عودة دونالد ترامب إلى الكرسي الرئاسي تغير صورة "الحلم الأمريكي"

هسبيرس 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

قال الدكتور عبد الله بوصوف، الخبير في العلوم الإنسانية، إن دونالد ترامب، الشخصية المثيرة للجدل، قد عاد إلى المشهد بقوة، مبرزا أنه رغم وصفه بـ”العنصري” و”التاجر الشعبوي”، فقد حقق فوزا تاريخيا في انتخابات 2024 بفضل فريق حملته وإستراتيجياته المدروسة، مشيرا إلى دور الإعلام الرقمي ومنصات التواصل الاجتماعي في دعم شعاره “اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا”.

وأشار بوصوف، في مقال توصلت به هسبريس بعنوان “دونالد ترامب وعودة الحلم الأمريكي”، إلى أن الحملة الانتخابية لترامب مثّلت عرضا إعلاميا وسياسيا مدهشا، وموضحا أن شخصيات مؤثرة كإيلون ماسك ونائبه جيمس فانس شكلت رموزا للحلم الأمريكي؛ ما جعل نتائج الانتخابات نقطة تحول في العلاقات الدولية والنظام العالمي الجديد.

نص المقال:

دونالد ترامب، الشخصية المثيرة للجدل التي ملأت الدنيا وشغلت الناس بفوزه المثير على هيلاري كلينتون سنة 2016 وخسارة مثيرة سنة 2020 أمام جو بايدن ثم فوزه المثير أمام كامالا هاريس… وبين كل هذا شاهدنا معارك صاخبة أمام القضاء وشاشات التلفزيون وشبكات التواصل الاجتماعي.

وُصِف ترامب بالعنصري والعنيف والمتغطرس؛ لكنه فاز.. ووُصف بالتاجر المتطفل على السياسة والشعبوي؛ لكنه فاز أيضا.

لا نريد تناول فوز ترامب برئاسيات نونبر 2024 من خلال معاركه مع القضاء أو الإعلام؛ لأنه يتوفر على جيش من محامين يُطوعون المساطر وطرق التفاوض… وإذا اعتمد ترامب خلال انتخابات 2016 على “فوكس نيوز” فإنه خلق لنفسه منصة جديدة سنة 2022 وهي ” truth social”…بعد حظره من مواقع التواصل الاجتماعي الأخرى..

لكن نجد أنفسنا أكثر انجذابا إلى مناقشة الحملة الانتخابية بكل ما حملته من قوة وانبهار، حيث يمكننا وصف كل ما شاهدنا بأننا أمام صناعة حقيقية وصُناع حقيقيين… كان من نتائجها أن عيّن ترامب مديرة حملته السيدة سوزي ويلز (67 سنة) كأول امرأة رئيسة لموظفي البيت الأبيض..

فكل التفاصيل كانت مدروسة، ولم يُترك للصدفة أية مساحة؛ بدءا من الشعارات، إلى الموسيقى وتنظيم المنصات… كل التفاصيل كانت تخدم شعار الحملة الانتخابية أي “اجعلوا أمريكا عظيمة مجددا ” أو MAGA…

لقد أظهر مهندسو حملة ترامب يقظة قوية وردوا على كل المقالات بمقالات مضادة واتهموا جرائد عريقة بعدم الحياد في تحليل مجريات الحملة الانتخابية.. بل شككوا في كل نتائج استقراءات الرأي التي كانت تتقدم فيها منافسته ونائبة الرئيس جو بايدن…

كانت ملفات الهجرة والأمن القومي والسياسة الخارجية الأمريكية من أهم النقط التي تم توظيفها بمكر؛ كالانسحاب المفاجئ للقوات الأمريكية من أفغانستان، والحرب الروسية /الأوكرانية، والتقارب الروسي الصيني، وزيارة رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لجزيرة تايوان، وأحداث الشرق الأوسط، وملف إيران النووي، وتوسع البريكس، وتهديد الدولار… وغيرها من ملفات ساخنة أعلن ترامب عن حلها فور دخوله إلى البيت الأبيض، وظهر هنا كحامل للسلام وليس حامل للسلاح… في حين أن المرشحة كامالا هاريس لم تكن لها من ردة فعل سوى اتهام خصمها بأنه يهدد الديمقراطية…

الناخب الأمريكي قال كلمته يوم 6 نونبر 2024، وفاز ترامب ومعه الحزب الجمهوري بأغلبية مجلس الشيوخ وكذا البرلمان؛ وهذا يعني “صفر مشكل” في تسطير الأجندة التشريعية لإدارة ترامب وفي مسألة التعيين في المناصب الإدارية الكبرى والوزراء…

لكن ترامب كان يصر، في كل تصريحاته، على شكر فريق حملته الانتخابية و”الأوفياء” في زمن أزمته مع القضاء في أكثر من قضية… وهنا لا بد من ذكر الملياردير إليون ماسك، الذي وصفه ترامب بـ”العبقري” والذي ساهم بشكل قوي في “ماكينة الحملة الانتخابية” أولا من خلال منصته X (تويتر سابقا) ومتابعيها الـ200 مليون… وتخصيصه برنامج حواري لترامب دام 3 ساعات قال فيها المرشح الرئاسي ترامب كل شيء… وثانيا من خلال تقديمه تبرعات فاقت 120 مليون دولار وتنظيمه لمسابقة يومية بقيمة مليون دولار يوميا..

