ما زال ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية عائقًا أمام انتشارها بين جميع فئات المجتمع، أملًا في تحقيق مستهدفات خفض الانبعاثات المسببة للاحتباس الحراري وظاهرة تغير المناخ.
وشكّلت السيارات العاملة بالبطارية والهجينة حصة 20% من كل المبيعات في العام الماضي (2024)، لكن نظيرتها العاملة بالوقود الأحفوري ما زالت تتسيّد الموقف بنسبة 79.8%، وفق آخر تحديثات قطاع السيارات لدى منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن).
ورغم الإعفاءات الضريبية التي يقدّمها قانون خفض التضخم، ما زالت أسعار بيع السيارات الكهربائية فوق قدرة المواطن المتوسط أو منخفض الدخل، كما أنها أعلى كثيرًا من أسعار بيع سيارات البنزين والديزل.
ويبدو أن الأسعار ليست التحدي الوحيد أمام الصناعة المتعثرة، بل تلاشي الدعم الحكومي الذي وعد الرئيس المنتخب دونالد ترمب بإلغائه، كما هدّد بإلغاء حظر سيارات البنزين والديزل دعمًا للصناعة والعاملين بها.
لكن يبدو الأمل حاضرًا في زيادة الإنتاج مع تقديم محفزات لتصنيع البطاريات، بما قد يؤدي في النهاية إلى خفض الأسعار للمستهلكين وتحقيق الشركات المصنعة الأرباح.
السيارات الكهربائية في أميركا
رغم أن قانون خفض التضحم وجّه دعمًا سياسيًا وماليًا إلى قطاع السيارات الكهربائية في أميركا منذ إقراره على يد الرئيس جو بايدن في عام 2022، فإنه كان دعمًا مقيّدًا بعدة شروط.
ويؤكد ذلك أرقام مبيعات 2024 التي أظهرت أن واحدًا فقط من بين كل 5 مشترين اختاروا السيارات الكهربائية والهجينة، في حين عُدّ رقمًا قياسيًا مع وجود الإعفاءات الضريبية المقدمة إلى كل من التجار وصناع السيارات على حد سواء، بغرض تقليل التكاليف.
لكن تتزايد احتمالات أن يكون مالكو السيارات الكهربائية من أصحاب الدخل المرتفع، كونهم الأكثر قدرة على تحمّل تكلفة الشراء.
وتمتلك 5% من الأسر التي يتراوح دخلها بين 40 و99 ألف دولار سيارة كهربائية، في حين يدرس 9% فقط الإقدام على الخطوة، بحسب استطلاع للرأي أجرته شركة غالوب الأميركية للأبحاث.
وبالنسبة للأسر التي يقلّ دخلها عن 40 ألف دولار، كانت النسبة 2% و7% فقط على الترتيب.
كما تكشف بيانات شركة الأبحاث المتخصصة "إس آند بي غلوبال موبيليتي" (S&P Global Mobility) أن المشترين الرئيسين للسيارات الكهربائية هم الأسر التي يزيد دخلها على 200 ألف دولار سنويًا، والتي شكّلت 42.6% من مبيعات نوفمبر/تشرين الثاني (2024).
يُقارن ذلك بقطاع ذوي الدخلَيْن المتوسط والمحدود الذين كانوا خارج المشهد لأسباب على رأسها الشروط المرتبطة بالدخل، المؤهلة إلى الحصول على تلك الإعفاءات وحجم الدعم المقدم وفقًا لسعر السيارة.
وتفصيليًا، تراجعت حصة الأسر التي يتراوح دخلها السنوي بين 100 ألف و199 ألف دولار في مبيعات السيارات الكهربائية إلى 32.9% فقط.
وفي مفارقة، ارتفعت حصة الأسر التي يقلّ دخلها عن 100 ألف في مبيعات سيارات البنزين بإجمالي المبيعات إلى 42.5%، في مقابل 24.1% للتي يزيد دخلها على 200 ألف دولار.
