قصة أنبا ارشليدس الراهب المجاهد الكنيسة تحتفل بتذكار نياحة القديس

صوت المسيحي الحر 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

في مثل هذا اليوم تنيح القديس أنبا أرشليدس الراهب المجاهد، الذي يعتبر مثالًا حيًّا للجهاد الروحي والإيمان العميق. وُلد القديس في مدينة رومية لأسرة تقية تتبع وصايا الله بكل دقة، إذ كان والده يوحنا ووالدته سنكلاتيكي معروفين بالتقوى والصلاح.

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

قصة أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

حين بلغ أنبا أرشليدس سن الثانية عشرة، فقد والده، ما جعله يواجه الحياة مبكّرًا بقلوب مفعمة بالإيمان. أرادت والدته أن تزوجه ليواصل حياته بشكل طبيعي، لكنه رفض بشدة، متجهًا برغبة نحو حياة تسعى لما هو أبدي وليس زائل. ولإرضائه، اقترحت عليه الذهاب إلى الملك لتولي وظيفة أبيه، وأرسلت معه غلامين ومعهما هدية قيمة لتقديمها للملك.

أثناء رحلته عبر البحر، واجهت السفينة عاصفة هوجاء تسببت في تحطمها بالكامل. لكن بفضل العناية الإلهية، تمسك أنبا أرشليدس بقطعة خشب من حطام السفينة ونجا من الموت غرقًا. عند وصوله إلى الشاطئ، عثر على جثة ألقتها الأمواج إلى الساحل، مما دفعه إلى الغوص في تأملات عميقة حول زوال الإنسان وفناء الدنيا. بدأ يتساءل مع نفسه: ما جدوى التعلق بهذا العالم الفاني؟ ماذا سيبقى منه حين يتحول الجسد إلى تراب؟

قام أنبا أرشليدس، المعروف بجهاده الروحي، بتغيير مسار حياته. بعد أن نهض وصلى إلى السيد المسيح ليقوده إلى الطريق المستقيم، قرر أن يتنازل عن ثروته. قدّم لكل شاب خمسين قطعة ذهبية، وطالبهم بعدم إخبار والدته عن قراراته. بدلاً من التوجه إلى أثينا كما كان مخططًا، اتجه إلى فلسطين، حيث وصل إلى أحد الأديرة التي كان يشرف عليها راهب يُدعى رومانُس. هناك التقى رئيس الدير، الذي شعر بسرعة بنعمة الله التي تعمل داخله. رغم الصعوبات التي أوضحها له الرئيس بشأن طريق الرهبنة، قَبِل أرشليدس بما بدأ به وخصصت له قلاية منفردة.

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد يذهب إلى أحد الأديرة

مع مرور الوقت، ظهر تقشفه وورعه. عندما حان وقت الطعام، اعتذر أرشليدس لأنه لم يعتد أكل الخبز، مكتفيًا ببعض الحبوب والبقول. لاحظ الرهبان نعمة الله الواضحة عليه، فاستطاع أن يكسب محبتهم وثقتهم حتى صاروا يلجأون إليه للاستشارة والنصح.

أما في موطنه الأصلي، فقد ظلت والدته مضطربة بسبب انقطاع أخباره. تملّكها الحزن والقلق وعبرت عن مشاعرها بمزيد من الدموع أثناء بحثها عنه في أثينا دون جدوى. نصحها بعض الأشخاص بفتح بيتها لاستضافة الغرباء لعل أحدهم يقودها إلى ابنها المختفي. ورغم مرور الأيام ومداومة ضيافتها، لم تصل إلى أي خبر عنه. استمر الألم ينهش قلبها، معتقدة أنها كانت السبب وراء فقدانه بعد أن دفعت به إلى ترك الجندية والسفر للحصول على علم أكثر، وهو ما أدخلها في حزن عميق كأنها فقدته بيديها.

