كشفت مصالح مغربية، مؤخرا، عن مجموعة من القرارات الخاصة بـ”منع إغراق” السوق الوطنية بالمنتجات المستوردة من دول تربطها بالمغرب منذ سنوات اتفاقياتٌ للتبادل الحر للسلع والبضائع.
وجرى الكشف خلال الأسابيع الماضية عن عدد من التدابير تخص استيراد سلع من الخارج، وذلك بغرض مكافحة إغراق السوق الوطنية بها، منها الأفران التركية والدفاتر التونسية ومركّز الطماطم المصري، سواء من طرف وزارتيْ الصناعة والتجارة والاقتصاد والمالية أو إدارة الجمارك والضرائب غير المباشرة.
وبخلاف ذلك، تلقت وزارة الصناعة والتجارة طلبا من مجموعة “oriental weavers” المصرية، المتخصصة في تصدير السجاد والأغطية النسيجية المصنوعة ميكانيكيا بالتراب المصري، من أجل إلغاء الرسم المطبق سلفا على استيراد منتجاتها بنسبة 35,3 في المائة من قبل المصالح المغربية، متحدثة باسم ثلاث شركات مصرية تمسّكت بالمطلب ذاته، في حين أكدت الوزارة أن “العناصر المقدمة موضوعية وكافية لتبرير فتح تحقيق مراجعة مرحلية”.
وتطرح هذه الإجراءات الكثير من النقاش في صفوف المهتمين بالشأن الاقتصادي، على اعتبار أن المغرب يحاول منذ سنوات مكافحة إغراق السوق الوطنية بالواردات من الخارج، مع ضمان الأولوية للمنتوج الوطني، وتشجيع مبادرة “صُنع في المغرب”، إلى درجة أن تحليلات اقتصادية تطرح “أهمية إعادة النظر في اتفاقيات التبادل الحر التي وقّعتها المملكة سابقا”.
وشدد رشيد ساري، محلل اقتصادي، على “أولوية عدم السماح لأي منتوج يتم إنتاجه على المستوى الوطني باستيراد نظير منه من الخارج، حتى لا يحدث لدينا أي إغراق للسوق الوطنية به”، منتقدا في السياق نفسه “الطريقة التي تم بها توقيع اتفاقيات التبادل الحر بين المغرب وما يصل إلى 56 دولة على مستوى العالم”.
وبحسب إفادة ساري لهسبريس، فإن “الضرورة المطلوبة والملحة اليوم، هي إعادة النظر في مختلف هذه الاتفاقيات التي أنتجت للمغرب عجزا في ميزانه التجاري، إذ ظلت الواردات المغربية تعلو الصادرات في الغالب”، موضحا أن “العجز التجاري للمغرب مع مصر، مثلا، بلغ 15,3 مليار درهم في سنة 2023 مقابل 19,9 مليار درهم في سنة 2022”.
وذكر المتحدث أنه “سبق أن ثبتت تجاوزات مصرية تمثلت في تصدير منتجات صينية إلى المغرب على أساسا أنها منتجة بالتراب المصري”، مفيدا بأن “العجز التجاري مع تركيا كذلك كان قد وصل إلى مقاييس كبرى، إذ بلغ 13 مليار درهم”، مع “إعادة تذكيره بأن المطلوب اليوم، لتحصين الإنتاجية الوطنية والسوق الوطنية من الإغراق، هو إعادة النظر في مختلف اتفاقيات التبادل الحر التي تجمع المغرب مع عشرات الدول”.
كما أكد أن وزير الصناعة والتجارة السابق، حفيظ العلمي، “سبق أن دافع عن المنتوج الوطني، غير أن هذا المشروع لم يتقدم خطوات إلى الأمام خلال الفترة الماضية؛ فمِنَ الضروري استحضار ضابط رابح-رابح في هذا الإطار، بدون التأثير بالسلب على الميزان التجاري للمملكة أو إغراق السوق الوطنية كذلك بما تنتجه دول أخرى”.
أما ادريس العيساوي، خبير اقتصادي، فقال من جهته إن “السؤال الذي يجب أن يطرح هو: هل المنتوج المغربي يتميز بالثمن المناسب والجودة العالية حتى يمكنه أن يغطي لوحده السوق الوطنية ويلبي رغبات المستهلك المغربي؟”، موضحا أن “افتقار هذا المنتوج لبعض المميزات يجعله غير قادر على المنافسة مع نظيره الأجنبي المستورد”.
وأضاف العيساوي، في تصريح لهسبريس، أن “الإجراءات التي تقوم المصالح الوزارية التي من صلاحياتها ضبط هذه الأمور، عادة ما تكون مناسبة، غير أن هذه الإجراءات إلى حدود الساعة تبدو غير كافية”، كاشفا أن “العجز المسجل اليوم في الميزان التجاري يبقى عاديا”.
كما بيّن كون “الاتفاقيات التي وقعها المغرب سابقا مع دول أخرى، في إطار التبادل الحر، تبقى ثنائية في نهاية المطاف، بمعنى أنها تمكّن المنتوج المغربي من الوصول إلى مستهلكين أجانب”، موضحا أن “المغرب غالبا ما لا يسمح بإغراق السوق الوطنية بمنتجات واردة عليها من الخارج، ولعل ما يبرر ذلك هو كل القرارات التي تكون مضادة لهذا الأمر”.
0 تعليق