شبكة توزيع الكهرباء في سوريا ومقارنة مع مصر والأردن.. ما القصة؟

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

مثّلت شبكة توزيع الكهرباء في سوريا، قبل الحرب التي اندلعت عام 2011، عصب الحياة الاقتصادية والاجتماعية؛ إذ كانت تغطي نحو 99% من السكان.

ووفقًا لبيانات طالعتها منصة الطاقة المتخصصة (مقرّها واشنطن)، كانت شبكة نقل الكهرباء السورية الرئيسة، في عام 2010، تتكوّن من خطوط بطول 5 آلاف و719 كيلومترًا، وجهد 230 كيلو فولت، وخطوط توتر عالٍ بطول ألف و594 كيلومترًا، وجهد 400 كيلو فولت.

ومع ذلك، عانت شبكة توزيع الكهرباء في سوريا مشكلات بنيوية أثرت في كفاءتها؛ إذ شكلت الخسائر التقنية وغير التقنية خلال السنوات الـ5 السابقة للحرب، أكثر من 20% من إجمالي الإنتاج، ما يفوق المعدلات العالمية البالغة نحو 10% فقط.

على سبيل المثال، بلغت ذروة الطلب على الكهرباء في سوريا، في صيف عام 2010، نحو 8 آلاف و600 ميغاواط؛ ما أدى إلى انقطاعات متكررة بسبب الأحمال الزائدة على الشبكة في ذلك الصيف.

وفي المدة نفسها، وصل إجمالي القدرة المركّبة لتوليد الكهرباء في سوريا إلى 9344 ميغاواط (الاستطاعة الاسمية)، توفّر منها فقط 7 آلاف و200 ميغاواط؛ إذ يُعزى هذا الفارق إلى خسائر الإنتاج التقنية في التوربينات وطرق النقل ذات التكنولوجيا القديمة.

شبكات النقل والتوزيع السورية

في عام 2010، قدّر تقرير صادر عن البنك الدولي بالتعاون مع وزارة الكهرباء السورية بشأن التوقعات المستقبلية، أن البلاد بحاجة إلى استثمار نحو 11 مليار دولار في قدرة إنتاجية جديدة تبلغ 7 آلاف ميغاواط، حتى عام 2020، مشيرًا إلى ضرورة توسيع شبكة توزيع الكهرباء في سوريا.

كذلك قُدِّمت اقتراحات أخرى لتلبية الطلب المتزايد؛ منها توسيع مزيج التوليد، وتحسين شبكة النقل، وزيادة الربط الإقليمي.

وتكشف هذه الأرقام عن ضعف الاستثمار في تطوير البنية التحتية لشبكات النقل والتوزيع؛ إذ تركزت أغلب الاستثمارات في توسيع الإنتاج بدلًا من تحديث شبكات النقل؛ ما أدّى إلى مشكلات مزمنة تفاقمت خلال سنوات الصراع.

عمال يصلحون أعطالًا بشبكة توزيع الكهرباء في سوريا
عمال يصلحون أعطالًا بشبكة توزيع الكهرباء في سوريا - الصورة من موقع وزارة الكهرباء السورية

وبلغت قدرة النقل لخطوط التوتر العالي 1078 ميغاواط في 2011، وهي قيمة صغيرة نسبيًا، ومع ذلك، شكّل قطاع الكهرباء ركيزة للاقتصاد السوري؛ إذ وُفِّرت بتكلفة منخفضة نسبيًا، وحققت تغطية واسعة.

وفي هذا السياق، سجّلت المؤسسة العامة لتوزيع واستثمار الطاقة الكهربائية، عام 2010، قرابة 5.4 مليون مشترك، حصل كل منهم على دعم سنوي بقيمة 320 دولارًا.

لكن الأوضاع تغيرت جذريًا مع اندلاع الحرب؛ إذ عمدت الأطراف المتنازعة إلى قصف محطّات الكهرباء مباشرة، وتعرّضت شبكة توزيع الكهرباء في سوريا لأضرار جسيمة شملت تدمير محطات توليد وخطوط نقل وأبراج، كما أسهمت العقوبات الدولية في تعقيد عمليات الصيانة واستيراد المعدات اللازمة، ما أثر في استقرار الشبكة.

وأبرزت تلك التحديات ضرورة البحث عن حلول لتحسين الأداء وزيادة الكفاءة، بما يشمل تعزيز الربط الإقليمي وإعادة تأهيل البنية التحتية، ومع ذلك، فإن تعافي قطاع الكهرباء السوري يتطلب استثمارات ضخمة، وخططًا إستراتيجية تعالج المشكلات التقنية والمالية.

تحديات التوزيع

تُعد تحديات التوزيع في سوريا من أبرز العقبات أمام استقرار إمدادات الكهرباء، وتشكل الخسائر التقنية وغير التقنية عبئًا كبيرًا على الشبكة، إذ تُقدّر الخسائر التقنية بثلثي الإجمالي بسبب ضعف كفاءة خطوط النقل، والبنى التحتية القديمة.

علاوة على ذلك، أدّت الصراعات المسلحة دورًا كبيرًا في تفاقم هذه المشكلات، إذ دُمّرَت، خلال سنوات الحرب، 3 محطّات أساسية لتوليد الكهرباء، وهي محطة حلب الحرارية في عام 2015، ومحطة زيزون في إدلب عام 2016، ومحطّة التيم بدير الزور عام 2017.