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

معجزات أنبا أرشليدس الراهب المجاهد

ذات يوم، بينما استضافت إحدى النساء مجموعة من التجار الغرباء القادمين من فلسطين، لاحظوا أن شخصًا مسّه الشيطان وكان يعاني من نوبات. تدارسوا الفكرة بينهم وقرروا أنه من الأفضل أن يُرسل إلى فلسطين، إلى دير الأب رومانُس، حيث يمكن للراهب أرشليدس أن يصلي عليه ليشفى. كانت الأم تستمع إلى حديثهم بانتباه شديد، وبدأت تشعر بأن الراهب الذي يتحدثون عنه قد يكون ابنها. وعندئذ طلبت منهم أن يخبروها كيف تصل إليه، حيث كانت تعاني من مرض في جسدها دام لاثنتي عشرة سنة دون أن يتمكن الأطباء من علاجها. أخبرها أحدهم أن الرحلة صعبة والمسافة شاقة، لكنها عندما أبدت إصرارها، أخبرها أن الراهب لا يلتقي بالنساء، لكنه يصلي على زيت يُرسل للمريضة لتدهن به جسدها فتشفى.

جمعت الأم مدخراتها كافة وتوجهت بها إلى أسقف روما، وسلمته المال قائلة إنها تشعر أن صلاتها قد استجيبت وإن الله أرشدها إلى مكان ابنها الذي أصبح راهبًا في فلسطين. أعربت عن رغبتها في الذهاب إليه وأعلنت أنها تترك كل أموالها بين يديه للتصرف فيها بما يراه مناسبًا وللصلاة من أجلها.

بعد معاناة كبيرة وصلت الأم إلى فلسطين، وقد نسيت كل تعبها عند اقتراب لحظة لقاء ابنها. حين وصلت إلى دير الأب رومانُس طرقت الباب والتقت بالراهب المسؤول عنه، وطلبت رؤية الراهب أرشليدس. اعتذر لها المسؤول موضحًا أن أرشليدس لا يقابل النساء أبدًا. لكنها توسلّت إليه برسالة، تطلب منه أن يخبر الراهب: “إن أمك تقف عند الباب وترغب في رؤيتك قبل وفاتها”.

سنوات مضت قبل هذه اللحظة، عندما انقطعت أخبار ابنها عنها، شعرت الأم بقلق واضطراب شديدين. بدأت تسأل عنه بدموع في مدينة أثينا لكنها لم تحصل على أي معلومة عنه. نصحها البعض بأن تفتح منزلها لاستقبال الغرباء علّ أحدهم يزودها بأخبار عن ابنها. على الرغم من مرور الأيام دون نتيجة، لم تفقد الأمل. كانت تلوم نفسها باستمرار وتشعر أنها السبب في دفعه للرحيل إلى أثينا لمتابعة العلم بعد أن ترك الحياة العسكرية، معتقدة أنها بذلك أرسلت ابنها للضياع أو الموت بيديها.

فلم يحتمل أنبا ارشليدس الراهب المجاهد هذه الكلمات فطلب من الراهب أن يسمح لها بالدخول، وكانت عيناه تزرفان الدموع. و ركع أرشليدس ليصلي طالبًا من الله ألا يتخلى عنه، وأن يأخذ نفسه في يديه ليلتقي معه، وإذ دخلت الأم على ابنها وجدته قد فارق الحياة، فبكت بمرارة نادمة على إلحاحها في مقابلته وسألت الرب أن يأخذ نفسها مع ابنها، وبالفعل ركعت الأم بجوار جسد ابنها لتُسلم الروح.

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

سيرة القديس أنبا ارشليدس الراهب المجاهد

و لما اجتمع الرهبان حول الأب القديس أنبا ارشليدس الراهب المجاهد وأمه ليسمعوا من الراهب المسئول عن الباب ما قد جرى، وكانت دموعهم لا تتوقف من أجل هذا الأب العجيب في محبته لله. عندما حاول الرهبان دفن الجسدين، دبّ الخلاف بينهم حول ما إذا كان من الصواب دفنهما معًا أم لا. وبينما كانوا يناقشون الأمر، سمعوا صوتًا ينبعث من جسد القديس أرشليدس، يقول: “أطلب منكم، يا إخوتي، أن تضعوا جسدي بجانب جسد أمي، لأنني لم أسمح لها برؤيتي ونحن على قيد الحياة. أما الآن، وقد فارقت هذا العالم، فاتركوا الجسدين معًا.” وقد كرم الله القديس أرشليدس بعشرات الآيات والعجائب.

