تحديات التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا (مقال)

الطاقة 0 تعليق ارسل طباعة تبليغ حذف

يُعدّ التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا، أحد التحديات الكبرى، التي تواجه دول القارة العجوز، إذ تتفاقم الأزمات البيئية مثل ارتفاع درجات الحرارة، والجفاف المتكرر، والفيضانات، والتصحر، مما يهدّد الأمن الغذائي والمائي في القارة.

وفي هذا السياق، تؤدي الحوكمة البيئية دورًا أساسيًا في ضمان الاستعمال المستدام للموارد الطبيعية وتعزيز القدرة على التكيف مع التغيرات المناخية.

وتشير الحوكمة البيئية إلى وضع وتنفيذ سياسات وقوانين تهدف إلى تحقيق الاستدامة في استعمال الموارد الطبيعية، مثل المياه والغابات والطاقة، مع ضمان استفادة الأجيال الحالية والمستقبلية منها دون الإضرار بالبيئة.

كما تشمل هذه الحوكمة آليات رقابية لضمان التزام الحكومات والشركات والأفراد بهذه السياسات، بما يدعم التنمية المستدامة.

تحديات التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا

تواجه القارة الأفريقية تحديات بيئية متزايدة بسبب تغير المناخ، إذ يعاني أكثر من 60% من سكانها تأثيرات مباشرة، ويمكن رصد التحديات في الآتي:

1- التحديات الاقتصادية

تواجه دول القاهرة صعوبات مالية كبيرة في التصدّي لتداعيات تغير المناخ في أفريقيا، إذ تصل نفقات بعض الدول إلى 9% من ميزانياتها لمواجهة هذه الآثار.

وتشير التقديرات إلى أن القارة تخسر ما بين 2% و5% من ناتجها المحلي الإجمالي سنويًا بسبب الكوارث المناخية، كما تحتاج منطقة جنوب الصحراء وحدها إلى تمويل يتراوح بين 30 و50 مليار دولار سنويًا خلال العقد المقبل للتكيف مع التغيرات المناخية.

تغير المناخ

2- نقص التمويل الدولي

على الرغم من تزايد التمويل العالمي للمشروعات المناخية، فإن أفريقيا ما تزال تحصل على أقل من 1% من هذا التمويل، لذا، تسعى الدول الأفريقية إلى استغلال المحافل الدولية، مثل مؤتمرات الأمم المتحدة للمناخ، للمطالبة بحصة عادلة من التمويل العالمي لدعم جهودها في التكيف مع تغير المناخ.

تأثير التغير المناخي في القطاعات الحيوية

1- الأمن المائي

يؤثر تغير المناخ في أفريقيا في الموارد المائية، إذ يؤدي ارتفاع درجات الحرارة وتغير أنماط الأمطار إلى تفاقم ندرة المياه، ويُتوقع أن يبقى الأمن المائي أحد أكبر التحديات، نظرًا إلى ارتباطه الوثيق بالأمن الغذائي وزيادة معدلات الهجرة القسرية.

2- الأمن الغذائي

يؤثر تغير المناخ سلبًا في الإنتاج الزراعي، مما يؤدي إلى انخفاض المحاصيل الأساسية وزيادة معدلات الجوع وسوء التغذية، فعلى سبيل المثال، في عام 2024، تسبّبت الفيضانات والأمطار الغزيرة في غرب ووسط أفريقيا في نزوح مئات الآلاف من الأشخاص وخسائر اقتصادية جسيمة.

3- الأمن الطاقي

تعتمد العديد من الدول الأفريقية على الطاقة الكهرومائية، إلا أن التغيرات المناخية تؤدي إلى انخفاض مستويات المياه في السدود، مما يهدّد استقرار إمدادات الكهرباء، ففي غرب أفريقيا، يُثير تكرار الفيضانات مخاوف حول قدرة السدود على الصمود أمام هذه التغيرات.

