لا يمكن فصل ما يجرى فى سوريا طوال أسبوعين عن تطورات الأحداث طوال 14 شهرا من الحرب، وطوال شهر كانت التطورات الكمية تتفاعل لتتيح تحولا يبدو مفاجئا، بينما هو تطور طبيعى مع ما يجرى فى الشهور الأخيرة، باعتبار تشابك الجبهات، خاصة ما سمى جبهة الممانعة، التى تشهد كرا وفرا أو تراجعا وانسحابا من أطراف كانت تمثل أحد العناصر الرئيسية فى المشهد قبل 14 شهرا.
تتأكد بشكل مستمر انعكاسات الصراع، كما وكيفا، بشكل قلنا مرات إنه يختلف عن جولات ومواجهات سابقة، ويمثل تحولا كبيرا فى تاريخ الصراع، يتطلب أن تسعى الأطراف المختلفة إلى تفهمه ومعرفة دروسه حتى يمكن أن تكون هناك خبرة تتجاوز الادعاءات والمبالغة فى تصوير القوة، أو أوهام تحقيق انتصارات على جبهة، بينما تخسر نفس الأطراف فى جبهات أخرى.
قبل 14 شهرا، ظهرت إيران فى خلفية عملية طوفان الأقصى، ودخل حزب الله بدعوى مساندة جبهة غزة، لكن الحزب وجد نفسه ضمن مواجهة هى الأعمق والأخطر فى تاريخه، من خلال عمليات اختراق معلوماتى انتهت بعمليات نوعية لاغتيال عدد من قيادات حزب الله، وصولا إلى الأمين العام الأسبق حسن نصر الله وخلفائه، وأعداد من قيادات الصف الأول بالحزب، ومعهم أطراف من ممثلى إيران فى سوريا، بعد أشهر من عمليات نوعية كانت متوازية مع عمليات فى حزب الله، فقد تم تنفيذ عملية نوعية فى القنصلية الإيرانية بدمشق، ثم جرت اختراقات البيجر وعمليات اغتيال بدت ممنهجة، وفى الوقت نفسه كانت التصريحات الإيرانية تعلن التخلى عن حزب الله، وعدم الانخراط فى صراع إقليمى واسع.
من متابعة عمليات الاغتيال لأكثر من 400 قيادة كبيرة، وتنفيذ عمليات تفجير البيجرز والتوكى، فهى إشارات لاختراق أمنى ومعلوماتى عميق وعريض، يجعل العدو فى قلب غرف عمليات الحزب، وقبلها اغتيال إسماعيل هنية فى مبنى أمنى بطهران، كلها علامات على قرب تنفيذ عمليات أكبر وأوسع تمثل تحولا كبيرا فى مسارات الحرب، حيث اتخذت المواجهة بين إيران وإسرائيل شكلا جديدا يختلف عن تبادل التهديد، دخلت إسرائيل فى مواجهات مباشرة مع إيران باستهداف القنصلية الإيرانية فى دمشق، وتنفيذ اغتيالات لقيادات إيرانية فى جنوب لبنان، ثم بدأت إسرائيل عملية نوعية فى جنوب لبنان ضد قوات حزب الله، تضمنت عمليات محددة ومركزة واضحة بمعلومات تبدو أن إسرائيل كانت تمتلكها من طرف إقليمى ضمن صفقات ما، يومها أعلن بنيامين نتنياهو أن القادم هو تغيير خارطة الشرق الأوسط.
ومع تصاعد الحرب على حزب الله، انسحبت قواته من مواقعها بسوريا فى القصير وباقى النقاط، مما خلق فراغا واضحا، ضاعف منه ضربات متكررة طوال شهور لمواقع وشخصيات إيرانية فى سوريا، ومع تطبيق اتفاق وقف الحرب فى لبنان، تم إغلاق جبهة لبنان، مع بدء التحرك للمسلحين فى سوريا التى تم تجهيزها بالمسيرات، وبذات التحرك، ولهذا بدا الهجوم مفاجئا، بينما الواقع أنه جزء من تطورات الجبهات جنوبا وشمالا.
كما أن الصورة التى تم بها تقديم أحمد الشرع، الذى كان يحمل اسم محمد الجولانى، وهو الذى تنقل بين تنظيم داعش والقاعدة والنصرة ثم أحرار الشام، «الشرع» يقدم نفسه بشكل مغاير تماما عما كانت صورة الميليشيات فى سوريا قبل وبعد 2014، «الشرع» أعيد تقديمه بتهذيب لحيته ومكياج واضح للوجه والبشرة وصوت هادئ، ووعود بالحفاظ على المؤسسات والوحدة السورية، وهى صورة يبدو أنها تكلفت الكثير، خاصة أنها تتناقض مع صور أخرى تتسرب لعمليات نهب للبنوك والمؤسسات السورية، وعمليات إطلاق نار عشوائية تشير إلى أن الصورة التليفزيونية المخالفة لصورة داعش والقاعدة لن يمكنها تغطية المشهد أكثر من ذلك.
ووسط الحالة المختلة فى سوريا، هناك ترقب وانتظار لما تسفر عنه المشاهد التالية، لما بعد المشهد الافتتاحى الذى لا يخلو من غموض، تماما مثل غموض مصير بشار، واحتمالات عقد اتفاقات مع أطراف داخل سوريا لإدارة مرحلة انتقالية، بعد 13 عاما من الصراع والحروب بالوكالة، لم تحسم الأمر بينما تم الحسم خلال 14 شهرا من صراع يبدو مختلفا، ويحمل كل تحولات القوة والنفوذ بالمنطقة، وهو ما يلخصه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلى، بنيامين نتنياهو، ففى تصريحات أدلى بها قرب الحدود مع سوريا إلى أن نظام الأسد «كان الحلقة المركزية فى محور الشر الإيرانى وقد سقط نتيجة ضرباتنا لإيران، وحزب الله داعموه الأساسيون، وهو ما يخلق فرصا جديدة ومهمة جدا لإسرائيل، وقال: «لن نسمح لأى قوة معادية بأن تتشكل على حدودنا»، وهو ما قد يعنى خطوة محسوبة أو اتفاق محسوم.
نقلا عن اليوم السابع
0 تعليق