يرى الدكتور عبد الله بوصوف، الباحث في العلوم الإنسانية، أن “اليوم العالمي للمهاجرين” يحلّ اليوم 18 دجنبر في ظل اهتمام متزايد بقضايا الهجرة، إذ تصر المنظمات الأممية على الاعتراف بدور المهاجرين كعنصر محوري في التنمية، لافتا إلى أن “تقرير منظمة الهجرة الدولية يؤكد أن عدد المهاجرين بلغ 281 مليونا، يساهمون بـ 831 مليار دولار في اقتصادات بلدانهم الأصلية، ومع ذلك تظل صور معاناة المهاجرين العالقين في البحار أو النازحين بسبب الحروب والأزمات المناخية مشهدا مأساويا يعكس تحديات إنسانية كبرى”.
وأضاف بوصوف ضمن مقال توصلت به هسبريس، معنون بـ”في ذكرى اليوم العالمي للمهاجرين لسنة 2024″، أن “الحروب والصراعات مثل النزاعات في سوريا، وأوكرانيا، واليمن، تُعدّ المحرك الأساسي للهجرة القسرية، فيما تظهر ازدواجية المعايير في التعامل مع اللاجئين بين المناطق المختلفة”، مشيرا إلى أن “السياسات الأوروبية الجديدة، كتعزيز دور ‘فرونتكس’، وإنشاء مراكز احتجاز خارج الاتحاد الأوروبي، أثارت جدلا قانونيا وحقوقيا حادا، مع تزايد تدخل القضاء لرفض بعض هذه السياسات التي تُضيّق على المهاجرين غير النظاميين”.
وأورد الأكاديمي المغربي أن اليوم العالمي للمهاجرين يمثل فرصة لتسليط الضوء على دور الهجرة في تعزيز الاقتصاد العالمي والتنمية الاجتماعية، وأيضاً لإعادة النظر في السياسات المتبعة، موضحا أن “الهجرة ليست مجرد انتقال بشري، بل حركة ثقافية وإنسانية تحمل معها تجارب وآمالا مشتركة”، وزاد: “مع انتشار الثورة الرقمية بات السرد حول الهجرة أداة لتحدي الصور النمطية وتعزيز التفاهم الثقافي والديني، ما يدعو إلى تبني سياسات متوازنة تضمن الهجرة الآمنة والمُنظمة”.
نص المقال:
تحل ذكرى اليوم العالمي للمهاجرين اليوم 18 دجنبر في أجواء تخلو من الاحتفالية، وفي ظل إصرار منظمات أممية للهجرة واللجوء على ضرورة الاهتمام أكثر بظاهرة الهجرة والمهاجرين، باعتبارهم محركا أساسيا للتنمية والتقدم.
كما أن المنظمات المتخصصة ذاتها تعمل على نشر تقارير سنوية تعتمد على تحليل الأرقام والمعطيات، ومنها منظمة الهجرة الدولية التي أعلنت مديرتها العامة Amy Pope عن تقريرها السنوي من عاصمة بانغلاديش (داكا) في شهر ماي من هذه السنة، وجاء فيه أن عدد المهاجرين في العالم وصل إلى 281 مليونا، يضخون في أبناك بلدانهم أكثر من 831 مليار دولار، وهي تحويلات فاقت حجم الاستثمارات الأجنبية في بعض البلدان.
لكن بعيدا عن لغة الأرقام والتحويلات فإن صور مهاجرين عالقين في بواخر وسط الأمواج أو نساء في خيام على الحدود أو أطفال يبحثون عن قارورة ماء، أو جثث غرقى على الشواطئ، مازالت تعج بها العديد من المنصات والمواقع العالمية، بل إنها شاهدة على مآس إنسانية لمجموعات بشرية اضطرت للهجرة الجماعية أو النزوح الجماعي، هربا من تداعيات التغييرات المناخية أو من نيران الحروب.
فمازالت صور الهجرة الجماعية للشعب السوري والطفل “إيلان” عالقة في الأذهان بدءا من سنة 2015، بعد اندلاع الحرب الأهلية، والأمر نفسه يقال عن الوضع في أفغانستان والسودان وغزة /فلسطين.
كما مازالت صور الهروب الجماعي للأوكرانيين بعد اندلاع الحرب مع روسيا سنة 2022 خالدة في الذاكرة الجماعية. ولاحظنا كيف امتصت الدول الأوروبية أكثر من 8,7 ملايين لاجئ أوكراني بسلاسة، وبدون كل تلك الضجة الإعلامية والحسابات السياسية والإيديولوجية عندما يتعلق الأمر بمئات المهاجرين القادمين من إفريقيا أو آسيا!.
لقد كانت الحروب والصراعات ومازالت دافعا قويا للهجرة القسرية والنزوح بحثا عن مكان آمن ومستقبل أفضل، في اليمن والشرق الأوسط وليبيا ودول الساحل جنوب الصحراء وأوركرانيا وفنيزويلا وغيرها. وبسقوط النظام السوري لبشار الأسد في دجنبر الحالي فقد دق العديد من المراقبين ناقوس الخطر حول احتمال تدفق موجات جديدة من الهجرة القسرية قد تُعد بالملايين في اتجاه الدول المجاورة أو إلى أوروبا عبر البلقان.
ومن أجل الغد الأفضل ذاته سُجلت بنسب متفاوتة العديد من حالات الوفاة والغرق وسط شباب مرشح للهجرة، سواء في البحر المتوسط أو بشواطئ بحر المانش والبلقان.
هذا في وقت مازالت ملفات الهجرة والمهاجرين واللجوء من أهم نقط الحملات الانتخابية لأحزاب اليمين واليمين المتطرف. كما أنPact on Migration أو السياسة الأوروبية في الهجرة، التي كانت محور الاتفاق بين المجلس الأوروبي والبرلمان الأوروبي في 20 دجنبر 2023، الذي تم تعديله في 10 أبريل من سنة 2024 على أن تتم المصادقة عليه أمام المجلس الأوروبي في تاريخ لاحق؛ سياسة مالت نحو المزيد من التضييق وتوسيع اختصاصات مؤسسة Frontex والرفع من ميزانيتها، وفتح مكاتب احتجاز المهاجرين غير النظاميين خارج دول الاتحاد الأوروبي، كألبانيا ورواندا، وسط سجال قانوني وحقوقي وإعلامي حول شرعية ذلك الاحتجاز، وصل إلى حد تدخل القضاء، سواء في إيطاليا أو بريطانيا، بعدم قانونية أماكن الاحتجاز وبرفض قرارات الترحيل والطرد !.
لكل هذا وذاك فإن اليوم العالمي للمهاجرين في 18 دجنبر من كل سنة أصبح من جهة مناسبة لانتقاد سياسات الهجرة واللجوء بدول شمال المعمور، والمطالبة بتحسين أوضاع المهاجرين واللاجئين والنازحين، ومن جهة ثانية مناسبة لعرض أهمية الهجرات، سواء على مستوى تعزيز الاقتصاد واليد العاملة في بلدان الاستقبال التي تعاني من ارتفاع نسبة الشيخوخة وانخفاض نسبة الولادات، أو على مستوى المساهمة في التنمية والتضامن الاجتماعي في بلدان الأصل.
لكن الأهم هو العدد الهائل من الإصدارات الفكرية والتقارير الإعلامية السنوية التي تناولت الهجرة، ليست بلغة أرقام التحويلات المالية، بل بدراستها كظاهرة إنسانية واجتماعيـة وتأثرها بالتغيرات المناخية وبأكثر من 52 حربا في العالم. فالهجرة لا تعني فقط انتقال أشخاص إلى أماكن أخرى، بل هي انتقال بصيغة الجمع لحمولات ثقافية ودينيــة ولغوية وتجارب إنسانية فردية أو جماعية وآلام وآمال.
لقد ساهمت الكثير من الأعمال الفنية في ترسيخ ثقافة التعدد الثقافي والديني، كفيلم “فيكتوريا وأبدول”، وعرت أخرى عن الاختلالات والفوارق الاجتماعية والضواحي كفيلم “أثينا”، ولامست أخرى مواضيع حساسة كفيلم “أبدا بدون ابنتي”. ويبدو أن فيلم “يوم بدون مكسيكيين” عكس الحقيقة، وأن العالم لن يستمر بدون هجرة وبدون مهاجرين.
أعتقد أن الثورة الرقمية والمواقع الإلكترونية وشبكات التواصل الاجتماعي تنقل العديد من أوجُه الحقيقة حول ملف الهجرة على المستوى العالمي. ويعني ذلك أن طريقة “السرد” لم تعد حكرا على الفاعل السياسي وبعض الإعلام الغربي الذي مازال يقتات من كلاسكيات الهجرة، كالإسلام والحجاب، ويروج لخطورة “التحول الكبير”، مقابل نماذج ناجحة في مجتمعات متعددة الثقافات والديانات.
ونحن على بعد أيام قليلة من اليوم العالمي للمهاجرين 18 دجنبر نتمنى تضافر جهود كل الفاعلين من أجل ضمان هجرة آمنة ونظامية ومنظمة بعيدا عن المقاربة الأمنية، وتبَنِي مقاربة تهدف إلى تحقيق توازن سليم بين الواقعية والطوعية وبين المصالح المشروعة للدول واحترام الحقوق الإنسانية للمهاجرين؛ كما جاءت في الرسالة الملكية بمناسبة المؤتمر الحكومي الدولي حول الهجرة بمراكش في دجنبر 2018.
0 تعليق