وكانت القدرة الاسمية لهذه المحطات مجتمعةً، قبل الصراع، تبلغ ألفًا و706 ميغاواط، أي ما نسبته نحو 18.25% من إجمالي الإنتاج الوطني.

تدمير محطة زيزون الحرارية لتوليد الكهرباء
تدمير محطة زيزون الحرارية لتوليد الكهرباء - أرشيفية

في المقابل، بقيت 8 محطات من أصل 11 محطّة تعمل بالوقود الأحفوري في الخدمة جزئيًا أو بشكل كامل خلال المعارك، وكذلك طالت الهجمات محطات محردة والزارة وتشرين، إلا أن الأضرار التي طالت تلك المحطات كانت أقلّ حدّة.

وبقيت السدود الكهرمائية الـ3، الطبقة وتشرين والبعث، تعمل جزئيًا على الرغم من الصيانة غير المنتظمة والإهمال، غير أن اتصالها بالشبكة شهد انقطاعات متكررة.

كذلك استُهدِفَت خطوط النقل وتعرّضت للنهب والسرقة، وفي عام 2019، أعلنت المؤسسة العامة لتوليد الكهرباء تعرّض 165 برجًا من أبراجها، البالغ عددها 345، للتدمير أو الضرر أو السرقة.

هذا وتسبّبت الأضرار التي لحقت بخطَّي التوتر العالي بجهد 400 و230 كيلو فولت بنشوء دارات معزولة، وبفصل محطات الكهرباء الأكبر حجمًا عن باقي الشبكة، والمناطق الحضَرية عن المولّدات في المناطق الريفية التي غالبًا ما كانت تحت سيطرة قوات المعارضة.

كما استُهدفت خطوط أنابيب الغاز المغذية لمحطات التوليد، مثل خط الغاز العربي الذي انقطع خلال عام 2014؛ ما تسبب بانقطاعات واسعة النطاق في دمشق.

ولم تتوقّف التحديات عند البنية التحتية فقط؛ فالطلب المتزايد على الكهرباء، الذي شهد نموًا سنويًا بنسبة 7.5% قبل الحرب، تفاقم بسبب غياب سياسات فعالة للحفاظ على الطاقة.

تطوير شبكة توزيع الكهرباء في سوريا

رغم الظروف الصعبة؛ فلا تزال الجهود قائمة من أجل تطوير شبكة توزيع الكهرباء في سوريا؛ إذ تحتاج إلى إعادة بناء شاملة تتضمن تحسين كفاءة خطوط النقل وإنشاء محطات تحويل جديدة.

وتقدر تكلفة إصلاح أو استبدال محطات التحويل بجهد 400/230/66 كيلو فولت بنحو 24 مليون دولار لكل وحدة، في حين تصل تكلفة بناء الكيلومتر الواحد من خطوط التوتر العالي إلى 120 ألف دولار.

الكهرباء في سوريا
محطة كهرباء في سوريا - أرشيفية

فضلًا عن ذلك؛ فالتحديات الاقتصادية والمالية ليست هي العائق الوحيد أمام تطوير شبكة توزيع الكهرباء في سوريا، فالعقوبات المفروضة تعرقل استيراد قطع الغيار والمعدات اللازمة للصيانة وتحظر الاستثمارات الأجنبية.

ومع ذلك، هناك فرص لإعادة بناء قطاع الكهرباء بالتعاون مع شركاء دوليين، ولا سيما في مجالات الطاقة المتجددة والربط الإقليمي، فعلى المستوى الإقليمي، هناك مشروع الربط الكهربائي العربي، كما ترتبط شبكة النقل السورية بشبكات الكهرباء العراقية والأردنية واللبنانية والتركية عبر 9 وصلات بينيّة.

ورغم تعثر بعض هذه المشروعات بسبب الصراعات؛ فإنها تظل أملًا لتحقيق التكامل الإقليمي وتعزيز استقرار شبكة توزيع الكهرباء في سوريا.

مقارنة مع دول العربية

مقارنة مع دول عربية أخرى، تبدو تحديات توزيع الكهرباء في سوريا أكثر تعقيدًا بسبب آثار الصراع، فبينما تمكنت دول مثل مصر والأردن من تطوير شبكاتها بفضل استثمارات كبيرة ومساعدات دولية، تراجعت سوريا بسبب الدمار والعقوبات.

ونجحت القاهرة في تعزيز شبكاتها من خلال مشروعات طموحة للطاقة المتجددة، كما شهد قطاع الكهرباء في الأردن طفرة كبيرة، خلال العقد الماضي، بدعم من الطاقة المتجددة، التي يُستهدف رفع مساهمتها في مزيج الكهرباء إلى 50%، بحلول عام 2030، في المقابل واجهت سوريا صعوبات حتى في صيانة البنية التحتية القائمة.

الخلاصة

تقف شبكة توزيع الكهرباء في سوريا أمام مفترق طرق؛ فالتحديات الناجمة عن تدمير البنية التحتية والنقص في الاستثمارات تجعل من تطوير الشبكة مهمة معقدة.

ومع ذلك؛ فإن التركيز على خطط طويلة الأجل تشمل تحديث البنية التحتية والاعتماد على الطاقة المتجددة يمكن أن يمهّد الطريق لتحسين الكفاءة وضمان استقرار الإمدادات، وهو ما يتطلب دعمًا دوليًا وإقليميًا لتجاوز العقبات المالية والتقنية.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

المصدر..

  1. دراسة بحثية بعنوان "قطاع الكهرباء في سوريا بعد عقد من الحرب: تقييم شامل" من جامعة "EUI" الإيطالية
إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق