أثار رجل الأعمال الإماراتي محمد العبار مؤسس شركة إعمار العقارية ضجة واسعة مؤخرًا بتصريحاته التي تطرقت إلى مسألة الاجتماعات في بيئة العمل، حيث يعد من الشخصيات البارزة في قطاع العقارات الإماراتي.
وقد أطلق العبار تصريحات صادمة قائلاً: "أتحدى أي شخص أن يكون قد استفاد من أي اجتماع في مجال عمله.. اتحدى اذا استفاد أكون أنا ما افهم شي"، مشيرًا إلى أنه لم يحضر أي اجتماعات منذ 35 عامًا، باستثناء لقاءات سريعة مع الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الدولة ورئيس مجلس الوزراء وحاكم دبي.
وأثارت هذه التصريحات موجة من ردود الفعل عبر منصات التواصل الاجتماعي، حيث انتقده البعض واعتبروا تصريحاته مبالغًا فيها، بينما دعم آخرون وجهة نظره معتبرين إياها تجسيدًا للنجاح والابتكار بعيدًا عن البيروقراطية التقليدية.
معركة ضد البيروقراطية
ومن خلال تصريحاته، يبدو أن العبار كان يحاول تسليط الضوء على الطريقة التي ينظر بها إلى الاجتماعات التقليدية التي ينظر إليها في كثير من الأحيان كعبء إداري دون فائدة ملموسة.
وقد أشار إلى أنه منذ 35 عامًا لم يشارك في اجتماعات طويلة أو معقدة، بل اقتصر تواصله مع القادة الكبار مثل الشيخ محمد بن راشد على لقاءات سريعة، وهي أسلوب يراه العبار أكثر فعالية، حيث يرى أن الاجتماعات قد تكون عقبة في طريق الإنجاز، خاصة إذا تم استغلالها بشكل غير صحيح، أو إذا كانت تعقد فقط من أجل "تحقيق الحضور" دون تحديد أهداف واضحة أو اتخاذ قرارات فعالة.
وقد أثار هذا الطرح جدلاً واسعًا، حيث تساءل البعض عما إذا كان هذا التوجه سيؤدي إلى تجاوز الضرورة الملحة لإدارة الشركات بشكل منظم ومترابط، خاصة في وقت تشهد فيه المؤسسات الكبرى تحولات كبيرة في أساليب العمل.
ووفقًا لهذا الرأي، يصبح من غير الممكن النجاح دون أن يكون هناك تنسيق فعال ومستمر بين مختلف أقسام الشركة، وهو ما يتطلب في كثير من الأحيان عقد اجتماعات دورية.
الحبتور يدخل على خط النقد
وفي رد فعل على تصريحات العبار، جاء تعليق رجل الأعمال الإماراتي خلف بن أحمد الحبتور، وهو أيضًا من الشخصيات البارزة في مجال الأعمال، ليبرز تباينًا واضحًا في الرؤى بين الرجلين.
الحبتور الذي يدير مجموعة الحبتور الكبرى، أكد في منشور عبر منصة "فيسبوك" أن تصريح العبار يفاجئه ويمثل تناقضًا مع الأسس التي يعتمدها في إدارة مؤسسته.
في تعليقه، قال الحبتور: "الاجتماعات كمبدأ ليست عبئًا كما يصورها، بل هي العمود الفقري لأي تخطيط وتنفيذ ناجح، إلا إذا كانت تدار بطريقة عشوائية أو تستغل لأحاديث جانبية، وهنا يكون العيب فيمن يدير الاجتماع، وليس في الاجتماع نفسه."
والحبتور الذي يعرف بأسلوبه الإداري الحازم والمرن في الوقت نفسه، أكد أن الاجتماعات إذا أديرت بشكل فعال يمكن أن تسهم بشكل كبير في تحسين أداء الشركات وضمان سير العمل بانضباط وكفاءة.