كانت الأم قد توسلت لأحد الأشخاص أن يذهب ويخبر ابنها برسالة تقول: “ها هي أمك تنتظرك على الباب، راغبة في رؤيتك قبل أن ترحل عن هذا العالم.” لكن مع مرور الوقت وانقطاع الأخبار عنه، اشتد قلقها واضطربت نفسها. دأبت تبحث عنه بحسرة ودموع في أثينا، لكن دون جدوى. نصحها البعض بفتح بيتها لاستضافة الغرباء على أمل أن يُدلي أحدهم بمعلومات قد تقودها إليه. ومع ذلك، الأيام مرّت دون أن يصلها خبر أو تجد أي أثر له، وظلت غارقة في الحزن، تلوم نفسها بأنها دفعته إلى موته حين شجعته على ترك الجندية والسفر إلى أثينا لطلب المزيد من العلم.

ذهب الراهب ليخبر الأب أنبا ارشليدس الراهب المجاهد بما حدث، فأصابه الارتباك وتملكت الحيرة نفسه. ركع يصلي طالبًا المدد من الله، متذكرًا وعده ألا يرى أبدًا وجه امرأة. طلب من الراهب أن يعود إلى الأم ليخبرها بأنه لا يستطيع مقابلتها، وإن كانت ترغب، فيمكنها الترهّب في أحد أديرة النساء.

لكن الأم ردت بكلمات محملة بالألم والرجاء: “أخبره أنني تكبدت مشاق الطريق وعانيت أهوال البحر، أنا التي حملته وتسهر لأجله ليلًا ونهارًا. أرجوك أن تستجيب لصلاتي وتسمح لي بدقائق ألقاه فيها، فهو سلوى قلبي وعزائي الوحيد”.

نقل الراهب كلمات الأم إلى أنبا ارشليدس الراهب المجاهد ، لكنه تمسك بعهده مع الرب، وقال للراهب أن يبلغها بأن الله سيعوّضها عن تعبها، لكنه لن يستطيع مخالفة نذره. ومع ذلك، لم تهدأ الأم، وهددت قائلة إنه إن رفض مقابلتها فسترحل إلى البرية، وسيضعها بين أنياب الوحوش، ويُسأل عنها يوم الحساب.

سافرت الأم إلى فلسطين رغم كل الصعاب التي واجهتها حتى بلغت دير الأب رومانُس. نسيت أوجاع الطريق لحظة تفكيرها بأنها قد تتمكن من رؤية ابنها. وعندما وصلت إلى الدير، طرقت الباب وطلبت من الراهب المسؤول لقاء ابنها أرشليدس. لكنه اعتذر لها بأدب شديد وأخبرها أنه لا يقابل النساء.

بدموع غزيرة توسلت الأم أن يبلّغه قائلة: “أمك تقف الآن عند الباب تريد أن تراك ولو لمرة قبل أن تغادر هذه الحياة”.

مع مرور الأيام وانقطاع أخبار ابنها، ازدادت اضطرابًا وحزنًا في أثينا. حاولت مرارًا وتكرارًا السؤال عنه بلا جدوى، فاقترح عليها بعض الناس أن تفتح بيتها كمكان يستضيف الغرباء والمحتاجين عسى أن تحصل على أخبار عنه بواسطة أحدهم. لكن رغم محاولاتها الكثيرة، بقِي المصير مجهولًا. لم تستطع الأم تهدئة قلبها، تلوم نفسها على أنها دفعت ابنها للموت بيديها عندما شجعته على ترك حياة الجندية والسفر إلى أثينا لمتابعة العلم.

إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق