أحيت الاستعدادات الجارية بالمملكة المغربية لاحتضان تظاهرات رياضية دولية كبرى، كلفت عشرات ملايين الدراهم من الميزانية العامة للدولة، الدعوات إلى إحداث “المجلس الأعلى للرياضة”، من أجل تذليل التحديات التي تتخلل القطاع الرياضي بالمغرب، لاسيما تلك المرتبطة بضمان الحكامة والشفافية ومكافحة الفساد ودقة التخطيط الإستراتيجي.
رفعُ المطلب المذكور تكفلت به هذه المرة الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الرياضة، التي دعا مكتبها التنفيذي إلى “إحداث ‘المجلس الأعلى للرياضة’ كهيئة وطنية مستقلة تضطلع بمهام التخطيط الإستراتيجي، والتنسيق، والمراقبة في القطاع الرياضي، وتعمل على ضمان احترام مبادئ الحكامة الجيدة، والشفافية، وربط المسؤولية بالمحاسبة”.
وأورد المكتب ذاته، ضمن بلاغ صدر عقب اجتماعه الدوري بمدينة الرباط، السبت، أن “إحداث هذا المجلس يكتسي أهمية خاصة بالنظر إلى التحديات الكبرى التي يواجهها القطاع الرياضي، لاسيما مع استعداد المغرب لتنظيم كأس العالم 2030 رفقة إسبانيا والبرتغال، ما يتطلب إصلاحًا هيكليًا يواكب هذا الحدث الرياضي العالمي البارز”.
وأفاد البلاغ الذي اطلعت عليه هسبريس بأنه “خلال الاجتماع توقّف المكتب التنفيذي عند المستجدات الوطنية في مجال محاربة الفساد”، وشدد على “ضرورة اتخاذ تدابير إصلاحية عاجلة لضمان الشفافية في تدبير القطاع الرياضي، خصوصًا في ظل تفشي مظاهر الفساد وسوء الحكامة في العديد من المجالات المرتبطة بالرياضة، من تسيير الجامعات الرياضية إلى إبرام الصفقات، وتوزيع حقوق البث التلفزيوني، وتدبير الموارد المالية للهيئات الرياضية”.
سياق ملح
زهير أصدور، رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في الرياضة، قال إن “الدعوة إلى إحداث المجلس الأعلى للرياضة تستحضر إقبال المغرب على تنظيم تظاهرات دولية كبرى، يُرتقب أن تضخ استعدادا لها استثمارات مالية ضخمة في البنية التحتية الرياضية”، مبرزا أنه “أساسا في الوقت الحالي يستشري الفساد وسوء الحكامة في تدبير المبالغ المالية البسيطة المقدمة للجامعات الرياضية، دون حسيب ولا رقيب، أو إفضاء المحاكمات التي تجري في هذا الشأن إلى استرجاع الأموال المختلسة”.
وأفاد أصدور، في تصريح لهسبريس، بأن “المجلس يُعوّل عليه ليكون هيئة مستقلة معنية بالسهر على شفافية تدبير الصفقات العمومية التي سوف تمنح لشركات معينة في إطار مناقصات عمومية في المجال الرياضي”، مبرزا أن “هذه المؤسسة من المفروض التعجيل بإخراجها حتى تشرف خلال السنوات الخمس المقبلة على تدبير الاستعدادات لمونديال 2030، اقتصاديا وماليا وتدبيريا”.
وأضاف المصرح نفسه، مفصلا في طبيعة المجلس، أن “المفروض مبدئيا أن يكون هيئة دستورية مستقبلا، غير أنه في الوقت الحالي يتعذر ذلك، لأن الظروف والشروط الموجبة لإحداث تعديلات تفضي إلى دسترته غير قائمة”، شارحا أنه “في ظل هذا الوضع من غير الممكن بطبيعة الحال منح هذه الهيئة اختصاصات قانونية موسعة على النحو المرجو”.
كما أكد المتحدث “المراهنة على أن تناط بالمجلس الأعلى مهام المراقبة المالية لكافة المجالات الرياضية بالمغرب؛ وكذلك المراقبة التدبيرية، لأنه بعد مرور خمس سنوات من غير المستبعد أن تبقى جمعيات رياضية محرومة من الوزارة الوصية من عدة وثائق، لأن موظفا أو موظفين يرفضون منحها الاعتماد، رغم توفرها على مواهب رائدة يمكن أن يكونوا أبطالا في رياضة معينة”، مبرزا أن “إحداث هذا المجلس سيعفي المغرب من هذه الممارسات مستقبلا”.
مضاعفة الشفافية
من جانبه ذكر التهامي بلمعلم، عضو المكتب التنفيذي للهيئة الوطنية لمكافحة الفساد الرياضي، أن “المجلس الأعلى للرياضة سينكب عند إحداثه على اجتثاث ممارسات الفساد في الحقل الرياضي المغربي، وهو مطلب أساسي وملح للهيئة”، مردفا بأن الأخيرة “تتطلع إلى مجلس مستقل، تتوفر في أعضائه شروط النزاهة والاستقامة والحياد والإلمام بقوانين الرياضة، ويضطلع بمهام الرقابة على الصفقات وتسيير الجامعات وانتخاب الأجهزة المسيرة لها”.
وأكد بلمعلم أن “محاصرة انتشار الفساد في الميدان الرياضي المغربي، وربط المسؤولية بالمحاسبة، وتعزيز الشفافية والنزاهة في كل الرياضات، أهداف مستعجلة من الضروري إخراج المجلس إلى حيز الوجود لتحقيقها”، مبرزا أن “الهيئة لا تطلق الاتهامات بالفساد على جميع المسؤولين، غير أن ما يهمها هو تحقيق الشفافية في تدبير القطاع وصفقاته، والتزام من يفوز بتطبيق مواصفات عالمية في الإنجاز، خصوصا بالنسبة لتلك المرتبطة بالاستعداد لكأس العالم”.
واستحضر المتحدث ذاته، في تصريحه لهسبريس، أن “رفع هذا المطلب يأتي بعد أقل من سنة على الإخفاق الذريع الذي شاب الأداء المغربي في أولمبياد باريس، وفي النسخة السابقة من كأس الأمم الإفريقية”، مضيفا أن “سياقه يتسم كذلك بتهيؤ المغرب لاستضافة تظاهرات دولية وقارية، ينبغي أن يشكل من خلالها قدوة في التسيير والتجهيزات ووسائل النقل والاتصال، بما أن الاستثمارات المرتقب ضخها في هذا الجانب تبلغ قيمتها عشرات ملايير الدراهم من أموال الشعب”.
كما شدد بلمعلم على “وجوب اتباع المغرب إستراتيجية محكمة في الاستعداد للتظاهرات المقبلة، تشتمل على إحداث هذا المجلس؛ لأن من شأنها التأثير على صورة المملكة سلبا أو إيجابا، خصوصا أنها ستستقطب ملايين الزوار من عشاق المستديرة”، مصرا على أن “المناداة بهذه المطالب لا تعني مطلقا إنكار الهيئة التقدم الحاصل اليوم في جودة الملاعب والقاعات المغطاة المغربية، مقارنة بالسنوات الماضية”.
جدير بالذكر أن “ملف البنيات التحتية الرياضية وتنظيم التظاهرات الرياضية والأنشطة المتعلقة بها ودعم الجمعيات الرياضية كلف خزينة المغرب ما يفوق 288 مليارا و692 مليون سنتيم سنة 2023″، وفقا لتقرير مشروع قانون المالية للسنة الجارية.
0 تعليق