قدم أساتذة وباحثون مهتمون بالشأن البرلماني والدستوري قراءات أكاديمية متباينة لاعتبار رئيس مجلس النواب، راشيد الطالبي العلمي، إثارة موضوع تدبير النقل الحضري بالغرفة الأولى للبرلمان “خرقا للدستور، بما أنه اختصاص للجماعات الترابية”، رغم أن النواب أيدوا “كون الفصل في مجالات أسئلة النواب، وبالتبعية مداخلاتهم وتعقيباتهم، لم يتناوله الدستور، بل نظمه النظام الداخلي للمجلس، مثلما هو الشأن بالنسبة لأسئلة المستشارين، التي يحدد مجالات كل منها النظام الداخلي للغرفة الثانية”.
مصدر مطلع كان أفاد هسبريس بأن “لجنة الأخلاقيات ستنظر في اللغة التي استعملتها النائبة في مخاطبة السلطة الحكومية، وعلى هذا الأساس ستوجه تنبيها”، ما يعني أن الإحالة لم تكن بسبب تطرق البرلمانية عن حزب جبهة القوى الديمقراطية، ريم شباط، “للحالة الكارثية لحافلات النقل الحضري بفاس” خلال مداخلتها ضمن الجلسة العامة للأسئلة الشهرية الموجهة إلى رئيس الحكومة يوم الاثنين الماضي.
غير أن رفض العلمي إثر ذلك “التعدي على اختصاصات الجماعات الترابية”، واعتباره “حديث شباط خرقا للدستور”، لم يكن ليمر بشكل عادي، بما أنه “يسائل، إضافة إلى منطلقاته، الأسس التي يجيب بموجبها الوزراء، وبينهم وزير الداخلية، على أسئلة البرلمانيين ذات الصلة باختصاصات الجماعات من قبيل الإنارة العمومية والماء والتطهير السائل”.
“براءة الدستور”
قال أحمد البوز، أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بكلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية السويسي، إن “الأمر لا يتصل بتاتا بخرق الدستور من عدمه؛ فالوثيقة الدستورية تخول للنائب البرلماني الحق في طرح السؤال، ولا تنظم مجالاته”، مشيرا إلى أن “ما يجب الرجوع إليه في هذا الصدد هو النظامان الداخليان لمجلسي البرلمان، اللذان ينظمان ميادين الأسئلة الكتابية والشفهية”.
وأورد البوز، ضمن تصريح لهسبريس الإلكترونية، أن “ما درجت عليه الممارسة، بالاستناد إلى مقتضيات النظامين، هو أن الأسئلة الشفهية تتجنب تناول القضايا الشخصية وذات الطابع المحلي المحض، إلى طرح تلك التي تكون ذات بعد عام وطني ولها وقع عام كذلك”، مبرزا أن “المسائل المتصلة بالدائرة الانتخابية للنائب المعني يحتويها السؤال الكتابي”.
وزاد موضحا أن “هذا الأمر مرده إلى وجود حرص من لدن البرلمانيين عادة على طرح أسئلة تهم الدوائر الانتخابية الخاصة بهم، وهو شيء طبيعي مرتبط بدوافع انتخابية قد تكون مشروعة”، مسجلا أن “المساءلة الشفهية خلال جلسات المجلسين يجب أن تتصل بقضايا الرأي العام والبعد والطني؛ نظرا لأن البرلماني حين يثيرها يفعل ذلك بصفته ممثلا للأمة، وليس للدائرة التي انتخبته”.
واستدرك أستاذ القانون الدستوري والعلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط بالتساؤل: “إذ تجاوزت قضية ما حدود جماعة ترابية وغدت موضوع رأي عام ويثيرها الإعلام وطنيا، إلخ، ما الذي يمنع من طرحها داخل الجلسة؟”، موضحا أن “النظام الداخلي للنواب يتحدث عن القضايا ذات البعد أو الطابع المحلي، ولكن لا يمكن الحسم في هذا الجانب، بما أن هناك قضايا قد تبدأ بشكل محلي محض إلا أنها تكتسب صدى وطنيا”.
وقال البوز إن “المشرع المغربي نظم مجالات الأسئلة البرلمانية بالنظر إلى سوابق عدة، منها أنه في وقت ما هناك من طرح أسئلة تتصل بشخص ضرب زوجته”، بتعبيره.
وعلاقة بموضوع النقل الحضري، ذكر الأستاذ الجامعي أن “مثل هذه القضايا يمكن أن توجه في إطار الأسئلة الكتابية إلى وزير الداخلية؛ نظرا لأن له سلطة الرقابة على الجماعات الترابية”، خالصا إلى أنه “في نهاية المطاف، هذه الإشكاليات التي نحن بصددها لا يمكن الحسم فيها بشكل نهائي ودقيق؛ فحتى تعريف المشرع المغربي للسؤال البرلماني هو اجتهاد منه وتقدير”.
“انتفاء الخرق”
نفى جواد لعسري، أستاذ جامعي مهتم بتدبير الجماعات الترابية، “وجود خرق دستوري في إثارة النائبة البرلمانية ريم شباط إشكالية النقل الحضري بفاس داخل الجلسة المذكورة، ما دام أنها تتعلق بتدبير الشأن العام، عدا أن كثيرا من الأسئلة الكتابية التي يطرحها النواب البرلمانيون في مجالات تدخل ضمن اختصاصات الجماعات الترابية، مثل الماء والتطهير السائل والإنارة العمومية، تتم الإجابة عنها من قبل الحكومة”.
واستحضر لعسري، في تصريح لهسبريس، أن “وزير الداخلية يتفاعل دائما مع الأسئلة المتصلة بتدبير النقل الحضري في الجماعات الترابية، وآخر مرة أجاب فيها عن هذه الأسئلة كانت بالجلسة العامة للأسئلة الشفهية بمجلس المستشارين يوم الثلاثاء”.
ولدى إثارة الجريدة ملاحظة كون قطاع النقل الحضري يندرج ضمن اختصاصات الوزير، أورد لعسري أن “الجماعات الترابية رغم أنها تدبر النقل الحضري، إلا أنها في نهاية المطاف تفعل ذلك بمواكبة من لدن وزارة الداخلية، وهي لا تخضع للحرية والاستقلالية التامتين في ما يتصل بالتدبير”.
وشدد على أنه “بصرف النظر عن اللغط القانوني والدستوري، يتعين شرح وإنهاء التناقض الحاصل بين إجابة الحكومة عن الأسئلة المرتبطة بقضايا الجماعات الترابية، واعتبار رئيس مجلس النواب أن التداول في شأن هذه القضايا ليس من اختصاصات مجلس النواب”.
وذكر الأستاذ الجامعي نفسه أن “العلمي لم يوضح أساسا مكمن الخرق في الدستور؛ فحتى النصوص الدستورية التي استدل بها، تتحدث عن التدبير الحر”، مبرزا أنه “لم يفد بأي نص دستوري أو تنظيمي ينص صراحة على أن كل قضية أو موضوع ما يتعلق بالجماعات الترابية لا يمكن أن يتم طرحهما أو التداول بشأنهما من قبل البرلمانيين داخل جلسات مجلس النواب”.
وخلص إلى أن “إعلان العلمي الإحالة على لجنة الأخلاقيات كان عاما، ولم يستند حتى إلى النظام الداخلي لمجلس النواب”.
0 تعليق