4- البيئة والتنوع البيولوجي

يُسهم تغير المناخ في أفريقيا في فقدان التنوع البيولوجي وتدهور النظم البيئية، إذ تؤدي التغيرات في درجات الحرارة وهطول الأمطار إلى تصحر الأراضي وتراجع الغابات، مما يؤثر في حياة السكان المحليين الذين يعتمدون على هذه الموارد.

5- النزاعات على الموارد

تؤدي التغيرات المناخية إلى تصاعد النزاعات بسبب ندرة الموارد الطبيعية، مثل المياه والأراضي الزراعية، مما يفاقم الهجرة الجماعية ويزيد من المخاطر الأمنية، خاصة في مناطق مثل القرن الأفريقي.

تغير المناخ

دور الحوكمة البيئية في تعزيز التكيف مع تغير المناخ

تعزيز السياسات البيئية والتشريعات

تساعد الحوكمة البيئية في وضع السياسات والتشريعات التي تنظّم استعمال الموارد الطبيعية وتحد من التدهور البيئي، فعلى سبيل المثال، أطلقت جنوب أفريقيا إستراتيجيات وطنية للتكيف مع المناخ، تهدف إلى تعزيز الزراعة المستدامة وتقليل انبعاثات الكربون، كما تبنّت رواندا "الإستراتيجية الوطنية للنمو الأخضر والمناخ المرن" لتحسين الأمن الغذائي والمائي.

الإدارة المستدامة للموارد الطبيعية

تعتمد العديد من المجتمعات الأفريقية على الموارد الطبيعية مثل المياه والغابات، مما يستدعي إدارة مستدامة لها.
وعلى سبيل المثال، نفّذت إثيوبيا برنامج "التحريج المجتمعي"، الذي أسهم في استعادة 7.5 مليون هكتار من الأراضي المتدهورة، مما عزّز الأمن الغذائي وساعد في مواجهة الجفاف.

إشراك المجتمعات المحلية في القرارات البيئية

تتطلّب الحوكمة البيئية إشراك المجتمعات المحلية في اتخاذ القرارات البيئية لضمان تنفيذ سياسات التكيف بشكل فعّال.
وفي كينيا، نُفّذت مبادرات يقودها السكان المحليون، مثل أنظمة الري المستدامة والتخزين الذكي للمياه، مما ساعد المزارعين على مواجهة فترات الجفاف الطويلة.

دعم الطاقة المتجددة

تساعد الحوكمة البيئية في توجيه الاستثمارات نحو مصادر الطاقة المتجددة، مثل الطاقة الشمسية وطاقة الرياح، مما يقلّل من الانبعاثات الكربونية ويعزّز الاستدامة الطاقية.

تعزيز التمويل المناخي وبناء قدرات المؤسسات

تتطلّب سياسات التكيف الفعّالة تمويلًا مستدامًا ومؤسسات قوية، ومن خلال آليات الحوكمة البيئية، يمكن تعبئة الموارد المالية عبر صناديق دولية مثل "صندوق المناخ الأخضر" (GCF)، الذي قدّم تمويلًا بقيمة 3.5 مليار دولار لدعم مشروعات التكيف في أفريقيا.

الخلاصة..

تشكّل الحوكمة البيئية ركيزة أساسية في تعزيز قدرة التكيف مع تغير المناخ في أفريقيا، من خلال تطوير السياسات والتشريعات، وتحسين إدارة الموارد الطبيعية، ودعم الاستثمارات في الطاقة المتجددة، وتعزيز مشاركة المجتمعات المحلية.

وفي ظل تفاقم تحديات التغير المناخي، بات من الضروري تكثيف الجهود لضمان استدامة النظم البيئية وتعزيز الأمن المائي والغذائي والطاقي في القارة.

* د. منال سخري - خبيرة في السياسات البيئية والتنمية المستدامة.

* هذا المقال يعبّر عن رأي الكاتب، ولا يعبّر بالضرورة عن رأي منصة الطاقة.

موضوعات متعلقة..

اقرأ أيضًا..

إشترك في النشرة البريدية ليصلك أهم أخبار الطاقة.
إخترنا لك

أخبار ذات صلة

0 تعليق