من المؤكد أن هناك مؤتمرات أو أوراق علمية حملت نفس العنوان: "بين الواقع والمأمول". لقد أصبح هذا العنوان شائعًا في الفترة الأخيرة في المحافل العلمية. وإذا كتبت على محرك البحث "بين الواقع والمأمول"، ستجد العديد من النتائج المتعلقة بذلك.
عند التأمل في هذا العنوان، يتضح أن البحث العلمي في مصر غالبًا ما يقتصر على مقارنة بين واقع متراجع وأمل في مستقبل أفضل. وفي أفضل الأحوال، يقتصر الأمر على تقديم توصيات غير ملزمة للحكومة لتطوير جانب معين أو معالجة مشكلة محددة، مما يقلل من دور البحث العلمي في إحداث تنمية حقيقية وفعالة.
إن اندماج البحث العلمي في عملية إصلاح حقيقية تشمل قضايا الشأن العام يستلزم من الحكومة إيجاد مصادر تمويل لتنفيذ عمليات الإصلاح والتنمية بحيث يكون لها أثر ملموس على الوطن والمواطن. العلاقة الهشة بين البحث العلمي وتنمية الوطن جعلت البحث العلمي يبدو كمجرد أداة تجميلية، مرتبطة بمعايير النظام العالمي التي تضعنا في تصنيف ثابت يصعب تجاوزه بسبب الفجوات الزمنية، وغياب الحرية العلمية، وقلة التمويل، وعدم الجدية في تحديد أهداف واضحة ومحددة.
على سبيل المثال، وضعت كوريا الجنوبية خطة "95/95" التي تهدف إلى تحقيق تقدم تكنولوجي بنسبة 95% خلال الفترة من 1990 إلى 1995. ونتيجة لذلك، تحولت كوريا الجنوبية من واحدة من أفقر دول العالم في الستينيات إلى دولة متقدمة عالميًا، حيث ارتفع متوسط دخل المواطن الكوري الجنوبي من 79 دولارًا إلى 20 ألف دولار سنويًا. كان الفارق بين مستوى مصر وكوريا الجنوبية في عام 1950 لصالح مصر، إلا أن كوريا تفوقت لاحقًا بفضل سياساتها العلمية والتنموية.
كوريا الجنوبية، على سبيل المثال، نقلت التكنولوجيا الألمانية وابتكرت أجهزة مثل تلفزيون LG الذي نافس نظيره الألماني بجودة عالية وسعر أقل، مما اضطر الشركات العالمية للشراكة معها. نفس النهج اتبعته دول الآسيان بنقل التكنولوجيا اليابانية وتطويرها، مما أدى إلى شراكات مع شركات عالمية مثل توشيبا وسوني وناشيونال.
على الجانب الآخر، اعتمدت الولايات المتحدة على التكنولوجيا الألمانية في تطوير صناعاتها، خاصة في المجال العسكري، مما ساهم في سيطرتها العالمية اقتصاديًا وعلميًا. الجدير بالذكر أن الدول المتقدمة لم تعقد مؤتمرات لمناقشة "الواقع والمأمول"، بل ركزت على وضع أهداف محددة وملزمة لتحقيقها خلال فترة زمنية معينة.
أما في مصر، فقد اقتصرت الجامعات على التعليم التلقيني للطلاب دون تعزيز البحث العلمي بشكل جاد. الحكومة اتجهت نحو إنشاء مراكز أبحاث مستقلة مثل المركز القومي للبحوث ومركز بحوث الصحراء وغيرها، لكنها تميل إلى المركزية والاستقلالية. كان من الأفضل إنشاء مراكز أبحاث أكاديمية وتطبيقية داخل الجامعات نفسها، مما يتيح لأعضاء هيئة التدريس الفرصة للجمع بين التدريس والعمل البحثي التطبيقي.
هذا النهج كان سيمكن الجامعات من تسويق الأبحاث، ومنح الطلاب فرص تدريب حقيقية داخل مراكز أبحاث الجامعات، وربما إشراكهم في مشاريع تنموية ممولة من جهات حكومية مثل وزارة الزراعة أو الصناعة. هذا من شأنه تأهيل الطلاب بشكل عملي وإيجاد روابط قوية بين الجامعة ومؤسسات الدولة.
إن عزل الجامعات عن البحث العلمي التنموي جعل منه وسيلة للترقي الأكاديمي فقط دون أن يكون له أثر ملموس على التنمية الوطنية. وللحديث بقية.
0 تعليق