تذكار نياحة القديس الأنبا يوساب الأبح.. في مثل هذا اليوم من عام 1826 ميلادي، انتقل إلى السماء الأب القديس والعالم الجليل الأنبا يوساب الأبح، أسقف جرجا وأخميم المعروف بلقب “الأبح”. عاش الأنبا يوساب خلال فترة تمتد من منتصف القرن الثامن عشر حتى الربع الأول من القرن التاسع عشر، حيث عايش مرحلة عصيبة اتسمت بالصراعات العنيفة بين المماليك والأتراك، إلى جانب الحملة الفرنسية على مصر. شهدت البلاد حينها حالة من الفوضى في ظل غياب حاكم يهتم بمصلحتها. يُعد الأنبا يوساب أحد أعلام اللاهوت في الكنيسة، وتميز بفكره اللاهوتي العميق وحرصه الشديد على الحفاظ على الإيمان القويم. إلى جانب ذلك، اشتهر بروحانياته العميقة، نسكه، وفضائله التي أظهرت شخصيته المتميزة. وقد سمح الله بأن يحافظ جسده الطاهر على حاله إلى يومنا هذا، ليبقى شاهدًا على قداسته.
نبذة عن القديس الأنبا يوساب الأبح
وُلد الطفل يوسف عام 1735 في قرية النخيلة بمحافظة أسيوط، لأسرة بارّة أمام الله. كان والده من أثرياء القرية، معروفًا بالتقوى وعطفه على المساكين والفقراء، وكانت الأسرة تُلقب بـ”الأبَحّ”. هناك من يعتقد أن هذا اللقب أُطلق بسبب بحة في صوته، لكن الكثيرين ينفون ذلك، إذ إنه لو كان الأمر صحيحًا لما استطاع رثاء المعلم إبراهيم الجوهري يوم وفاته في 31 مايو 1795 داخل كنيسة السيدة العذراء بحارة الروم، أمام حشد من وجهاء البلاد والأراخنة وعلى رأسهم حاكم مصر إبراهيم بك.
تلقى يوسف تعليمه الأولي، حيث تعلم مبادئ القراءة والكتابة إلى جانب اللغة القبطية، كما حفظ كتاب المزامير وأصبح يتلوه بخشوع وهيبة في كل حين. ودرس أيضًا الكتاب المقدس، ما انعكس على شخصيته وتعليمه الروحي. بالإضافة إلى ذلك، ساعد والده في أعمال الزراعة، واشتهر بمحبته وبساطته وتواضعه. كان مواظبًا على الذهاب إلى الكنيسة والمشاركة في الأسرار المقدسة، مما زاد قلبه امتلاءً بمحبة التكريس ورغبة في الزهد عن العالم. ومع مرور الوقت، اتجه نحو حياة الصوم والنسك، وقضى لياليه في الصلاة والسهر مجاهدًا لخلاص نفسه.
القديس الأنبا يوساب الأبح إلى دير القديس الأنبا أنطونيوس
اتجه القديس الأنبا يوساب الأبح إلى دير القديس الأنبا أنطونيوس، حيث استقبله الأب إبراهيم الأنطوني، رئيس الدير، بترحيب كبير وباركه. طلب الأب إبراهيم من الآباء الشيوخ أن يختبروه لفترة من الزمن. بعد انقضاء هذه الفترة، أجمعت آراء الشيوخ على تزكيته بسرور. عاش يوسف بين الرهبان بفرح القلب، محققًا محبتهم وثقتهم. كان يخدمهم بروح المودة، فقاموا بالصلاة من أجله وألبسوه ثياب الرهبنة، ليصبح معروفًا باسم يوسف الأنطوني.
القديس الأنبا يوساب الأبح عاصر خمسة بطاركة
خلال حياته، عاصر القديس الأنبا يوساب الأبح خمسة بطاركة جلسوا على كرسي مار مرقس:
1. وُلد في عهد قداسة البابا يوأنس السابع عشر (105) الذي خدم بين عامي 1727 و1745 ميلاديًا.
2. التحق بالدير خلال فترة البابا مرقس السابع (106) الذي تولى منصبه من 1745 إلى 1769 ميلاديًا.
3. تمت سيامته أسقفًا على يد البابا يوأنس الثامن عشر (107) الذي خدم بين 1769 و1796 ميلاديًا.
4. شارك في اختيار البابا مرقس الثامن (108) وتنصيبه، وشهد جنازته أيضًا، حيث ألقى مرثاة عدّد فيها فضائله المميزة. وقد تولى البابا مرقس الثامن الكرسي البطريركي بين عامي 1796 و1809 ميلاديًا.
5. ساهم في اختيار البابا بطرس الجاولي السابع (109) وتنصيبه بطريركًا، الذي امتدت خدمته من 1809 إلى 1852 ميلاديًا.
نياحة القديس الأنبا يوساب الأبح
مع تقدم العمر وتحمله أعباء الشيخوخة، إذ بلغت سنواته واحدًا وتسعين عامًا قضاها مخلصًا في خدمة الكنيسة التي أحبها، استقر في دار البطريركية بالقاهرة ضيفًا لدى البابا بطرس. ومع ذلك، كان يرغب بشدة في أن يقضي أيامه الأخيرة بدير الأنبا أنطونيوس. توجه إلى الدير، وبعد قضائه بضعة أيام هناك، أسلم روحه الطاهرة ليد الرب في 17 طوبة سنة 1542 ش، الموافق 24 يناير 1826 م. قام الرهبان بتجهيز جثمانه ودفنه بكل وقار. وقد امتدت حياته لمدة إحدى وتسعين سنة، قسّمها بين خمس وعشرين سنة قبل الرهبنة، وإحدى وثلاثين سنة في حياة الدير، وخمس وثلاثين سنة في خدمة الأسقفية.
بمرور عدة سنوات على وفاته، وجد الرهبان جسد القديس الأنبا يوساب الأبح سليمًا دون أي أثر للفساد. ولهذا قاموا بإخراجه من المقبرة ووضعوه بعناية في مقصورة داخل كنيسة الدير. وقد أعطت الكنيسة هذا الأب الجليل والعالم اللاهوتي الموقر مكانة مميزة، حيث خصصت يوم رحيله كتذكار يحتفل به وسجلته في السنكسار تخليدًا لعطاءاته ومحبته العميقة للكنيسة.
0 تعليق