أكد مخلص رعد مخلص، مستشار الأمن القومى فى المجلس الوطنى للدفاع الاستراتيجى بواشنطن، أن الإدارة الأمريكية الحالية تأخذ بعين الاعتبار ردود الفعل الرسمية والشعبية والعربية الرافضة مقترح الرئيس دونالد ترامب حول تهجير الفلسطينيين إلى دول الجوار.
وشدد «مخلص»، على أن تصريحات «ترامب» حول التهجير مجرد أفكار أو مقترحات، مع انفتاحه على البدائل الأخرى، مشيرًا إلى أن واشنطن تدرك جيدًا الأهمية الجيوسياسية لمصر، والدور الذى تلعبه لتحقيق الاستقرار فى المنطقة.
ووصف المستشار فى شئون السياسة الخارجية الأمريكية الرئيس «ترامب» بأنه رجل عملى، وسبق أن مارس ضغوطًا لوقف إطلاق النار فى قطاع غزة حتى قبل وصوله إلى البيت الأبيض، مع سعيه للوصول إلى مشروع سلام جديد فى المنطقة.
■ كيف رأيتم تصريحات الرئيس دونالد ترامب حول تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة؟
- بداية، يمكن أن نعتبر أن تصريحات الرئيس الأمريكى دونالد ترامب هى أفكار أو مقترحات، فالرئيس ترامب منفتح على بدائل وحلول أخرى قابلة للتنفيذ، ومن المؤكد أن الإدارة الأمريكية الحالية تأخذ بعين الاعتبار ردود الأفعال الرسمية والشعبية العربية الرافضة هذا المقترح، كما أن هذه الدول أكدت التزامها بإيجاد خيارات عادلة لإنهاء الصراع الفلسطينى الإسرائيلى وإحلال السلام فى المنطقة.
وهذا الاقتراح لم يكن مفاجئًا، وأعتقد أن ما دفع الرئيس ترامب له هو اطلاعه على حجم الدمار الهائل الذى خلفته الحرب على قطاع غزة، وما اطلع عليه وبشكل حىّ ومباشر مبعوثه للمنطقة ستيف ويتكوف، الذى صرح بأن غزة لم تعد صالحة للحياة، وأن إعادة الإعمار قد تستغرق سنوات عدة، ومع ذلك، فإن تصريحات الرئيس الأمريكى ليست مفاجئة على المستوى التكتيكى أو الاستراتيجى.
كذلك، فإن إدارة الرئيس ترامب الأولى سعت بشكل كبير إلى إيجاد وتعزيز مشروع سلام جديد فى المنطقة بشكل عام، يفتح آفاقًا لكلا الجانبين للتعايش السلمى المشترك، وكانت المبادرة الأولى لها هى مشروع «الاتفاقات الإبراهيمية»، التى تم التوصل إليها فى عام ٢٠٢٠، والتى جاءت بالتزامن مع مباحثات متكررة لضمان حل الدولتين، إلا أن وضع الشعب الفلسطينى بقى على ما هو عليه لأسباب وعوامل داخلية وخارجية، ازدادت تعقيدًا بعد أحداث السابع من أكتوبر لعام ٢٠٢٣، والتى عقدت المشهد السياسى والإنسانى بشكل كبير.
لذا، فإن حل الأزمة يتطلب حوارًا جادًا وبناء، وبوجود فصائل مسلحة ترفض الحوار وتنتهج سياسة العنف لن يكون هناك مجال للحوار.
وبشكل مختصر؛ لا يمكن أن يكون هناك حوار متكافئ عندما تطغى أصوات الرصاص والمدفعية الصاخبة على أى فرصة للوصول إلى توافق مع من يسعى إلى حل سلمى وعادل.
■ برأيك.. كيف استطاع الرئيس ترامب دفع إسرائيل إلى توقيع اتفاق وقف إطلاق النار فى غزة؟
- الرئيس ترامب عمل على محاولات للتوصل إلى وقف لإطلاق النار فى غزة منذ فترة طويلة قبل توليه منصبه، وهذا جزء من الوعود التى التزم بها خلال حملته الانتخابية، ولا أعتقد أنه أجبر إسرائيل على ذلك، ولكنه دفع بقوة وجدية لدعم المفاوضات، التى تمت بإشراف ووساطات عربية، والتى بذلت جهودًا حثيثة من أجل التوصل إلى اتفاق لإطلاق النار.