لقد انتقل إليون ماسك وفريق عمله إلى مدينة بينسلفاني، حيث تعرض ترامب لضرب بالرصاص وأصيب فيها… إذ كان هدف ماسك هو قلب معادلة الناخب في تلك المدينة إلى جانب ما يسمى بـ”الحائط الأزرق”؛ وهي مدن ميشغان وبينسلفاني وويكنسون…

ويُنتظر أن يُكلف ماسك داخل إدارة ترامب بحقيبة مهمة تتولى تقليص النفقات أو أي موقع آخر في المكتب البيضاوي، رغم رفع الخصوم لفرضية تنازع الاختصاص… كما وُصِف ماسك بأقوى مؤثر في العالم لمساهمته القوية في عودة ترامب إلى البيت الأبيض في انتخابات 2024…

ولن يكتمل الحديث عن صناع فوز ترامب دون الحديث عن نائبه أي جيمس دافيد فانس؛ وهو الشخصية السريالية التي تجسد “الحلم الأمريكي” على أرض الواقع لشاب من الضواحي متفوق في دراسة القانون عاش وسط أسرة حطمتها المخدرات والكحول والبطالة أيضا.. ورغم ذلك سيفوز بعضوية مجلس الشيوخ سنة 2013، ثم سينشر كتاب عن ذكريات أسرته بكل تفاصيلها الأليمة سنة 2016؛ حتى أن القصة تحولت إلى فيلم جد مؤثر… وسيصبح الشاب ذاته القادم من وسط اجتماعي مفلس وعديم وأسرة غير مستقرة رهينة للمخدرات… سيصبح نائب رئيس أقوى دولة في العالم سنة 2024…

تستهوي الناخب الأمريكي الشخصيات القوية و”السوبر مان” كترامب، والعبقرية والمغامِرة كماسك، والملهمة كفانس.. وهي كلها واجهات وإجابات عن أسئلة مهمة للناخب الأمريكي من أصل إفريقي أو عربي أو أمريكا اللاتينية أو آسيا والهند… حيث ساهمت كلها في فوز قوي شككت فيه العديد من المنابر الإعلامية الكلاسيكية واستقراءات الرأي الموالية للديمقراطيين ومرشحتهم هاريس…. لكن صفحات شبكات التواصل الاجتماعي ومنصة X وموقع ” truth social ” وغيرها من وسائل الميديا كانت تقدم قراءات مختلفة للأحداث وتقدم إجابات قريبة من واقع الناخب الأمريكي تحت شعار “أمريكا أولا…”..

بدأت يوم 13 نونبر 2024 إجراءات تسليم السلط بين الرئيس جو بايدن المنتهية ولايته وبين الرئيس 47 دونالد ترامب… في انتظار موعد القسم الرئاسي يوم 20 يناير الجاري.. بعد حملة انتخابية شرسة وعنيفة شارك فيها السياسي والإعلامي ورجال الفن والرياضة… وجعلت العالم يحبس أنفاسه إلى حين إعلان النتائج التي ستؤثر لا محالة في معادلات جيوستراتيجية عالمية وإعادة تنظيم العلاقات الدولية New Order…

لقد عشنا نسخة متطورة من الحملات الانتخابية لم يكن الفاعل الأساسي والوحيد هو السياسي / الحزب / المرشح فقط؛ بل ساهمت بشكل كبير الآلة الإعلامية في حسم نتائجها.. والتي وظفت كل الوسائل؛ بما فيها “الذكاء الاصطناعي”، لتسويق البروباغاندا وتمرير “فايك نيوز “… والأهم هو توظيفها لمصطلحات دالة تنتمي إلى العلوم الإنسانية والتاريخ لخدمة أهداف الحملة الانتخابية كـ”مبدأ مونرو” لسنة 1823 مثلا…

لم يعش العالم حملة انتخابية عادية؛ بل كنا أمام show سياسي وإعلامي كبير للحلم الأمريكي وصناعة حقيقية ستفتح عهدا قويا للممارسة السياسية والديمقراطية، بحضور قوي للإعلام الرقمي والذكاء الاصطناعي..

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق