في الأشهر الأخيرة، كثفت وسائل الإعلام الدولية تركيزها على إيران وقراراتها فيما يتصل بقواتها الجوية. وفي مواجهة تحديات كبيرة في تحديث أسطولها الجوي، تستكشف البلاد بدائل جديدة لتعزيز قدراتها القتالية.
ووفقًا لموقع بلجاريان مليتري المتخصص في الشؤون العسكرية، تشير المعلومات الأخيرة إلى أن إيران تفكر في شراء طائرات مقاتلة صينية باكستانية من طراز JF-17 Block III - وهو طراز معروف بأنظمة الطيران الإلكترونية المتقدمة، ورادار AESA، وأنظمة الحرب الإلكترونية المحسنة.
وتعد هذه الخطوة مفاجئة نظرا للتوقعات الطويلة الأمد بأن البلاد ستحصل على طائرات سو-35 الروسية، والتي تعتبر على نطاق واسع واحدة من المنتجات الرائدة لموسكو في قطاع الطيران العسكري من الجيل 4++.
وتعد الطائرة JF-17 Block III، التي طورتها شركة صناعة الطائرات الصينية تشنغدو والمجمع الباكستاني للطيران، مقاتلة أحادية المحرك ومتعددة الأدوار.
وتتميز بأنظمة الطيران الإلكترونية المتقدمة، بما في ذلك رادار KLJ-7A النشط الممسوح إلكترونيًا، والذي يوفر مزايا كبيرة في اكتشاف الأهداف وتتبعها.
وتتميز الطائرة بأنظمة حرب إلكترونية مطورة، ودمج صواريخ بعيدة المدى، ونظام جديد للتحكم في الطيران. بالإضافة إلى ذلك، فإن JF-17 Block III أخف وزنًا وتكاليف تشغيلها أقل مقارنة بالعديد من منافسيها، مما يجعلها خيارًا جذابًا للدول ذات الميزانيات المحدودة.
من ناحية أخرى، تعد الطائرة الروسية سو-35 مقاتلة ثقيلة متعددة المهام بمحركين من الجيل 4++. تم تطوير هذا النموذج من قبل شركة سوخوي، وهو مزود برادار Irbis-E، القادر على اكتشاف الأهداف على مسافات مذهلة تصل إلى 400 كيلومتر في ظل ظروف مواتية.
وتستخدم الطائرة سو-35 محرك AL-41F1S القوي المزود بنظام توجيه الدفع، مما يوفر قدرة استثنائية على المناورة.
وعلاوة على ذلك، تم تجهيز الطائرة بأنظمة حرب إلكترونية متقدمة ومتوافقة مع مجموعة واسعة من الأسلحة، بما في ذلك صواريخ جو-جو من طراز R-77 وR-73.
وتحافظ إيران وروسيا على شراكة استراتيجية، ويُنظر إلى طائرة سو-35 باعتبارها حجر الزاوية في جهود طهران لتحديث أسطولها.
ومع ذلك، فإن العقبات المحتملة في تسليم هذه الطائرات ــ مثل جداول الإنتاج والدعم التكنولوجي والتوافق مع احتياجات إيران المحددة ــ ربما دفعت البلاد إلى استكشاف خيارات بديلة.
وتشير إحدى الفرضيات إلى أن إيران قد تهدف إلى بناء أسطول هجين يجمع بين طائرات سو-35 الروسية وطائرات جيه إف-17 بلوك 3 لضمان قدر أعظم من المرونة والتنوع، وهناك احتمال آخر يتمثل في أن السلطات الإيرانية قد تبدي شكوكها بشأن أداء النسخة التصديرية من طائرات سو-35 أو تواجه قيودًا تفرضها صناعة الدفاع الروسية.
ويزيد من تعقيد الموقف اقتراح أن إيران قد تسعى إلى إنتاج طائرات مقاتلة متطورة محليا، مثل سو-30 وسو-35. وأشارت التقارير إلى أن السلطات الإيرانية تفاوضت مع روسيا للحصول على المعرفة الفنية والقدرة الصناعية اللازمة لتصنيع هذه الطائرات محليا.
ومن شأن هذا التطور أن يمثل قفزة كبيرة في صناعة الدفاع الإيرانية، مما قد يقلل من اعتمادها على الموردين الأجانب مع تمكينها من صيانة أسطولها وترقيته بشكل مستقل.
ولكن التحديات التي يفرضها هذا المسعى كبيرة. ذلك أن إنتاج طائرات مقاتلة عالية الأداء يتطلب الوصول إلى مواد متقدمة، وتقنيات تصنيع متطورة، وخبرة في إنتاج المحركات ــ وهي المجالات التي واجهت فيها إيران تقليديا عقوبات وحظرا تكنولوجيين.
وعلاوة على ذلك، تظل هناك تساؤلات حول نطاق نقل التكنولوجيا الذي قد تكون روسيا على استعداد لتقديمه، خاصة في ضوء المخاوف بشأن الملكية الفكرية والمنافسة المحتملة في أسواق التصدير.
وإذا نجحت هذه الاستراتيجية، فقد تسمح لإيران بتبني نموذج أكثر استدامة لتحديث قواتها الجوية. وقد تتوافق أيضًا مع استراتيجية إيران الأوسع نطاقًا في تطوير القدرات العسكرية المحلية، كما يتضح من التقدم الذي أحرزته في أنظمة الصواريخ والطائرات بدون طيار.
ومع ذلك، فإن أي تأخير أو قيود تكنولوجية في مثل هذا المشروع قد تترك فجوات في قدرات الدفاع الجوي الإيرانية، مما يزيد من الحاجة الملحة للحصول على مقاتلات أجنبية مثل JF-17 أو Su-35 في هذه الأثناء.
ويبدو أن استكشاف إيران لخيارات متعددة لقواتها الجوية يعكس ديناميكيات جيوسياسية أوسع نطاقا. وقد يشير اهتمام البلاد بطائرة JF-17 Block III إلى تحول نحو تنويع شراكاتها الاستراتيجية.
ورغم أن روسيا كانت حليفًا رئيسيًا، فإن النفوذ المتزايد للصين في الشرق الأوسط، إلى جانب استعداد باكستان للتعاون، يجعل من طائرة "جيه إف-17" خيارًا جذابًا.
ويمكن تفسير هذه الخطوة أيضًا على أنها تحوط ضد عدم الموثوقية المحتملة في قدرة روسيا على تسليم المعدات العسكرية، خاصة في ضوء الضغوط على صناعة الدفاع في موسكو وسط الصراعات المستمرة.
وعلى العكس من ذلك، فإن تعزيز الشراكة مع روسيا من خلال الإنتاج المحلي لطائرات سو-30 أو سو-35 من شأنه أن يعمق علاقات طهران مع موسكو، ويعزز مصالحهما الاستراتيجية المتبادلة.
وقد يؤثر هذا التعاون أيضًا على ديناميكيات القوة الإقليمية، وخاصة في سياق الوجود العسكري الأميركي وتحالفاته في الخليج.
تظهر المقارنة بين الطائرتين اختلافات واضحة، إذ تتمتع طائرة سو-35 بقدرات متفوقة من حيث المدى والحمولة والقدرة على المناورة، مما يجعلها مناسبة للعمليات الاستراتيجية على مسافات طويلة.
في المقابل، تعتبر طائرة JF-17 Block III أكثر تكلفة، وأسهل في الصيانة، وتتميز بتقنيات حديثة قد تكون كافية للصراعات الإقليمية أو المهام الدفاعية.
بالنسبة لإيران، فإن الاختيار بين هذه الطائرات ــ أو مزيج من الاثنين ــ سوف يعتمد على تقييمها للاحتياجات التشغيلية الفورية مقابل الأهداف الاستراتيجية طويلة الأجل.
وعلاوة على ذلك، قد تلعب العقيدة العملياتية الإيرانية دورًا في اتخاذ القرارات. فالأسطول الذي يجمع بين طائرات سو-35 عالية الأداء للمهام الاستراتيجية وطائرات جيه إف-17 ذات التكلفة الفعالة للأدوار الإقليمية قد يوفر نهجًا متوازنًا، مما يمكن طهران من التعامل مع التهديدات المتنوعة مع إدارة التكاليف.
وتحمل قرارات إيران بشأن قوتها الجوية تداعيات على منافسيها الإقليميين أيضًا. ذلك أن دولًا مثل المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، المجهزة بطائرات مقاتلة غربية متقدمة مثل إف-15، ويوروفايتر تايفون، ورافال، تراقب عن كثب التطورات العسكرية التي تشهدها طهران.
كما يبدو أن الحصول على طائرات متطورة مثل Su-35 أو JF-17 من الممكن أن يؤدي إلى إشعال سباق تسلح إقليمي، مما يدفع الدول المجاورة إلى تطوير أساطيلها بشكل أكبر.
لا يزال يتعين علينا أن ننتظر لنرى ما هو القرار النهائي الذي ستتخذه إيران فيما يتصل بتحديث أسطولها الجوي. وسواء اختارت طائرات سو-35 الروسية، أو طائرات جيه إف-17 الصينية الباكستانية، أو الإنتاج المحلي لطائرات سو-30 وسو-35، أو مزيج من هذه الخيارات، فإن هذه الخيارات ستؤثر بشكل كبير على القوة العسكرية للبلاد، وقدراتها التكنولوجية، ومكانتها على الساحة الدولية
0 تعليق