والرئيس ترامب هو رجل عملى ويفكر بطريقة استراتيجية واضحة، ويحظى باحترام وتقدير من قبل المجتمع الدولى، وهو معروف بأنه رجل يجيد التعامل مع الأزمات بشكل جدى ومفصلى، كذلك فإن علاقته بدولة إسرائيل متوازنة جدًا.
ولذلك، أعتقد أن الرئيس ترامب قد مارس ضغطًا كبيرًا على الحكومة الإسرائيلية من أجل إيقاف إطلاق النار، تمهيدًا لمشروع أوسع نطاقًا، يتضمن إعادة ترتيب مناطق سيطرة السلطة الفلسطينية، وقطاع غزة، بما يضمن خلوها من الحركات والفصائل العسكرية التى تتخذها منطلقًا لهجمات وعمليات عسكرية تستهدف إسرائيل فى العمق، وتحول دون التوصل إلى أى حل سلمى وعادل للأزمة.
■ كيف ترى ما يحدث الآن من انتهاكات من قبل إسرائيل فى الضفة الغربية؟ وكيف تستطيع الإدارة الأمريكية الحالية إيقافها؟
- ما يحدث فى الضفة الغربية مثير للقلق، خاصة أن هناك مساعى للتهدئة وجهودًا حثيثة من أجل الخروج بحل عادل للقضية الفلسطينية، وأى اشتباك قد يقوض هذه المساعى، وبالتالى قد يفشل وقف إطلاق النار، ويعيد الأمور إلى المواجهات من جديد.
وأعتقد أنه على الحكومة الإسرائيلية أن تجد حالة من التوازن بين الحفاظ على أمنها القومى والحفاظ على فرص السلام والاستقرار التى يمكن التوصل إليها من خلال الحوار والمفاوضات.
■ وعد ترامب العرب الأمريكيين بإنهاء حروب الشرق الأوسط.. ما هى استراتيجيته لتحقيق ذلك؟
- الرئيس الأمريكى ترامب كان ولا يزال يتبنى استراتيجية واضحة فيما يخص التواجد العسكرى الأمريكى فى الشرق الأوسط، فهو لا يؤيد التدخل العسكرى الأمريكى فى المنطقة بشكل عام إلا إذا دعت الضرورة، لذلك فإن هناك إجماعًا داخليًا على إعادة تقييم السياسة الخارجية تجاه الشرق الأوسط، وتحديدًا فيما يتعلق بوضع حد لتدخلات إيران ومشاريعها التوسعية فى المنطقة، والقضاء على الحركات والفصائل التى تزعزع الاستقرار والأمن الإقليمى والدولى.
■ كيف ترى الدور المصرى سواء فى رفض تهجير الشعب الفلسطينى أو الوساطة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وإدخال المساعدات الإنسانية للقطاع؟
- دور مصر تجاه القضية الفلسطينية ليس حديثًا، فقد تحملت مصر منذ عقود طويلة مسئوليتها القومية فى دعم الاستقرار فى المنطقة، وعلى رأسها القضية الفلسطينية، وقد تكثفت الجهود فى عهد القيادة السياسية الحالية للرئيس عبدالفتاح السيسى، الذى اعتبر القضية الفلسطينية محورًا أساسيًا لضمان الاستقرار فى المنطقة، ودعم جهود السلام العادل الذى يضمن حق الشعب الفلسطينى فى إقامة دولته وإنهاء الصراع وإيجاد حل سلمى للقضية، يضمن الأمن والسلام فى المنطقة.
ومن هنا، كان الموقف الرسمى المصرى والرفض القاطع لفكرة التهجير، معتبرًا إياه تصفية للقضية الفلسطينية، وأن فكرة اقتلاع الفلسطينيين من أرضهم تعتبر ظلمًا، وأن مصر لن تشارك فيه.
ورغم أن مصر تسعى للحفاظ على علاقتها مع واشنطن فإنها أوضحت موقفها الرسمى بشكل قاطع، وعبرت عن مخاوفها من التداعيات الخطيرة لهذا المقترح، وأنه يهدد الاستقرار الإقليمى والأمن القومى لمصر والدول المجاورة الأخرى، وأنه لا بد من إيجاد حل سياسى شامل وعادل للقضية بما يضمن أمن واستقرار جميع الأطراف.