وأضاف أن شركته تبدأ يومها باجتماع مختصر مع كبار المديرين قبل الساعة 7:30 صباحًا، حيث يتم مناقشة المستجدات وتحديد الخطوات القادمة.
إدارة الاجتماعات بكفاءة رؤيتان متناقضتان
وأحد النقاط التي أشار إليها الحبتور هي أهمية إدارة الاجتماعات بكفاءة ووضوح أهدافها، فهو يرى أن الاجتماعات ليست مجرد تبادل آراء أو حديث عابر، بل هي فرصة لضمان توجيه الجهود نحو هدف مشترك.
وأكد أن الاجتماعات المنظمة جيدًا هي أداة حيوية لتحقيق النجاح في أي مؤسسة، سواء كانت صغيرة أو كبيرة، ووفقًا لهذا الرأي، فإن الاجتماعات هي "منصة لتوحيد الجهود وتحقيق الأهداف إذا أديرت بكفاءة".
من ناحية أخرى، يظل السؤال الأهم هو كيفية تقييم فعالية الاجتماعات في بيئة العمل، وهل يمكن تحسين هذه الفعالية باستخدام تقنيات الإدارة الحديثة؟، وهنا يتفق الحبتور مع العبار في أن إدارة الاجتماعات بشكل عشوائي أو دون خطة واضحة يؤدي إلى نتائج غير مجدية، ومع ذلك أكد الحبتور على أهمية الاجتماعات في إطار التخطيط الاستراتيجي والقرارات التنفيذية.
العبار والحبتور أسلوبان مختلفان في القيادة
والجدال بين العبار والحبتور يسلط الضوء على الفروق في الأساليب الإدارية والقيادية في الشركات الكبرى، حيث أن العبار يرى أن الابتعاد عن الاجتماعات التقليدية قد يكون مفتاحًا لتحقيق النجاح والابتكار في عالم مليء بالتحديات.
وفي المقابل، يرى الحبتور أن الاجتماعات، عندما تدار بشكل جيد، هي أداة أساسية لتحقيق الانضباط المؤسسي وضمان سير العمل بسلاسة.
وتعد هذه القضية مثارًا للجدل داخل الكثير من المؤسسات الكبرى، خاصة في ظل التوجهات الحديثة نحو تقليل الوقت المستغرق في الاجتماعات لصالح زيادة الإنتاجية، ولكن الإجابة على هذا السؤال تعتمد بشكل كبير على الثقافة المؤسسية ونوع العمل الذي تقوم به الشركة.
الاجتماعات في ظل التكنولوجيا
وفي عصرنا الحالي، أصبح من الممكن إدارة الاجتماعات بطرق مبتكرة باستخدام تقنيات مثل الاجتماعات الافتراضية، وأدوات التواصل عن بعد، التي تجعل الاجتماعات أكثر فعالية وأقل استهلاكًا للوقت، وهذا قد يوفر بيئة أكثر مرونة وكفاءة للأعمال التجارية، خاصة في ظل تحولات السوق العالمية التي تستدعي سرعة اتخاذ القرارات.
ومن هنا، يتضح أن إدارة الاجتماعات لا تقتصر فقط على الاجتماعات الشخصية التقليدية، بل تمتد لتشمل منصات الاجتماعات الرقمية التي تسمح بتبادل الأفكار بسرعة وسهولة دون الحاجة إلى حضور فعلي، وقد يكون هذا هو الحل الأمثل للتحديات التي يواجهها العديد من رجال الأعمال اليوم.
هل نحن بحاجة إلى الاجتماعات؟
ويظل موضوع الاجتماعات أحد المواضيع الشائكة في عالم الأعمال، وبينما يرى البعض أنها عبء إضافي يجب التخلص منه، يعتقد آخرون أنها جزء لا يتجزأ من عملية الإدارة الناجحة، وقد تكون الحقيقة في مكان ما بين هاتين الرؤيتين، حيث تعتمد أهمية الاجتماعات على طريقة إدارتها، والأهداف التي تسعى المؤسسات لتحقيقها.
0 تعليق