أمام ما بتنا نلاحظه في السنوات الأخيرة من انعدام الضمير لدى البعض ممن يعوزهم الوازع الديني والأخلاقي في معاملاتهم اليومية، ويتهافتون على الربع السريع وغير المشروع عبر شتى الوسائل المتاحة، على حساب صحة وسلامة المواطنات والمواطنين المغاربة، في ظل غياب المراقبة الصارمة من لدن الجهات المسؤولة والضرب بيد من حديد على المفسدين، لم تنفك بعض المظاهر السلبية تتناسل بشكل لافت داخل المجتمع المغربي وفي مقدمتها ممارسة الغش في المواد الغذائية، خاصة ما يتعلق بمادة اللحوم، ومنها لحوم الدجاج والكلاب والقطط والحمير والبغال.
إذ كثيرا ما تسببت ظاهرة بيع اللحوم غير الصالحة للاستهلاك من قبيل الدجاج النافق ولحوم الكلاب والحمير في انزعاج المواطنين واستفزاز مشاعرهم، وأثارت موجة من الشجب والغضب في صفوف الساكنة هنا وهناك في ربوع المملكة، لاسيما بعد أن تم في الأيام الأخيرة ضبط كميات كبيرة من عظام كلاب مجمدة في أحد الأحياء الكبيرة بالعاصمة الاقتصادية، مما أدى إلى استنفار السلطات المختصة، التي بادرت إلى القيام بما يلزم من تحريات لمعرفة الجناة الواقفين خلف هذه الجريمة الشنعاء التي من شأنها أن تعرض المواطنين لحالة من التسمم الغذائي الحاد.
ففي مشهد مرعب عثر مواطنون على بقايا كلاب بالقرب من إحدى حاويات القمامة في الدار البيضاء، مما جعل السكان يهرعون إلى إشعار الدوائر المختصة من أجل القيام بما يتعين عليها من إجراءات. وليست هذه المرة الأولى التي يتم فيها رصد بقايا حيوانات محرم شرعا وقانونا ذبحها وأكلها كانت موجهة للبيع، وهي التجارة التي ازدهرت بشكل مثير خلال الشهور الأخيرة في ظل ما باتت تعرفه أسعار اللحوم الحمراء والبيضاء من ارتفاع قياسي غير مسبوق، حيث أنه غالبا ما توجه مثل هذه البضاعة الفاسدة إلى أصحاب العربات المجرورة من باعة الأكلات الخفيفة والمطاعم والمقاهي والأسواق الشعبية.
وطالما سارع عدد من النشطاء إلى التفاعل مع هذه الأحداث المؤسفة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، الذي ما فتئوا يوجهون انتقادات حادة للحكومة، التي ساهمت في تنامي مظاهر الغش في عديد المواد الغذائية، بعد أن كان الأمر محصورا في حالات معزولة، إثر تفشي الفساد في تدبير القطاع وما باتت تعرفه بلادنا من غلاء فاحش أنهك القدرة الشرائية للمواطنين، فضلا عن ضعف الحملات التمشيطية وغياب الحزم والصرامة ضد مخالفي القوانين المعمول معها، الذين يقتضي الأمر محاكمتهم وتجريدهم من رخصهم التجارية، للحد من انتشار هذه الظاهرة المقلقة، وحماية المستهلكين وضمان سلامتهم.
فكيف لا يعم الذعر بين المواطنين المغاربة وخاصة الفقراء منهم وهم يتلقون من حين لآخر أخبارا عن ضبط كميات كبيرة من اللحوم الفاسدة في مدنهم؟ إذ مازال الكثيرون منهم يذكرون على سبيل المثال لا الحصر، كيف أن فرقة من الدرك الملكي في منطقة بوسكورة بمدينة الدار البيضاء تمكنت في أواخر السنة الماضية 2024 من توقيف شبكة إجرامية خطيرة متخصصة في بيع الدجاج النافق لمنظمي الحفلات والأعراس وعدد من مطاعم الوجبات السريعة، كانت تنشط في مختلف المدن والأقاليم المغربية والترويج للحوم الدجاج الفاسدة، دون أدنى اكتراث بما لذلك من آثار وخيمة على صحة وسلامة المواطنين.
وفي هذا السياق علينا ألا ننسى أن الأديان السماوية والأنظمة القانونية وضعت قواعد ونظم تحكم حركة التجارة وتنظم تصريف البضائع في الأسواق والمحلات التجارية، بيد أن الجشع كثيرا ما يدفع ضعاف النفوس ومنعدمي الضمير من تجار وشركات ومنتجين وغيرهم إلى محاولة الكسب السريع وغير المشروع، من خلال ممارسة الغش بشتى الوسائل الممكنة والمختلفة.
من هنا وسعيا إلى حماية المستهلك أبت التشريعات الوضعية الحديثة إلا أن تبادر إلى إقرار قوانين زجر الغش في مختلف البضائع، الذي عرفه المغرب في المعاملات التجارية بموجب قانون رقم 13.83 المتعلق بذات الموضوع الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 108.83.1 بتاريخ 9 محرم 1405، كما تم تغييره بالقانون رقم 31.08 الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم: 03.11.1 بتاريخ 14 ربيع الأول 1432 (18 فبراير 2011)
ودون الدخول في مزيد من التفاصيل، نكتفي بالإشارة إلى أن المشرع المغربي سن عقوبات صارمة لردع كل من ثبت تورطه في ترويج منتجات فاسدة أو سامة أو انتهى أجل صلاحيتها. ويعاقب بالحبس من ستة شهور إلى خمس سنوات وبغرامة من 1200 درهم إلى 24 ألف درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط، كل من يحوز دون سبب مشروع مواد غذائية يستهلكها الإنسان أو الحيوان أو مشروبات أو منتجات فلاحية أو طبيعية يعلم أنها مزيفة أو فاسدة أو سامة، مواد مستعملة للمداواة مزيفة أو فاسدة أو انتهى أجل صلاحيتها، وغير ذلك من البنود القانونية…
إننا مطالبون جميعا في الأسواق والمطاعم وغيرها من الأماكن التي تعرض فيها اللحوم الفاسدة وغيرها من المواد الغذائية والمشروبات للبيع، بتوخي الحذر ومواجهة هذا الخطر الذي يتهدد صحتنا وسلامتنا. وعلى السلطات المعنية الحرص على الاضطلاع بدورها في مراقبة الجودة والسلامة الصحية للمواد الغذائية من مأكولات ومشروبات وتأهيل مكاتب حفظ الصحة، مع سحب المنتجات غير المستوفية للشروط الصحية، ودعوة كافة المنتجين والموزعين وأصحاب المطاعم والمقاهي إلى احترام المساطر القانونية المعتمدة في مجال الوقاية وحفظ الصحة، من أجل حماية المستهلك من مخاطر التسممات الغذائية.
0 تعليق