"كل فيلم أٌقدمه هو محاولة لفهم الواقع وليس وسيلة ترفيه".. كيف صنع عاطف الطيب من السينما أداة لنصرة المُهمشين؟

تحيا مصر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

"السينما مرآة تعكس الواقع بكل صدق، وليست مجرد وسيلة ترفيه"، بتلك الجمل لخص المخرج عاطف الطيب أحد راود السينما الواقعية، منظوره الخاص بالسينما وصناعة الأفلام، فلم تكن السينما يومًا بالنسبة لـ "الطيب" مجرد شاشة عرض تسعى للترفيه عن الجَمهور أو اضحاكه لتحقيق الهدف التجاري منها، بل كان يسعى دائمًا لتحويلها إلى مرآة تعكس الواقع المرير لـ الفقراء والمهمشين، ولنصرة المظلومين الذين ضاعوا تحت وطأة الفساد والرأسمالية، ليصبح أبطال أفلامه أيقونات سينمائية لـ الثورة على الظلم والانتقام والوقوف وجهًا لوجه أمام الفساد، حتى ولو دفعوا حياتهم ثمنًا لذلك، لذا دعنا عزيزي القارئ نتعرف على "الطيب" عن قرب؛ ليكشف لك موقع تحيا مصر كيف استطاع هذا الشاب صنع نهج سينمائي خاصب يه. 

عاطف الطيب مساعد مخرج في الأفلام الأجنبية

عاطف الطيب كان شابًا مصريًا بسيطًا من محافظة سوهاج لكنه عشق السينما ورأي فيها ملاذًا آمنًا للتعبير عن الجَمهور، فالتحق بالمعهد العالي للسينما وبعد التخرج عمل مخرج مساعد لعدة مخرجين في الأفلام المصرية والأجنبية، وعلى الرغم من كثرتهم إلا أن "الطيب" ظلت له هويته التي يسعى للحفاظ عليها في صناعة الأفلام/ فلم يكن مشواره سهلًا، خاصة في محاولة إقناع المنتجين بالثقة به وتبني موهبته لصناعة فيلم واقعي صادم للجمهور تعكس رؤيته لحال المواطن البسيط، وكان صديقًا مقربًا للفنان الراحل نور الشريف، فكان شاهدًا على المحاولات الأولى لـ "الطيب" في إنتاج فيلم خاص به من خلال مبلغ جمعه أثناء عمله كمساعد مخرج، وساعده "نور" في إيجاد موزع خارجي وموزع داخلي، وكانت أول تجربه له فيلم "الغيرة القاتلة". 

857.jpg
المخرج عاطف الطيب

ميلاد عاطف الطيب بـ فيلم "سواق الأتوبيس" 

حينها لم يحقق فيلم "الغيرة القاتلة" نجاحًا جماهيريًا، بسبب صعوبة تقبل الجمهور للفكرة المطروحة حينها، واعتيادهم على السينما الترفيهية، إلا أن صديقه "نور الشريف" وبسبب إيمانه الكبير بموهبة "الطيب" استمر في دعمه، وجاءت الفرصة الكبرى في فيلم "سواق الاتوبيس" والتي قدم فكرتها المخرج "محمد خان"، وكتب السيناريو الخاص به "بشير الديك"، وأصبح عاطف الطيب المخرج الخاص بالفيلم ليحقق جماهيرية كبيرة وينال استحسان النقاد داخل مصر وخارجها ويكون مولد المخرج عاطف الطيب كواحد من أبرز رواد السينما الواقعية الذي يمتاز بأسلوب فريد في تقديمه للشخصيات المُهمشة.

859.jpg
عاطف الطيب وفيلم سواق الاتوبيس 

البرئ والهروب أيقونة الثورة على الظلم والفساد

ومن هنا بدأت إنطلاقة عاطف الطيب في تعاونه من نجوم كبار، أبرزهم الفنان "أحمد زكي" فجمعهم سويًا فيلم "البرئ" الذي قدم من خلاله شخصية "سبع الليل" الشاب الساذج الذي استغله فساد النظام آنذاك في تعذيب المٌفكرين والساسة بدعوة محاولتهم تدمير مصر، إلا أن "سبع الليل" يكتشف الخطأ الجسيم في النهاية ويثور على قادته في محاولة منه لحماية صديقه، وفي نفس العام كررا التجربة في فيلم "الحب فوق هضبة الأهرام" الذي يتناول قضية الشباب وصراعاتهم الاجتماعية بسبب سيطرة الرأسمالية، وكررا التعاون مرة أخرى في فيلم "الهروب" الذي قدم فيها "الطيب" أيقونة ثائرة على الفساد والظلم من خلال شخصية"منتصر" الذي يسعى للانتقام من الفاسدين الذي ألقوا به داخل السجن، ويصبح المجرم بطلًا شعبيًا لقضائه على الفاسدين.

واستمر عاطف الطيب في تقديم أعمال واقعية صادمة تعكس الجانب المظلم من حياة الناس وتعاون مع العديد من كبار الفنانين والفنانات، فعلى الرغم من مدة عمله القليلة في السينما إلا أنه استطاع صنع ارثًا فنيًا ضخمًا من الأفلام الواقعية، وذلك يعود لتمسك"الطيب" بحبه الكبير بالسينما على الرغم من مرضه، فـ "الطيب" كان يٌعاني من مشاكل خطيرة في القلب؛ وأجرى عملية قلب مفتوح قبل وفاته، إلا أن ذلك لم يثبط من عزيمته ليكمل مسيرته في السينما، وكانت زوجته تتواجد معه دائمًا أثناء التصوير لإعطاءه الدواء، في محاولة لانقاذه من الاجهاد المستمر الذي يعرض نفسه له بسبب العمل لساعات طويلة أثناء التصوير.

ساعات طويلة من العمل لترك إرث سينمائي

ولكن حب "الطيب" للسينما تفوق على حبه في استمرارية الحياة فكان يريد أن ينجز عدد أكبر من الأفلام قبل أن يقضي عليه المرض، فاحساسه العميق بقيمة الوقت بالنسبة لحالته جعلته يعمل أكتر من أجل ترك بصمة في تاريخ السينما المصرية من خلال أعماله، وتوفى "الطيب" بالفعل عن عمر 47 عامًا، ولم يستطيع العمل في السينما لفترة طويلة لكنه ترك عدد لا بأس به من الأفلام الواقعية الصادقة التي لا تزال أيقونة حتى الآن وبعد مرور سنوات على وفاته، لا زالت الأجيال والنقاد يتحدثون عن براعة "الطيب" وصدق رؤيته في صناعة الأفلام، ولا تزال السينما شاهدة على الانتصار الذي حققه لـ المهمشن من خلال أبطال أعماله "منتصر" و"سبع الليل" و"حسن"، ليحقق "الطيب" ما كان يسعى عليه دائمًا وهو تواجده في ذكريات الجمهور بما قدمه من أفلام صادقة وليس بعدد الأفلام أو الجوائز.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق