ماذا لو توقف الإنترنيت أسبوعا؟

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

حادثة بسيطة عرفتها محكمة الاستئناف بفاس، تمثلت في أشغال قطعت الإنترنت، لكنها خلقت فوضى واضطرابًا غير مسبوقٍ ولو لمدة محددة؛ علماً أن وزارة العدل لم تنخرط بعدُ بشكل واسع في الرقمنة الشاملة، ولا تزال المرجعية الورقية هي الغالبة على خدماتها وأرشيفها. وقد استبشر المرتفقون ببعض التسهيلات الرقمية، مثل السجل العدلي الذي لا يحتاج اليوم إلى التنقل بين المدن.

وفي المغرب، لا يزال هناك تفاوتٌ في الخدمات الإلكترونية بين الوزارات والمؤسسات العمومية وشبه العمومية: بعضها حلق بعيدًا، والبعض الآخر لا يزال محافظًا على المرجعية الورقية. وأحيانًا نجد تفاوتًا في هذه الخدمات في مؤسسة واحدة، بل وفي المدينة الواحدة، مثل الحصول على نسخة من عقد الازدياد رقميًا أو ورقياً.

من هنا، لا ننكر الدور الكبير للإنترنت في تسهيل المعاملات الإدارية والمالية وغيرها؛ حتى أصبح بإمكان المواطن البيع والشراء، والحصول على الوثائق، وهو لا يغادر بيته باستخدام الحاسوب أو الهاتف الذكي. لذلك، فإن تحولًا واسعًا غيّر علاقة المواطن بأغلب المؤسسات – العمومية أو الخاصة – مما جعل بعضها يتقلص بسبب عدم حاجة المواطن لخدماته على الأرض. الكثير من الأبناك، مثلاً، أقفلت ملحقاتِها، ووكالات الاتصال قلصت من عددها واستبدلت ذلك بالخدمات الإلكترونية. حتى بيع وشراء السيارات يمكن أن يتم عبر هذه الوسيلة، مع استبعاد دور السمسار أكثر فأكثر، وكذا في المعاملات العقارية وغيرها.

لكن الاطمئنان الأعمى للإنترنت هو الذي يجب تجنبه، والبقاء على مسافة من الحذر أمام هذه التحولات التي لا نستطيع توقع زلزالها إذا اقترب، أو مراوغته إذا حدث. لذلك، فالحفاظ على المرجعية الورقية في كل المعاملات إجراء احترازي يجنب الكوارث التي قد تخلف خسائر مادية جسيمة، وأعطابًا نفسية لا علاج لها. علماً أن بلادنا لم تنخرط في هوس الإنترنت بشكل أعمى كما في الدول المتقدمة.

في الغرب، تفتخر بعض الأمم بكونها أكثر رقمنة من أخرى؛ أي أنها نبذت الوسائل التقليدية للتواصل والإدارة والصناعة والبناء، وغير ذلك من مظاهر الحياة العصرية، وانخرطت في آلية حديثة تتسم بالسرعة والدقة وتيسير الحياة على الناس – حتى ظهرت وسائل نقل أوتوماتيكية: ميترو أو تاكسي دون سائق مثلاً.

مرةً، قادتني الظروف إلى محطة القطار بمدينة بوردو بفرنسا، وحين بحثت عن شبابيك التذاكر لم أجدها؛ هناك توجد خدمات إلكترونية فقط، وأكثر الناس تشتري تذاكرها عبر الهواتف الذكية. ولم تنفعني بطاقتي الإلكترونية التي لم تكن صالحة للخارج، فاهتديت إلى مساعدة مسنٍ مثلي، دفعت له ثمن التذكرة فشغّل بطاقته وأنقذني من ضياع السفر. والأمر نفسه يحدث لأصحاب الأوراق النقدية في المطارات والطرق السيارة ووسائل النقل العمومية.

قلت لنفسي: ماذا يمكن أن يقع لهؤلاء «المتحضرين» لو توقف الإنترنت يومًا واحدًا؟ مصيبة كبيرة بخسائر مادية ونفسية لا يمكن تصورها؛ فقد تخسر بعض الشركات ملايين أو مليارات الدولارات يوميًا، وتصاب الاقتصادات بشلل طويل الأمد لما بعد يوم القيامة هذا!

ماذا يحدث لنا في مغربنا العزيز لو توقف الإنترنت أسبوعًا كاملاً؟ — لم أتكلم عن يوم واحد لأن أثره لن يكون مضرًا باقتصادنا سوى جزئيًا. أما السكتة المعلوماتية لأسبوع واحد، فذلك ما نتمنى أن يجنبنا الله حدوثه. وقد تذكرون يومًا ذهبتم فيه إلى بنككم – حيث حسابكم – فتقول لكم المسؤولة أو المسؤول عن شباك الأداء:

  • «تسنى شوية، ما كايناش لاكونيكسين!»

وتجد نفسك وسط خلقٍ واسعٍ من المتذمرين، لم تنفعهم لا حوقلةٌ ولا استغفارٌ ولا مُعوّذتانِ ولا احتجاج. تخيل أن هذا سيقع مدة طويلة، تتعطل فيها مصالح المواطنين: من بيع وشراء، وسفر وترحال، وتواصل، وما لا يعد من مظاهر الحياة اليومية. كأن تحتاج إلى استخراج وثيقة إدارية، أو تكوين ملف صحي (موافقة الكنوبس أو الضمان الاجتماعي على تحمل مصاريف عملية جراحية مستعجلة)، أو ما شابه ذلك.

الطمأنينة المطلقة للإنترنت تخلٍّ بليد عن كل حماية ذاتية من الأقدار المفاجئة التي ليس لها حل آني، سوى الصبر على المصائب بطيئة الزوال. لذلك، يجب المحافظة على المرجعية الورقية لكل الوثائق الإدارية في جميع المؤسسات العمومية وشبه العمومية؛ حتى يمكننا الرجوع إلى زمن «المحراث الخشبي» ولو لمدة أسبوع، في انتظار العودة إلى الجنون الرقمي!

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق