يبدأ موسم وضع البيض (التعشيش) لدى السلاحف البحرية في شهر مارس من كل عام، من خلال تحرك الإناث البطيء ولكن العازم، نحو شواطئ ولاية فلوريدا الأمريكية، حيث تقوم الإناث بإزاحة الرمال بزعانفها المرقطة، ثم تحفر حفرة لوضع البيض.
وتوضح صحيفة "ميامي هيرالد" الأمريكية في تقرير لها، أن الموسم يبلغ ذروته في أواخر فصل الربيع ويستمر حتى حلول الصيف، قبل أن يبدأ في التناقص تدريجيا في أكتوبر، وهو ما يعني أن يتحول امتداد ساحل فلوريدا الذي يبلغ طوله نحو ألف ميل، إلى موطن لمئات الآلاف من صغار السلاحف المحتمل خروجها من البيض، خلال الفترة الأسوأ لموسم الأعاصير، حيث تتعرض تلك "الحضانات" خلال هذه الفترة، لخطر متزايد بسبب هبوب العواصف القوية.
ويستمر موسم الأعاصير من الأول من يونيو وحتى 30 من نوفمبر، ويتداخل مع الجزء الأكبر من فترة تعشيش السلاحف البحرية. وكان موسم عام 2024 قد شهد أكثر حلول مبكر على الإطلاق لإعصار أطلسي من الفئة الخامسة، عندما وقع إعصار "بيريل" الاستوائي المدمر في شهر يوليو، ثم وصل إعصارا هيلين وميلتون إلى اليابسة في فلوريدا، في وقت لاحق من نفس الموسم، بفاصل 13 يوما فقط عن بعضهما البعض، وهو ما أدى إلى تدمير ساحل الخليج في الولاية.
وتزيد الأمطار الغزيرة والرياح والعواصف من التهديدات التي قد تتعرض لها السلاحف البحرية، حيث أنها من الممكن أن تتسبب في غرق الأعشاش أو جرفها – مثلما حدث مئات المرات بعد هبوب إعصار "ديبي" في أغسطس - في الوقت الذي من الممكن أن يتسبب فيه تآكل الشواطئ، في ترك مساحات تعشيش أقل للسلاحف البحرية في المستقبل.
ويربط العلماء بين زيادة حدة الأعاصير وارتفاع مستوى سطح البحر، الذي يتسبب في زيادة غمر المياه للسواحل، وفي تغير المناخ أيضا. وتشير "ميامي هيرالد" في تقريرها إلى أن الأعاصير لطالما تتداخل مع حفر وضع البيض التي تقوم السلاحف بحفرها بين الرمال، ولكن العواصف الأقوى تعني تدخلا أقوى من جانب الطبيعة. وتثير الظروف المتغيرة تساؤلات حول مستقبل السلاحف البحرية، التي تعتبر مهددة بالانقراض، والتي كان لها دور حيوي في النظم البيئية البحرية خلال الــ100 مليون سنة الماضية.
ومن جانبه، يقول عالم الأحياء المتخصص في السلاحف البحرية، الدكتور جيك لاسالا: "سواء أحببنا ذلك أم لا، يؤثر تغير المناخ على شواطئنا التي تقوم السلاحف البحرية بوضع البيض فيها".
ارتفاع المد والجزر وغرق الأعشاش
وعادة ما تأتي السلاحف البحرية في الليل، وذلك لأن درجات الحرارة تكون أكثر برودة في ذلك الوقت، مما يرجح عدم ارتفاع درجة حرارة السلاحف من الأمهات، بينما تقوم بالزحف باتجاه الشاطئ. وتستقر بعض إناث السلاحف في مناطق منخفضة عند خط المد العالي؛ بينما يشق البعض الآخر طريقه ببطء، نحو قاعدة الكثبان الرملية. وتقوم كل واحدة بوضع بيضها، حيث تضع السلحفاة الواحدة نحو 110 بيضات في كل عش، تكون مدفونة على عمق قدمين في الرمال.
وقد تعود الأمهات إلى الشاطئ لما يصل إلى ثماني مرات خلال الموسم الواحد، حيث تقوم بوضع البيض في أعشاش جديدة، تقوم بحفرها في أماكن ومواضع جديدة. وتقول كات إيستمان، وهي مديرة برنامج في مستشفى خاص بالسلاحف البحرية، إن هذه المرونة السلوكية تعني أن "السلاحف لا تضع كل بيضها في سلة واحدة".
ثم يتطور البيض، الناعم والمسامي والذي يكون في حجم كرات تنس الطاولة، ويخرج منه الذكور أو الإناث من صغار السلاحف، بناء على درجة حرارة الحضّانة. وبمجرد خروج الصغار، يبدأ توجههم الجنوني نحو الماء، مسترشدين في ذلك بالإنعكاس الحريري لضوء القمر على الأمواج.
ويمثل طريق صغار السلاحف إلى البحر تهديدات لهم: حيث يتعرض الصغار لخطر الجفاف (نتيجة لطول الوقت المستغرق من أجل وصولهم إلى مياه المحيط)، وفقدان الاتجاه (بسبب وجود مصادر أخرى للضوء على الشاطئ)، وخطر التعرض للافتراس (من جانب سرطان البحر الشبح والبلشون الليلي الجائع).
وفي النهاية، يتمكن واحد فقط من بين كل 1000 من الصغار، من أن يبقى على قيد الحياة حتى سن البلوغ. ثم يصير من يتمكنون من ذلك، راعين لمحيط صحي.
وباعتبار السلاحف البحرية من الأنواع الرئيسية بين الكائنات، فإنها تؤثر على مستويات متعددة من شبكات الغذاء البحرية، وتعمل على إحداث توازن بين أعداد قناديل البحر والقشريات والأعشاب البحرية والطحالب، التي تستهلكها أنواع مختلفة من السلاحف البحرية.
ويقول الدكتور لاسالا: "إذا كنت ممن يعيشون على كوكب الأرض، وتريد أن ترى النظم البيئية تعمل بشكل صحيح، فإنك ترغب – بكل تأكيد – في أن يستمر وجود السلاحف البحرية".
ويشار إلى أن قشور بيض السلاحف البحرية، سواء فقست أم لم تفقس، توفر عناصر غذائية تنتقل عبر النظام البيئي للشاطئ. وينمو الغطاء النباتي على الكثبان الرملية، الذي يزدهر بسبب وجود مستويات عالية من النيتروجين والفوسفور، في الرمال التي يغذيها البيض.
0 تعليق