بعد التصديق البرلماني والنشر في الجريدة الرسمية، مرّ قانون العقوبات البديلة في المغرب إلى السرعة القصوى ليصير تطبيقه أقرب من أي وقت مضى؛ وهو ما أوضحه وزير العدل عبد اللطيف وهبي، أول أمس الاثنين، تفاعلا مع مطالب نيابية تستعجل إخراج النصوص القانونية التنظيمية، موضحا أنه “سيدخل حيز التنفيذ عما قريب، بعدما تم تكوين ثلاث لجان؛ الأولى تخص التنزيل القضائي لهذا القانون، والثانية ستهتم بصياغة نصين تنظيمييْن، أما الثالثة ستعمل على اختيار الشركة التي سيتم التعاقد معها”.
ولم يُخف نشطاء مدافعون عن حقوق الإنسان بالمغرب، تحدثت إليهم هسبريس، “تثمين” خطوات وهبي المعلنة بشأن “تنظيم دورات تكوينية في هذا المجال بالنسبة للقضاة بالتنسيق مع السلطة القضائية من أجل مزيد من الشروحات؛ إلى جانب خلق مكاتب داخل محاكم ابتدائية لمدها بإمكانية القيد الإلكتروني للذين كانوا يتابعون في حالة سراح”.
كما نالت فكرة “صياغة دليل عملي يخص تطبيق قانون العقوبات البديلة” وتبادل التجارب والممارسات الفضلى مع دول العالم استحسانا واضحا لتلاقي ترحيبا من لدن حقوقيين، شددوا، ضمن تعليقاتهم، على أهمية مقاربة إشراك جميع الفاعلين والجهات المعنية في مسطرة تنفيذ وتقييم تطبيق العقوبات البديلة بما يكفل إصلاح العدالة ويحترم حقوق الإنسان.
إنجاح التطبيق
بالنسبة إلى عادل تشيكيطو، رئيس العصبة المغربية للدفاع عن حقوق الإنسان، فإن “قانون العقوبات البديلة يمثل تطورا مهما في منظومة العدالة بالمغرب، خصوصا في ظل الاكتظاظ المتزايد داخل السجون والآثار السلبية لعقوبة السجن على النزلاء والمجتمع”، موضحا أهمية “إظهار هذا التوجه لوعي رسمي بالحاجة إلى بدائل تركز على الإصلاح وإعادة الإدماج بدل الاقتصار على العقوبة السالبة للحرية؛ ومع ذلك، فإن نجاح هذا القانون يعتمد بشكل كبير على دقة ووضوح النصوص التنظيمية والتدابير المسطرية المرتبطة به”.
وتابع الفاعل الحقوقي معلقا على الإجراءات التي أعلنها وزير العدل، بالقول في تصريح لجريدة هسبريس إن “تشكيل لجان متخصصة لصياغة النصوص التنظيمية وتكوين القضاة تُعد خطوة إيجابية؛ غير أنها بحاجة إلى تسريع وتيرة التنفيذ. كما أن إرسال بعثات لاستلهام التجارب الدولية الناجحة يُظهر جدية في الاستفادة من النماذج المقارنة؛ وهو أمر نُرحب به، إذا ما توفق في التحدي المرتبط بمواءمة هذه التجارب مع السياق المغربي، مع الأخذ بعين الاعتبار التحديات القانونية والاجتماعية والثقافية الخاصة بالمغرب”، وفق تعبيره.
وزاد المتحدث ذاته شارحا: “كهيئات حقوقية، نرى أهمية أنْ تكون العقوبات البديلة مصممة بشكل يضمن العدالة ويُحقق الأهداف المرجوة؛ مثل الحد من الاكتظاظ السجني وتعزيز التأهيل والإدماج الاجتماعي”، موصيا لتحقيق ذلك بـ”تفعيل شراكات مع مختلف الفاعلي؛، بما في ذلك القطاعات الحكومية والجماعات المحلية والمجتمع المدني، لضمان توفر بيئة ملائمة لتطبيق العقوبات، مثل الخدمة الاجتماعية أو التكوين المهني”، مردفا: “كما ندعو إلى إطلاق منصات إلكترونية تتيح تتبع تنفيذ الأحكام وتعزز الشفافية والثقة في هذا النظام”.
رئيس “العصبة الحقوقية” عينها ألح على أن “نجاح هذا المشروع التشريعي يعتمد على سرعة إصدار النصوص التنظيمية، وضمان استقلالية القضاة في اختيار العقوبات الملائمة، وتطوير دليل عملي واضح يشمل جميع الإجراءات المتعلقة بالتنفيذ”، خاتما بالتأكيد على “ضرورة إشراك جميع الفاعلين الحقوقيين في مراحل صياغة وتقييم هذه السياسات لضمان احترام حقوق الإنسان وتحقيق أهداف العدالة الإصلاحية”.
مطلب “حوار وطني”
أكد إدريس السدراوي، رئيس الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان، أنهم “كحقوقيين، قد تابعوا إعلان وزير العدل، مجددا، اقتراب تنفيذ العقوبات البديلة”، مستحضرا أن “التأكيد الجديد يتضمن إتمام تكوين اللجان الثلاث المعلن عنها ومهام عملها”.
ولفت السدراوي الانتباه، في تصريح لهسبريس، إلى أن “ما أعلنه الوزير الوصي على قطاع العدل جاء في الوقت الذي كان من المفروض فتح حوار وطني بإشراك الجمعيات الحقوقية والتي تعنى بالسجناء، بالإضافة إلى الهيئات المعنية بالقضاة التي تضم كفاءات مهمة ومتنوعة وكذلك بعض الهيئات الرسمية؛ كرئاسة النيابة العامة والمندوبية السامية للسجون والخبراء الحقوقيين الدوليين، وكذلك هيئات المحامين من أجل تنزيل سليم وجيد لهذا الإصلاح المنشود”.
وأبرز رئيس الرابطة الحقوقية ذاتها أن “العقوبات البديلة تُعتبر مطلبا مهما، أولا، لترشيد الاعتقال الاحتياطي وتجاوز النسب العالية للاعتقال والتي تعتبر الأولى عربيا”، مستحضرا التأكيد على أن تكوين لجان متعددة من شأنه تضارب الأفكار وعدم تناسقها لأن القانون والتنزيل وآليات التنزيل وأدواته بمثابة نسق متكامل ليس بالإمكان فصلها عن بعضها”.
وزاد معبرا عن موقف “الرابطة المغربية للمواطنة وحقوق الإنسان”: “كما نؤكد أن الأساس هو تغيير مدونة القانون الجنائي ومسطرته بمقاربة العقوبات البديلة حتى لا نسقُط فيما بعد في تناقضات وإشكاليات قانونية قد تفرغ قانون العقوبات البديلة من محتواه”.
وخلص بالقول: “لذلك، نحن نُرحب ونحيي إخراج القانون ونعتبره خطوة مهمة؛ لكننا نتحفظ على الطريقة وغياب إشراك الفاعلين المختلفين، ونحذر من وجود ثغرات”، خاتما بالتشديد على “ضرورة التعاقد مع أكثر من شركة لتنويع التقنيات وتقوية المنافسة”، بتعبيره.
0 تعليق