نشر السيارات الكهربائية
يقول مراقبون إن تحقيق مستهدفات نشر السيارات الكهربائية يتطلّب الوصول إلى قاعدة مشترين أكبر تتجاوز الأسر مرتفعة الدخل فحسب.
وانتقدت أستاذة العلوم السياسية ومديرة مركز "كلايمت آند كوميونيتي إنستتيوت" (Climate and Community Institute)، تيا ريوفرانكوس، ارتفاع أسعار السيارات الكهربائية، مطالبة بأن تكون كل الفئات قادرة على تحمّل تكلفة شرائها.
وقالت إن "بعض" المشرعين ممن صاغوا قانون خفض التضخم ومن إدارة بايدن نفسها وضعوا هدف زيادة مبيعات الطرازات الكهربائية وقاعدة مالكيها، وعلى نحو خاص جعلها غير مقصورة على أصحاب الدخل العالي.
ولخفض الأسعار، اقترحت طرح طرازات أصغر بما يسمح لشركات التصنيع باستعمال بطاريات أصغر حجمًا.
وبعيدًا عن الثمن الذي يدفعه المشتري أو تقديم حسم 5 آلاف دولار فحسب، دعا صناع السياسات إلى الأخذ في الحسبان "اعتبارات مهمة أخرى" تتطلّب التفكير في العوائق الحقيقية.
وحذّرت من أن إزالة الكربون من قطاع النقل سيكون بطيئًا ومحدودًا إذا اعتمد على تحميل ذوي الدخل المتوسط والمنخفض عبء ارتفاع التكاليف.
ويوضح الرسم البياني التالي -أعدته منصة الطاقة المتخصصة- تراجع سوق السيارات الكهربائية في أميركا مقارنة بالصين وأوروبا:
وأضافت: "الطبقة العاملة ومتوسطو الدخل يشعرون فعلًا بوطأة أزمة ارتفاع تكاليف المعيشة، ولذلك من غير الواقعي أن يتوقع صانعو السياسات أن تستثمر تلك الفئة في أصل جديد (السيارة الكهربائية). هم قد يضطرون إلى أخذ قرض باهظ من أجله".
وبحسب ريوفرانكوس، ينفق الكثير من المواطنين كل دخلهم على الضروريات، متسائلة عن كيفية تحملهم شراء سيارة بتكلفة 50 ألف دولار.
يتفق معها المدير في "إس آند بي غلوبال موبيليتي"، توم ليبي، الذي لا يتوقع تحسّنًا قريبًا في قدرة المستهلكين الحساسين للأسعار على تحمّل تكاليف شراء السيارات الكهربائية.
كما قارن بين متوسط أسعار السيارات الكهربائية في ديسمبر/كانون الأول (2025) الذي بلغ 55 ألفًا و544 دولارًا و49 ألفًا و740 دولارًا لسعر سيارة البنزين.
شركات السيارات الكهربائية
لفت الخبير توم ليبي إلى أن خسائر شركات السيارات الكهربائية باستثناء تيسلا ما زالت مستمرة، رغم بيعها بأسعار مرتفعة نسبيًا، ولذلك فستتجنّب طرح طرازات بأسعار منخفضة.
وعلى نحو خاص، دعا إلى حل مشكلة ارتفاع أسعار البطاريات، كونها تمثّل الجزء الأكبر من التكاليف، وتُبقي السيارات الكهربائية بعيدًا عن حلبة المنافسة مع نظيرتها العاملة بالغاز.
وفيما بعد، أعرب عن أمله في أن يؤدي إنتاج المزيد من السيارات الكهربائية مع وجود محفزات لتصنيع البطاريات محليًا، في السيطرة على التكاليف وانخفاض الأسعار، إذ سيتمكّن المصنعون من كسر تعادل التكاليف والإيرادات ثم تحقيق أرباح.
موضوعات متعلقة..
اقرأ أيضًا..
المصادر:
0 تعليق