ولا يخفى على أحد الجهود الكبيرة التى بذلتها مصر لدعم قطاع غزة على مدى ١٥ شهرًا، فقد حرصت القيادة السياسية المصرية، ولا تزال، على تقديم كل أشكال الدعم والمساندة والضغط على الجانب الإسرائيلى لإدخال المساعدات الإنسانية والغذائية العاجلة لتخفيف معاناة النازحين من أبناء الشعب الفلسطينى.
■ إلى أى مدى يهتم ترامب بالعلاقات مع مصر، لا سيما وأن العلاقة بينه وبين الرئيس السيسى كانت جيدة للغاية فى فترة رئاسته الأولى؟
- الرئيس ترامب وإدارته الجديدة يدركون جيدًا الأهمية الجيوسياسية والبعد القومى العربى لجمهورية مصر العربية، وأهمية الدور المحورى الذى تلعبه مصر فى المنطقة، ومساعيها لتحقيق السلام والاستقرار الإقليمى والدولى، بما فى ذلك مبادرات واتفاقيات السلام والتعاون فى مكافحة الإرهاب.
■ تضم إدارة ترامب الحالية العديد من المسئولين من أصول عربية.. فما أسباب هذا التوجه؟
- إدارة الرئيس دونالد ترامب لا تقيم الأفراد على حسب أصولهم وانتماءاهم بقدر ما تقيمهم على أسس مهنية ووطنية، من شأنها خدمة المصالح العامة وتحقيق تقدم على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، التى تعزز التحالفات الاستراتيجية وتدعم الاستقرار.
وأعتقد أن هناك عددًا من الشخصيات الأمريكية من ذوى الأصول العربية الذين يسعون لدعم إدارة الرئيس ترامب فى مواجهة التحديات الداخلية والخارجية، ودعم السياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية، بما يضمن تحقيق الاستقرار وتعزيز العلاقات بينها وبين الدول العربية.
■ برأيك.. إلى أى مدى تختلف سياسات ترامب الخاصة بالشرق الأوسط عن سياسات سلفه الديمقراطى جو بايدن؟
- سياسة الرئيس ترامب واضحة، وقراراته مفصلية وحاسمة، وتهدف إلى الحد من تأثير الأنظمة والمجموعات التى تحاول تقويض الاستقرار، سواء كان على الصعيد السياسى أو الاجتماعى أو الاقتصادى، وسواء كان داخل الولايات المتحدة أو على المستوى الدولى، وهى تركز على تعميق العلاقات الاستراتيجية التى تخدم المصالح المشتركة للولايات المتحدة وحلفائها، بينما اتصفت سياسة الإدارة السابقة للرئيس جو بايدن بالضعف والتذبذب وخلط الأوراق، خصوصًا فيما يتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية.
■ فيما يتعلق بقناة بنما وجزيرة جرينلاند لماذا فجر الرئيس ترامب هذه القضايا فى بداية فترة رئاسته؟
- اهتمام الرئيس ترامب بجزيرة جرينلاند وقناة بنما ليس حديثًا، وبالتأكيد هو لا ينبع من رغبة توسعية، بل إن هناك عوامل جيواستراتيجية عديدة تدفع الولايات المتحدة وقيادتها للسعى للحفاظ على أمنها الجيواستراتيجى أولًا، من بينها السعى للتنافس مع القوى العالمية الكبرى على الجبهات المتقدمة، وخطوط الملاحة والتجارة الدولية، ومناطق النفوذ عالميًا. وعلاقة الولايات المتحدة بجزيرة جرينلاند تعود لحقبة الحرب العالمية الثانية، حيث أنشأت أمريكا فيها قاعدة عسكرية، لعبت دورًا مهمًا فى فترة الحرب الباردة، ما بين ١٩٤٩ و١٩٩٢، بالإضافة إلى أهمية الجزيرة فى أوج التعاون العسكرى المشترك مع أوروبا، بعد الحرب الروسية الأوكرانية.
وكذلك، فإن هناك أهمية متزايدة على المستوى العسكرى والأمنى الأمريكى لموقع جرينلاند الاستراتيجى، حيث تشكل الجزيرة ما يطلق عليه عسكريًا «عائقًا جغرافيًا طبيعيًا، أو مصدًا دفاعيًا طبيعيًا»، لأن موقعها يشبه إلى حد ما حائط صد دفاعى ضد الهجمات الصاروخية، بما يوفر حماية طبيعية لأمريكا الشمالية.
0 تعليق