
عودةٌ لجوانبَ من “الماضي الموحش”، وارتداد عن “يوتوبيا” القرن العشرين التي كانت تتطلّع إلى عالَم فاضل مستقبلي، ترصدها أحدث تدخّلات المؤرخ المغربي البارز عبد الأحد السبتي الذي يقدّر أن “حرب غزة وبداية ولاية الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، يمثلان حدثين مؤشرين ومتراكبين، ويذكّران بوقائع الماضي، ويؤشران إلى تحولات المستقبل القريب”.
جاء هذا خلال كلمة عضو أكاديمية المملكة عبد الأحد السبتي ضمن فعاليات الدورة الخمسين للأكاديمية المنظمة في موضوع “الإيقاع المتسارع للتاريخ” أيام 22، 23، 24 أبريل الجاري، بمقرها بالعاصمة الرباط، حيث قال إن “المفارقة تكمن في أن الحرب التي تلت عملية ‘طوفان الأقصى’ اتخذت صفة عنف هستيري يرافقه أسلوب الانتشاء الذي يعود إلى الدعم اللامشروط الذي تقدمه الولايات المتحدة، وعدد من القوى الغربية، وكأننا أمام واقع يتجاوز حدود الممكن، أو واقع أقوى من التخييل. ويحضر هنا مفهوم (الديستوبيا)”، بمعنى المدينة الفاسدة، ضدّ المدينة الفاضلة.
وفي كلمة السبتي حول تجليات وتفاعلات “تسارع وتيرة التاريخ”، ذكر المؤرخ المهتمّ بتاريخ الزمن الراهن، وأحد الأكاديميين الذين أرسوا البحث فيه بالجامعة المغربية، أن ما يحدث الآن “حرب إبادة جماعية مُعلنة، نظرا لتسارع إيقاع الإعلام المتصل بالحدث (…) في حرب غزة، ألغيت المسافة الزمنية بين الحدث والخبر، بحيث أصبحت الوقائع تُنقل إلى الجمهور بصيغة ‘المباشر’ عبر القنوات التلفزية، والشبكة العنكبوتية، وشاشات الهاتف المحمول”.
وفي هذه الإبادة عملية تكثيف؛ “إبادة الساكنة وتدمير البيئة، والعنف العسكري والعنف الرمزي الذي من أوجهه وصف مسؤول إسرائيلي كبير الفلسطينيين بالحيوانات، والعنف ضد غزة، واقتحامات المسجد الأقصى في القدس، وما عرفته الضفة الغربية من تعنيف، وترهيب، وتهجير، ومأسسة للاستيطان، وتمهيد للطريق أمام استراتيجية الإلحاق”.
وبعد استحضارِ ما صرّح به المؤرخ فانسان لومير من كون “حرب إسرائيل وحماس منذ 7 أكتوبر، تاريخٌ بأكمله للصراع الإسرائيلي الفلسطيني يجري بوتيرة متسارعة”، علّق عبد الأحد السبتي بقول: “هذه عملية تكثيف بين عدة نماذج، وهي نموذج الهنود الحمر في أمريكا، ونموذج الأبارتايد (الفصل العنصري) في جنوب إفريقيا”، علما أنه بعد نكبة سنة 1948 ظلّت “أصداء الحدث رهينة للرواية الرسمية للدولة، وبعد انقضاء ثلاثين سنة، تجشّم ‘المؤرخون الإسرائيليون الجدد’ عناء الغوص في مادة الأرشيف، وكشفوا الوجه الحقيقي للنكبة، ولاسيما وقائع طرد الفلسطينيين، وتعريضهم لمختلف أشكال الترهيب، وجرائم الحرب، وخلق مشكلة اللاجئين”.
واليوم، في سنة 2025 مع انطلاق الولاية الثانية للرئيس الأمريكي ترامب، لاحظ صاحب “من عام الفيل إلى عام الماريكان”: “عودة أساليب التوسع الإمبريالي الذي نهجته الولايات المتحدة في القرن التاسع عشر: التهديد العسكري، وشراء المستعمرات، وتغيير أسماء المواقع والمناطق المستهدفة”، كما لاحظ “في مستوى الظرفية الجديدة، أن أوساط الرأسمال المالي أصبحت تحتل واجهة الأحداث، وتتحرك بلغة الصفقات التجارية، بينما كانت تتستر في السابق وراء شعارات ‘نبيلة’ من قبيل نشر الحضارة”.
النشرة الإخبارية
اشترك الآن في النشرة البريدية لجريدة هسبريس، لتصلك آخر الأخبار يوميا
اشترك
يرجى التحقق من البريد الإلكتروني
لإتمام عملية الاشتراك .. اتبع الخطوات المذكورة في البريد الإلكتروني لتأكيد الاشتراك.
لا يمكن إضافة هذا البريد الإلكتروني إلى هذه القائمة. الرجاء إدخال عنوان بريد إلكتروني مختلف.
0 تعليق