عصيد: الوطنية تبدأ بمعرفة الذات .. و"الكد والسعاية" للفقهاء الأمازيغ

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال أحمد عصيد، الحقوقي والكاتب الأمازيغي، إن “الوطنية المغربية كانت في فترة من الفترات مختزلة جدًا، إذ كان هناك جهل كبير بالتاريخ في صفوف المغاربة الذين كانت لديهم معرفة بالأجنبي أكثر من معرفتهم بذواتهم، وبالتالي عاشوا فقرًا كبيرًا على مستوى معرفة الذات”، مضيفًا: “لا يمكن لأي بلد أن ينهض إلا بعبقريته الخاصة، ولا يمكن لأي بلد أن يتقدم إلا انطلاقًا من ذاته، فعندما ننطلق من الآخر نصبح نسخة له، لكن عندما ننطلق من ذواتنا نصبح نحن النسخة الأصلية”.

وأوضح عصيد، في محاضرة ألقاها في لقاء احتضنه المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث اليوم الأربعاء بالرباط، تحت عنوان “الرمزيات التاريخية والأنثروبولوجية للاحتفال برأس السنة الأمازيغية”، أن “الحديث عن إيض يناير عادة ما يرتبط بالحديث عن الأطباق والمأكولات والعادات والتقاليد، لكن هذه المناسبة تنطوي على مجموعة من الرمزيات والدلالات، أولها رمزية الارتباط بالأرض باعتبارها الأرض التي أنجبتنا؛ وهذا يعني أن الهوية في معنى الاحتفال برأس السنة الأمازيغية ترتبط بالأرض وليس بالإيديولوجيات العابرة للقارات”.

وتابع المتحدث ذاته بأن “هوية أي بلد تتمثل قبل كل شيء في الأرض التي أنجبته، وهي التي تحدد الوطنية والانتماء؛ ذلك أن الجغرافيا هي التي تطبع شخصية الإنسان وتحدد طبيعة عاداته وتقاليده وثقافته ووعيه بالانتماء إلى هذا العالم من منطلق الوطن”، مؤكدًا أن “معنى الوطنية في المغرب كان يفتقر إلى هذا المعطى، إذ إن النخب في بداية الاستقلال كانت تعتقد أن المغاربة جاؤوا من مكان ما، وأن تاريخ المغرب يبدأ من جغرافيا أخرى”.

وشدد الحقوقي ذاته على أن “الاحتفال برأس السنة الأمازيغية والعمل الذي يقوم به المعهد الوطني لعلوم الآثار والتراث يصححان هذا الوعي الخاطئ بمعنى الوطنية، المتأثر بالإيديولوجيات التي أثرت في الحركة الوطنية وفي الفكر الوطني في وقت من الأوقات”، مضيفًا أن “المغرب يعيش اليوم فترة مراجعات كبرى في مختلف المجالات، وهي فترة مهمة جدًا لأنها تطرح من الأسئلة أكثر مما تقدم من الأجوبة”.

وسجل المحاضر ذاته أن “رأس السنة الأمازيغية ينطوي أيضًا على رمزية بيئية مرتبطة بضرورة حماية الموارد الطبيعية المهددة بالانقراض، إذ كان أجدادنا يتعاملون مع هذه الموارد في إطار ما يسمى اقتصاد الندرة، فكانوا يشعرون بأن هذه الموارد ثمينة جدًا لأنها قليلة ونادرة”، مشيرًا إلى أن “أعراف الماء مثلًا تظهر لنا الحكمة التي كان يتحلى بها أجدادنا في تدبير وإدارة الموارد الطبيعية”.

وأردف عصيد بأن “رأس السنة الأمازيغية هو نموذج أيضًا لهذا التدبير، لأنه في هذه الفترة كان الفلاح المغربي يعتبر أن الأرض تتنفس من جديد لتستقبل مرحلة الخصب في فصل الربيع، بمعنى أن هناك شيئًا ما يتجدد في حياة الأرض والطبيعة”، مبرزًا أن “أجداد المغاربة كانوا يرمون خلال هذه المناسبة كل الأشياء القديمة ليتم استبدالها بأخرى جديدة، بمعنى أن الإنسان بدوره عليه أن يجدد حياته وأفكاره وأن يكون دائم الإبداع؛ وهي رسالة عظيمة جدًا”.

