياسية والنفسية.
اليوم، يطلب شي من شعبه التحلي بنفس القدرة على التحمل. فحتى مع تزايد بطالة الشباب وتباطؤ النمو، يرفض تقديم دعم نقدي مباشر، ويتمسك بمبدأ "الصبر على المشقة" باعتباره أحد مفاتيح تجاوز الأزمات.
شعب يتبنى خطابًا صلبًا ويستحضر التاريخ
الشارع الصيني يشارك شي هذه الفلسفة. فوسط أجواء الحرب التجارية، تنتشر على مواقع التواصل الصيني عبارات مستوحاة من حقبة ماو تسي تونغ، تدعو للمقاومة والتحدي. وتعود للواجهة مقولات من الحرب الكورية: "إذا أرادوا القتال، فسنقاتل. وسننتصر".
ويتداول مستخدمون صينيون تجارب الماضي كدليل على القدرة على الصمود، حتى في أسوأ الأوضاع. أحدهم كتب على منصة "ويبو": "الخضوع للهيمنة لم يكن خياراً للصين. إذا طردنا الأمريكيين في الحرب الكورية، فلن نخشى عصا الرسوم. يجب أن نرد بقبضة من حديد".
ضغوط الداخل الأمريكي تضعف قبضة ترامب
وعلى الجانب الآخر، يبدو أن ترامب لم يتمكن من الصمود بنفس الدرجة. فبمجرد أن هوت مؤشرات الأسهم، ارتفعت أصوات معارضة داخل أوساط المال والأعمال، حتى من داعميه مثل إيلون ماسك ومدير صناديق التحوط بيل أَكمان. هذه الضغوط دفعت ترامب لإعادة النظر في سياساته - ما أظهر أن "سيد الصفقات" لا يستطيع المجازفة بسخط الأسواق، مهما كان خطابه السياسي صلبًا.
نقطة تحول؟
تأتي هذه التطورات في لحظة حساسة، إذ تكافح الصين لتجاوز تبعات جائحة كورونا، وسط أزمة عقارية متفاقمة وتراجع في الصادرات. ورغم أن شي بدأ يلين بعض مواقفه تجاه الاقتصاد الداخلي، فإن الحرب التجارية الجديدة قد تعرقل محاولات التعافي.
ومع إدراك الحزب الشيوعي لخطورة أي انهيار اقتصادي على شرعيته، تبقى الأيام المقبلة حاسمة في اختبار قدرة بكين على الصمود، وقدرة ترامب - أو من يخلفه - على تحمل تبعات المواجهة.
للمزيد تابع
خليجيون نيوز على: فيسبوك | إكس | يوتيوب | إنستغرام | تيك توك
0 تعليق