وأكد المتحدث أن “إيض يناير ينطوي أيضًا على روح التشارك والتقاسم، إذ كانت الجدات مثلًا يخرجن إلى خارج القرى قطعًا من الطعام الذي يتم إعداده بهذه المناسبة لكي يقتات عليه الوحيش، بمعنى أن هناك تفكيرًا حتى في المحيط الحيواني للإنسان”، وزاد: “بل في الميثولوجيا الأمازيغية والمعتقدات الشعبية القديمة وجدنا أنهم كانوا يضعون قطعًا من الطعام لكي تستفيد منها الكائنات اللامرئية أو الأرواح”.

وشدد الفاعل الأمازيغي على أن “الاحتفال برأس السنة الأمازيغية له معنى تاريخي عميق؛ إذ يؤكد أن المغرب ليس دولة فتية، بل دولة لها تاريخ عريق”، مضيفًا: “عشنا فترة كانت المدارس نفسها تروج أن تاريخ المملكة يمتد إلى 12 قرنًا، إذ كانت إيديولوجيا وسياسة الدولة حينها مبنية على أن الهوية هي العروبة والإسلام، وتم اعتبار فترة ما قبل مجيء الإسلام إلى البلاد بمثابة فترة جهل وظلمات، وهذا غير صحيح تمامًا، لأن الدولة المركزية حينها كان همها الأساسي هو القوة، ولكي تكون قوية عليها أن توحد، ولكي توحد عليها أن تبعد عناصر التنوع والاختلاف الثقافي”.

ولفت عصيد إلى أن “المغرب ومنذ اعتلاء الملك محمد السادس العرش اتجه اتجاها مغايرًا تمامًا، وتبنى سياسة انفتاح الدولة على جهاتها، فأصبحنا نتحدث عن الجهوية الموسعة والمتقدمة، ثم الاعتراف بالتنوع اللغوي والثقافي، وفتح عدد من الأوراش التي غيرت شكل المغرب واتجاهه من الدولة الوطنية المركزية التي تنفي مكوناتها وتتجاهلها إلى دولة تحتضن جميع هذه المكونات وتعيد بناء مفهوم الوطنية والمواطنة”.

وأبرز الحقوقي نفسه أن “رمزية الاحتفال برأس السنة الأمازيغية تحيل أيضًا على رسالة التوليف، بمعنى أن حضارة أي بلد تتكون من مكونات متعددة، ولكن هناك دائمًا مكون يؤلف بين هذه المكونات ويعطيها طابعها الخصوصي؛ فمثلًا توجد اللغة العربية في السعودية والعراق والمغرب، لكن العربية في السياق المغربي أنتجت الدارجة المغربية التي هي نتاج تفاعل الأمازيغية والعربية، وهذا لا يوجد في أي بلد آخر”.

وأردف عصيد بأن “الإسلام بدوره جاء إلى المغرب وأعطته الثقافة الأمازيغية طابعًا خصوصيًا، فالإسلام المغربي ليس هو الإسلام السعودي أو العراقي، ذلك أن الإسلام في المغرب له خصوصية الوسطية والاعتدال والسماحة؛ وما أعطاه هذا الطابع هو الثقافة الشعبية الأمازيغية، لأن فقهاء المغرب قاموا بملاءمة النصوص الدينية مع ثقافة المواطنين من خلال فقه الواقع واجتهادات الفقهاء في النوازل”، معتبرًا أن “ما جاءت به مقترحات تعديل مدونة الأسرة، خاصة اقتسام الأموال المكتسبة أثناء فترة الزوجية بعد الطلاق، جاءت من العرف الأمازيغي ‘تمزالت’، أو ما يسمى اليوم عند الفقهاء بالكد والسعاية، الذي هو فكرة أبدعها الفقهاء الأمازيغ ولا توجد أبدًا في الفقه المشرقي”.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق